ممارسات القمع والحصار

ممارسات القمع والحصار،

ووقف المرتبات، تعميق  لمفاهيم الجهاد والمقاومة

خضر محمد أبو جحجوح

عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين

عضو رابطة أدباء الشام

[email protected]

وأخيرا سقط القناع الأخير عن زمرة أوسلو، وسقطت ورقة التوت التي كانوا يتسترون وراءها، انكشف المستور وتجلت سوأتهم ، ويا سوء ما كان يخفي وراءه القناع.. هذا السوء الذي لو أنفقنا عمرنا وأعمار أجيال غيرنا ما استطعنا أن نكشف ما خفي وراء قناع الزيف بالدقة والحرفية نفسها التي قاموا هم بفعلها بأنفسهم، فقد اختزلوا مسار الزمن واختاروا أقرب السبل وأسهلها لكشف حقيقة عدائهم البنيوي والفكري والتاريخي لشعب فلسطين وهويته وتاريخه وثوابته، وارتباطهم العميق بخيوط السياسة الصهيوأمريكية على أساس تبعية الوكلاء والمأجورين الذين لا يمتلكون إلا أن ينفذوا دون حق في المراجعة أو الاستفسار، هذا لو كان فيهم ذرة من فكر توصلهم إلى عدم قناعة بما يفعلون، فقد باتوا مقتنعين القناعة كلها راضين الرضا كله بأنهم يفعلون ما يجب فعله للخلاص من آخر مقومات البنية النفسية التي تدفع الشعب الفلسطيني للصمود، والتمسك بالثوابت، ليحافظوا على مصادر منفعتهم ومتعهم الخاصة.

لم يبخل محمود عباس وجماعته التي يتربع على رأس قيادتها الشكلية، من منفذي سياسة الحكومة الأمريكية ومخطط دايتون، على الشعب الفلسطيني بممارسات القتل والسلب والنهب والترويع والحصار وكأنه ضابط الركن الصهيوني في مبنى المقاطعة، ينفذ أوامر الحاكم العسكري، تلك الأوامر المجربة في مطلع السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.

     يبدو جليا أن هذه الزمرة لا تستقرئ الوقائع، ولا تحسن قراءة التاريخ القديم والحديث، ناهيك عن التاريخ المعاصر، ولا يحسنون قراءة العلوم العسكرية والاجتماعية وتاريخ حركات التحرر في العالم، لاستخلاص العبر والعظات ، وكأنهم لم يعرفوا الدور الخطير الذي عمقته  سياسة كسر العظام والاعتقال والحصار وسياسة منع التجول والقتل والمداهمات الشرسة التي قطع رئيس وزراء العدو الصهيوني الهالك رابين زيارته لواشنطن في مطلع الانتفاضة الأولى ليأمر قيادة الجيش الصهيوني بتنفيذها ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وما أنتجته من بعث للمد الجهادي والنضالي ولروح الصمود وحب الموت والاستشهاد التي شكلت بنائية الشخصية الفلسطينية متمثلة في أنفس أبناء الجيل الصاعد الذي يعيش مرحلة الجهاد والمقاومة المعاصرة، ويبدع كل يوم في إيجاد وسائل تقهر الاحتلال، حيث لم تفلح سياسة العدو الصهيوني في كسر الإرادة ولكنها عززت الإرادة فانتقلت المواجهات من مجرد مقاومة سلبية بالمظاهرات ومقارعة الجنود بالحجارة إلى إبداع مقاوم كسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

لم لا وأهل أوسلو لم يتعلموا درسا مما جرى، بعد أن هب الشعب الفلسطيني المناضل في غزة ليدحر فلول فرق الموت وعصابات القتل وميليشيات الرعب والفلتان الأمني، فمضوا يتمادون في القتل والدمار والحصار بالوتيرة نفسها التي أسهمت في دحرهم من غزة، دون اعتبار بمجريات الأحداث ومنطق التاريخ وحركية التدافع بين الحق والباطل.

ففي معارك التحرير يسعى الاحتلال دائما بشكل حثيث؛ ليكسر إرادة الشعوب التي يحتلها، وإنَّ محاولات  كسر الإرادة تبنى على أسس ومعايير يتبناها  الغزاة ومن يربط مصالحه بهم، ويستمد مفاهيمه منهم، أبرز تلك الأسس ، هو كسر الإرادة ودحر الهمم في محاولات حثيثة لترويض الرأي العام بالقوة تارة وبالإغراء تارة أخرى وفق سياسة العصا والجزرة، وحيث تتقلص إمكانات النجاح في إحدى المحاولات تبرز إلى سلم الأولويات محاولات أخرى.

فما فتئ الشعب الفلسطيني يفيق في غزة  ويلملم جراحه متنفسا نسمات الأمن والطمأنينة بعد مسلسل القتل على اللحية والهوية ودوس المصحف الشريف، وترويع الآمنين الأبرياء، واختطافهم، وقتلهم في الشوارع والمستشفيات والمساجد وإحراق بيوتهم، وفق سياسة مبرمجة لخدمة المشروع الصهيوأمريكي حتى ذاقت الضفة الغربية ويلات التقتيل والتحريق والمطاردة، والاعتداء على مقومات البنية النفسية، والجسدية للإنسان الفلسطيني ومشروعه الوطني المقاوم، وقبل أن تفيق الضفة من بشاعة الضربات قام آل دايتون وهم الرئيس الفلسطيني أبو مازن وحكومة الطوارئ الطارئة التي لا تستند إلى أي أساس دستوري وقانوني البتة،  بخطوات متعاقبة لمحاسبة الإنسان الفلسطيني على انتمائه السياسي، واختياره طريق الجهاد والمقاومة والتمسك بالثوابت والحقوق التاريخية، وعلى عدم اعترافه بحق دولة الاحتلال في الوجود على الأرض الفلسطينية المحتلة.

     وإمعانا في هذه الحرب التي يشنها على الشعب الفلسطيني أناس يفترض فيهم أن ينحازوا إلى صف الشعب والقضية، قاموا بحرمان ما يقارب ثلاثين ألف موظف من مستحقاتهم المالية ومرتباتهم الشهرية، في سابقة لا أستغربها كثيرا، سياسة فاقت ممارسات الاحتلال بكل أسف، فالاحتلال لم يصادر مستحقات العمال ومدخراتهم، رغم كل ممارسات التجويع والحصار والقتل البشعة التي يمارسها، فسياسة الحصار مشروع صهيونيّ، والضغط الاقتصادي والتضييق على الشعب في وسائل العيش سياسة صهيوأمريكية مجربة، وهؤلاء الساسة الطارئون في رام الله  أعلنوا الحرب على هذا الشعب المناضل وهم لا يمتلكون من أمرهم شيئا، ينفذون دون أن يفكروا في عواقب أفعالهم الخطيرة التي كشفت لجماهير الشعب حقيقة ما آلت إليه زمرة أوسلو وطبيعة ارتباطاتها، فلم يعد مجديا التمثيل والتظاهر أمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية أنهم حريصون على الوطن والقضية والهوية وأنهم متمسكون بحقوق الشعب الفلسطيني، وأنهم يسعون للإفادة من مقررات ما يسمى الشرعية الدولية لاستكمال تحصيل الحقوق الفلسطينية، فقد بات حديثهم صوتا نشازا تكذبه أفعالهم الميدانية وممارساتهم الفعلية التي يذوق ويلات تبعاتها أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات.

في ضوء تلك الممارسات ينفتح المشهد السياسي والميداني والعسكري على منطلقات للتغيير الجذري، في معالم الخارطة السياسية، فالمتغيرات القادمة ستشهد تحولات بنيوية إيجابية حساسة في شتى النواحي الثقافية والاجتماعية والفكرية والعسكرية، تصب في مصلحة الإرادة الجماهيرية، وتزيدها تمسكا بخيار المقاومة، ولن يكون للممارسات القمعية أثر سلبي على البنية الفكرية ومنطلقات  العمل المقاوم، كما يظن وكلاء الاحتلال، وسيتعمق تمسك الشعب الفلسطيني بثوابته ومقومات وجوده وإصراره على دحر الاحتلال، ولن تعدو الممارسات التي يمارسها بقايا منظِّري مشروع أوسلو التنازلي المعدّل بشكل أشد تنازلا وانهزاما وفق خطة دايتون الجديدة، القشرة الخارجية  لمعالم الشخصية الفلسطينية، حيث تذوب أيُّ رواسب متبقية في بنية المجتمع من بقايا مشروع أوسلو حتى لدى أولئك النفر الذين انخدعوا يوما ببريق مشروع أوسلو، وصدقوا منظريه، ولن يلتفَّ حول تلك الزمرة التي باعت الشعب والقضية سوى حفنة من المنتفعين وتجار الموت من وكلاء الاحتلال.