الجندي الأسير شاليت يذكّر بالأسرى الفلسطينيين

الجندي الأسير شاليت يذكّر بالأسرى الفلسطينيين

منير الحجار-غزة – فلسطين

[email protected]

أثار اعتقال الجندي الإسرائيلي( جلعاد شاليت ) منتصف حزيران الماضي حفيظة العالم بأسره، ودفعهم ذلك على الفور للاستنكار الشديد ومطالبة كل من له علاقة بموضوعه بالعمل على إطلاق سراحه، وإعادته إلى أهله" سالما غانما"، والضغط على رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) الضغط على الخاطفين من حماس  للإفراج السريع عنه، وقد عقب ذلك تهديدات للحكومة الإسرائيلية ما بين قصف كل من له علاقة، وإعادة اجتياح غزة، والدخول إلى مناطق محددة فيها ظنا منها أن الجندي الأسير متواجد فيها، وكذلك تضييق الحصار على الفلسطينيين في غزة، ومنذ أسره للآن قامت القوات الإسرائيلية بقتل المئات من السكان الفلسطينيين وإصابة الآلاف منهم، بالإضافة إلى اعتقال المئات بل الآلاف، وكذلك العشرات من النواب والوزراء، وفي الوقت الذي تزداد المفاوضات حرارة بشأن إطلاق شاليت، فإنّ أحداً لا يذكر أسماء وآهات مئات الأمهات الفلسطينيات والأطفال الفلسطينيين و الأسرى العرب الذين اختطفتهم وتحتجزهم وتعذّبهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بتهمة المقاومة، وبحسب إحصائيات وزارة الأسرى والمحررين فإن عدد الأسرى الفلسطينيين الذين دخلوا السجون الإسرائيليين منذ العام 1967 وحتى الآن بلغ ما يقارب سبع مئة وخمسين ألف أسير، ويشار إلى أن عدد الفلسطينيين المعتقلين اليوم في السجون الإسرائيلية وصل إلىعشرة آلاف معتقل وأسير.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على واقع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مع العلم أن هذا الموضوع يحتاج إلى حلقات من أجل إعطائه حقه بالكامل.

المعتقلون الأطفال منذ انتفاضة الأقصى :

اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 2000 طفل فلسطيني منذ بداية انتفاضة الأقصى في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر لعام 2000، وفي تقارير صادرة عن وزارة الأسرى الفلسطينية أفادت أن حكومة الاحتلال أعادت عام 1999 تطبيق الأمر العسكري رقم 231 الذي استخدم على نطاق واسع خلال الانتفاضة الكبرى عام 87 حيث يسمح هذا الأمر باعتقال أطفال فلسطينيين في الفئة العمرية من 12-14 عاما.

ويعاني الأطفال المحتجزون في مراكز التوقيف والاعتقال ظروفا بالغة السوء حيث يعاملون بعنف ويلاقون معاملة غير إنسانية تحط  من كرامة الإنسان, ويعذبون ويقهرون ويحرمون من أبسط حقوقهم ويهددون بانتزاع الاعترافات منهم بالقوة

 ويحتجز الأطفال الفلسطينيون الأسرى في عدة مراكز توقيف واعتقال معظمها عبارة عن معسكرات للجيش الإسرائيلي على امتداد الأراضي الفلسطينية وداخل الخط الأخضر وهي: تلموند (داخل الخط الأخضر)، وعوفر (قرب رام الله)، عتصيون (معسكر قرب الخليل)، وبيت ايل (مستوطنة وقاعدة عسكرية شمال رام الله)، وحوارة (قاعدة عسكرية جنوب نابلس)، ومجدو (داخل الخط الأخضر قرب العفولة)، وقدوميم (مستوطنة ومعسكر شرق قلقيلية)، وسالم (معسكر قرب جنين)، والرملة ، والجلمة (مركز تحقيق قرب حيفا)، ومركز تحقيق المسكوبية في القدس المحتلة.

المرأة الفلسطينية الأسيرة منذ العام 67 :

بالرغم من  قلة المصادر التي وثقت أعداد و أسماء النساء الأسيرات فإن المعلومات الأولية تشير إلى أنه دخل المعتقل منذ بداية الاحتلال حتى الآن ما يقارب (5 آلاف) امرأة فلسطينية. وشمل الاعتقال الفتيات الصغار وكبار السن منهن ، وكثيراً ما كان من بين المعتقلات أمهات قضين فترات طويلة في السجون مثل:( ماجدة السلايمة , وزهرة قرعوش , وربيحة ذياب , وسميحة حمدان, وغيرهن)

وفي تقرير خاص بنادي الأسير الفلسطيني فإن أكبر حملة اعتقال للنساء الفلسطينيات شهدتها الفترتان ما بين (1968-1976) وفي فترة الانتفاضة الأولى. وتعرضت الأسيرات للكثير من حملات التنكيل والتعذيب أثناء الاعتقال، وتفيد شهادات عديدة للأسيرات أنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي والتهديد بالاغتصاب. وشكلت أعوام (68-69) سنوات قاسية جداً في تاريخ الحركة النسائية الأسيرة، ولاسيما في بداية التجربة الاعتقالية وبدء النضال والكفاح للدفاع عن ذواتهن داخل السجون من مخططات تدمير وتحطيم للإرادة النفسية , والإرادة الوطنية لدى الأسيرات.

الأسرى في السجون حقول للتجارب واختبارات للأدوية :

مع إثارة الحديث والجدل حول المتابعة الصحية السيئة , وضعف الرعاية العلاجية لحالات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال , برزت إلى السطح قضية استغلال الأسرى الفلسطينيين كعينات مخبرية حية لتجريب الأدوية الجديدة المنتجة في مختبرات وزارة الصحة الإسرائيلية على أجسامهم، وقياس تأثيراتها على الوظائف الحيوية لأجسام أؤلئك الأسرى.

ومنذ سنوات عديدة حذرت عدة منظمات طبية ومؤسسات صحية وإنسانية من تسخير الأسرى الفلسطينيين لتنفيذ تلك التجارب عليهم.

وقد أثارت عودة تلك القضية إلى السطح تخوفات كبيرة وكثيرة في صفوف الأسرى الفلسطينيين وذويهم، إذ باتت الكثير من الأسر الفلسطينية تخشى على مستقبل أبنائها ووضعهم الصحي داخل المعتقلات الإسرائيلية.

ولم يعد التخوف الآن يرجع إلى الإهمال الطبي ونقص الأدوية وسوء التغذية وضعف الرعاية الطبية الملائمة لحالات الأسرى على أهمية هذا، وإنما التقصير لتقصد الأجهزة الطبية الإسرائيلية ممارسة دور إنساني ويتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب الأساسية التي تتلخص أساسا في كون الهدف من عمل الطب هو إنقاذ حياة مريضه وتخليصه من كل ما يمكن أن يؤثر على وضعه الصحي نفسيا وجسديا.

وفي بحث خاص قدمته ( مؤسسة التضامن الدولي ) حول هذا الموضوع لخصت فيه دور الطبيب الإسرائيلي في سجون الاحتلال بقيامه بواجبات تتنافى وأخلاقيات مهنته من خلال استغلاله لحالة الأسير الصحية لسحب الاعترافات منه والحصول على المعلومات.

وأكدت دراسة التضامن الدولي بأن هذه التجارب والاختبارات لا تتم من خلال مصلحة السجون ودوائر التحقيقات، وإنما بواسطة وزارة الصحة الإسرائيلية التي تمارس الإشراف والمتابعة وإعداد الدراسات العلمية حول استجابة حالات المعتقلين للأدوية والمستحضرات والحقن والمواد الكيميائية التي يعرضون لها.

الإعلام الإسرائيلي ومرور عام على أسر شاليت :

أفرد الإعلام الإسرائيلي تغطية خاصة بمناسبة مرور عام على أسر الجندي "جلعاد شاليت"على يد مقاتلين من حماس والمقاومة الشعبية وجيش الإسلام، حيث بثت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي تقريرا مطولا حول ظروف أسر الجندي جاء فيه أن  (جلعاد )الذي أسر خلال عملية الوهم المتبدد يتواجد حاليا في قبوٍ تحت الأرض بعمق يصل إلى 15 مترا تخوفا من أي هجوم محتمل للجيش الإسرائيلي.

واستنادا لمصادر في حركة حماس أن آسري الجندي وهما مقاتلان من حركة حماس يتناوبان عليه كل أسبوعين، ويقدمان له وجبات الطعام، ولا يملكان أي وسائل اتصالات حديثة خشية التقاط أي مكالمة من قبل جهاز( الشاباك الإسرائيلي )، أكثر من ذلك، فإنهما يعيشان منقطعين عن العالم الخارجي كليا.

الأسرى الفلسطينيون والقانون الدولي الإنساني :

يعترف القانون الدولي بالثوار كمحاربين إذا أقاموا نظاما قانونيا مرتبطا بالنظام الدولي وأطلق القانون صفة أسير حرب حتى على المدنيين العزل" والغاية من ذلك هي أن يتمكن الخصم من تمييز المحاربين من غير المحاربين , فمفهوم غير المحاربين يقصد به العصابات التي تقاتل بهدف السلب والنهب وليس بدافع من وطنيتها، وبهذا المعنى فالمدنيون والثوار في حالة اعتقالهم يشملهم مفهوم أسرى الحرب، وكل الأحكام الصادرة بحق الأسرى هي باطلة ومحض افتراء ومرفوضة من أساسها قانونيا وتشكل خروجا عن كل نصوص الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، كما يعد عدم إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين إخلالا في روح ونص الاتفاق الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل، وهذا الحال ينطبق على النواب الوزراء المختطفين حيث لا تبرر الضرورة العسكرية ارتكاب أي جريمة بحقهم ويعد اختطافهم مخالفة للقانون الدولي وفقا للبند السابع من المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، كما يخالف ذلك نصوص الاتفاق الموقع في 28 من أيلول 1995 بين منظمة التحرير وإسرائيل كما ورد في المواد من 1-8  التي منحتهم امتيازات وحصانة دبلوماسية وقضائية لا يجوز المساس بها.

كما أن اختطاف النواب والوزراء يعد " مخالفة خطيرة للقانون الإنساني الذي يضمن النواب زمن الحرب" كما لا يجوز إخضاعهم للتعذيب والتحقيق استنادا لحق الشعب الفلسطيني التي تقره الشرعية الدولية، كما أن اختطافهم كرهائن يعد جريمة حرب وفق قواعد القانون والمواثيق الدولية (المادة الأولى من اتفاقية مناهضة أخذ الرهائن 1979، المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قواعد القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملاحقها) وخرق للحصانة التي أقرت بها حكومة الاحتلال في اتفاقية واشنطن وتجدد الإقرار بالحصانة بموافقتها على الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة.

بعد هذا كله هل سنسمع أن العالم يمكن له أن ينظر إلى عشرة آلاف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية بنصف العين التي نظر فيها إلى الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس؟؟!!!...