سوريا بعد الأسد

سوريا بعد الأسد

د.خالد الأحمد *

(6)

يتخوف بعض السوريين، وبعض العرب، من تغيير النظام الأسدي الذي أهلك الحرث والنسل، في سوريا ولبنان، وساهم في هلاك العراق، ولن يتورع عن إلحاق الأذى بأي دولة عربية .... يتخوفون من تغييره ... ويتخوفون من البديل الذي سيحل مكانه، ويتصورون الفوضى التي حلت بالعراق، لذلك يخافون من تغيير النظام الأسدي ...

لذلك ومن متابعة مسيرة المعارضة السورية الداخلية والخارجية، تجمعت لدي معالم واضحة، وأهداف مؤكدة، اتفقت عليها فصائل المعارضة السورية، داخل سوريا وخارجها، ترسم هذه المعالم والأهداف صورة لسوريا المستقبل، سوريا ما بعد الأسـد، سوف أعرضها في هذه الحلقات بإذن الله عز وجل .

الأكــراد في سـوريا المسـتقبل :

حسب معرفتي أن الأكراد يعاقبون عالمياً، وتتابع الصهيونية والصليبية العالمية معاقبتهم، لأن البطل المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي منهم، ولأنه طـرد الصليبين من بلاد الشام، بعد أن وحد بلاد الشام مع وادي النيل وحرر فلسطين منهم في معركة حطين المشهورة ، ومع أنه كان مثلاً للشهامة والقيم وحقوق الإنسان التي يتعللون ويتذرعون بها ، لكنهم يكرهونه لأنه مثل المسلم العظيم الذي وحّد بعض المسلمين، وأكثر ما يتخوفون منه وحدة المسلمين ، وجاهد أعداء المسلمين الذين احتلوا أرضهم ، وهذه الطامة الكبرى عندهم والتي يحشرونها تعسفاً في مفهوم الإرهاب ....

 لذلك تجد الأكراد مقهورين في تركيا، وإيران، وسوريا، والعراق، وأينما كانوا ...

ففي أوائل شهر آب (1920)م دخل الجنرال غورو قائد القوات الفرنسية دمشق (عاصمة الأمويين ) ، وكان أول مافعله بعد وصوله أن توجه إلى قبر البطل صلاح الدين الأيوبي ، وركل القبر بقدمه وقال : ها نحن عدنا ياصلاح الدين .

وأكبرجرائم النظام الأسدي ضد الأكراد حرمانهم من الجنسية السورية، التي تعطى اليوم لعشرات أو مئات الألوف من الفرس ( الصفويين ) الذين يجلبون إلى سوريا، بينما يحرم الأخوة الأكراد من الجنسية السورية، على الرغم من أنهم ولدوا على أرض سوريا، وأشد الآلام أنهم يؤدون الخدمة العسكرية في سوريا، وبكلمة واحدة، عليهم واجبات،ولاحقوق لهم ...

كما عرفت أن حكومة البعث في الستينات أخذت منهم شريط الأراضي الخصبة، حيث الأمطار الغزيرة، في المنطقة المتاخمة للحدود السورية التركية، وأعطت هذه الأراضي لقبائل عربية في المنطقة، لدواعي أمنية كما قيل يومذاك ...

مشروع الإخوان المسلمين في المجلس النيابي :

وفي عام (1962) قدم نواب الإخوان المسلمين مشروعاً في المجلس النيابي السـوري [ آخر مجلس شعب حقيقي انتخب من الشعب ] ، يقضي بأن لايرسل إلى الجزيرة السورية حيث يغلب السكان الأكراد، لايرسل لها إلا الموظفون الملتزمون بدينهم وإسلامهم، كي يتعاملوا مع الأكراد بهذا القاسم المشترك ( الإسلام )، ولكن المشروع أحبط في المجلس ، بحجة أنه طائفي ورجعي .

وعندما عملت في قرى الأكراد و حولها عام (1966م) ، وكان من أصحابي إمام المسجد قرية ( كربيجنك ) الكردية، وهو مثقف ثقافة إسـلامية لابأس بها ، ومن حزب ( البارتي ) كما يسمى يومها أي الحزب الكردي ، قلت له : أنت مسلم وثقافتك الإسلامية جيدة ، فكيف تدعو إلى دعوة قومية !!؟ قال لي : لقد دعا العرب قبلنا إلى القومية ، والعرب هم مادة الإسلام ، وقلدناهم فدعونا إلى قوميتنا، واليوم لو يعود العرب إلى الدعوة الإسلامية ، ويتركون الدعوة إلى القومية نسبقهم في العودة إلى الإسلام والدعوة إليه .

كما عرفت أن الشيخ ( الخزنوي ) في قرية ( تل معروف ) علم من أعلام الدعوة الإسلامية ، يتخرج من مدرسته الأئمة ليغطوا مساجد منطقة الجزيرة كلها ، وله باع طويل في المحافظة على الثقافة الإسلامية في شمال سوريا وجنوب تركيا ، وبالطبع الشيخ الخزنوي يرحمه الله كردي ... 

وكنا معاشر الإسلاميين نعامل من قبل الأكراد معاملة مميزة ، ونشعر بحبهم لنا ، ونرى أيضاً ، ســوء معاملتهم من الموظفين العرب المتحللين أو المتحررين من الإسلام ، وكانت القرى الكردية ( اليزيدية ) ، والقرى الكردية غير المسلمة ، أو قرى الأشوريين مثل ( تل تمر ) على الخابور وغيرها؛تستقطب أنظار الموظفين الحكوميين السوريين من كبار الموظفين ، وتستولي مثل هذه القرى على معظم اهتمام الدولة والمسؤولين ، والخدمات التي تقدمها الحكومة ، بينما تهمل قرى الأكراد المسلمين .

وهذا يتضح لنا أن الأكراد يكرهون لأنهم مسلمون ، وهذا هو سـر مشكلتهم ، والمتحللون أو المتحررون من الإسلام ، عملاء لأعداء المسلمين الذين يكرهون الأكراد لأنهم مسلمون ، ولذلك يكره هؤلاء العملاء الأكراد لأنهم مسلمون . وأكبر الأدلـة أن القرى الكرديـة غير المسلمة ( مدللـة ) عند السلطات الحاكمة ، عملاء أعداء المسلمين .

كما نسمع اليوم ومنذ نصف قرن أن دول المنطقة كلها [ تركيا وسوريا والعراق وإيران ]، مع الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التي تدعي حمايتها لحقوق الإنسان ، الجميع يتفقون على عدم السماح بقيام دولة كردية ، وقد أقاموا دولة للصهاينة في قلب العالم الإسلامي ، وجمعوا أشتات الصهاينة الحاقدين على الإسلام والمسلمين من شتى بقاع العالم ، وقدمت لهم المليارات من الدول الكبرى في العالم بريطانيا سابقاً وروسيا ثم أمريكا حالياً ، ولايسمحون للأكراد [ المسلمين ] بإقامة دولة لهم في منطقة يتواجد فيها منذ مئات السنين أضعاف يهود العالم كله ، يمنعونهم من إقامة دولة لهم ، مع أنهم مجتمعون في أرض واحدة منذ مئات السنين ، ويجمعون أشتات الصهاينة ليقيموا لهم دولة في فلسطين على حساب المسلمين . فهاهو العالم يقف كله أو معظمه مع الصهاينة أعداء المسلمين ليقيموا دولتهم في فلسطين ، ويقف كله أو معظمه ضد إقامة الدولة الكردية لأن أهلها مسلمون .

ويتضح أن مشكلة الأكراد أنهم مسلمون ، وقد حاول بعض الأكراد أن يركبوا الموجة الماركسية ، ويتخلصوا من صفتهم الإسلامية ، وساروا في درب الماركسية عقوداً من الزمن ، ولكن أعداء المسلمين لم ولن ينسـوا أن الأكراد مسلمون وأن صلاح الدين الأيوبي يرحمه الله بطل كردي مسلم . وحتى لو تظاهر بعض الأكراد بالماركسية فلن يقبلهم أعداء المسلمين . وبالتالي ليس لهم ، كما ليس لنا ـ نحن العرب ـ إلا العودة إلى ديننـا والالتزام بـه ، وتطبيق شريعته في حياتنا . لتعود لنا عزتنا وكرامتنا المهدورة .

إن إخواننا الأكراد في سوريا يعيشون في قهر وظلم ، وإخوانهم العرب المسلمين الذين يرفضون التحرر من دينهم ، ويصرون على التمسك به يعيشون في القهر والظلم نفسـه أو أشـد ، وليس لهم ـ الأكراد والحركة الإسلامية ـ إلا التعاون معاً من أجل سوريا لجميع أبنائها ، وهذا منطق الإسلام ، وليس منطقاً نتاجر بـه ، لن يجد العرب عزاً في غير الإسلام ، كما لن يجد الكرد عزاً في غير الإسلام ، فلنعد إلى الإسلام ، عرباً وكرداً ، ( والعودة إلى الإسلام ليست سلوكاً طائفياً ، فالإسلام دين الرحمة والإنسانية )، ونبني سوريا التي نريدها لجميع أبنائها ، كما وصفت في المشروع السياسي لسوريا المستقبل ، رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سوريا حيث جاء فيه مايلي :

1.  نريد سوريا بلداً ذا هوية عربية إسلامية ، فالإسلام دين للمواطن المسلم ، وحضارة للمواطن غير المسلم .

2.     نريدها بلداً تسود فيه كلمة الحق والعدل .

3.     نريدها بلداً ينعم فيها الجميع بظل شريعة الله عزوجل .

4.  نريدها بلداً تتحقق فيه الوحدة الوطنية ، وينبذ التعصب الطائفي ، وتتعايش فيه مختلف الديانات والأعراق والمذاهب .

5.  نريدها بلداً ينتهي فيه الصراع بين التيارات الإسلامية والقومية ، ويتنافس فيه الجميع لمصلحة الوطن .

وعندما يطرح الإخوان المسلمون في سوريا ، الدعوة إلى مؤتمر وطني ، تسهم فيه جميع التيارات السورية ، وعلى رأسها الأخوة الأكراد ، يسهمون في معالجة حالة الاستبداد والاضطهاد ورفع الظلم عن الشعب السوري عرباً وأكراداً ، وحسب ما نأمل أن يكون الأخوة الأكراد أول من يستجيب لهذه الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر ، من أجل مصلحة سوريا المستقبل .

الأكـراد السوريون فئتـان :

والأكراد في سوريا فئتان : الأولى اندمجت مع العرب ( تعربت ) كالأكراد في دمشق مثلاً، وجاليات كردية في كل مدينة سورية، لايتميزون عن العرب، سوى أنك بالسؤال تعرف أن أصلهم كردي، ومنهم الشيخ أحمد كفتارو ،و الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وكثيرون أمثالهم من وجهاء سوريا . والفئة الثانية تحافظ على أصلها ولغتها وثقافتها الكردية، وتطالب بحقوقها، وهؤلاء في شمال سوريا، في القامشلي، وعامودا، وريف الحسكة، وحول تلك المنطقة، معظمهم مسلمون سـنة من المذهب الشافعي  ... وهذه الفئة الثانية متمسكة بلغتها الكردية، وعاداتها وتقاليدها ، وكان المعلمون العرب يعانون من تعليم قواعد اللغة العربية لأولادهم، لأن لغة البيت عندهم هي اللغة الكردية ...

المواطنون الأكراد في سوريا، ظلموا من حزب البعث عامة، ومن النظام الأسدي خاصة،

وقد لاحظت على أرض الواقع ؛ تعاطف الأكراد معي لأنني أطرح الطرح الإسلامي.

واليوم يشكل قسم كبير من الأحزاب الكردية مساحات واسعة وقوية في المعارضة السورية، وبعضهم يشارك في جبهة الخلاص الوطني، والشيخ معشوق الخزنوي يرحمه الله، قبل اغتياله من قبل المخابرات السورية اجتمع مع الأخ علي صدر الدين البيانوني في أوربا، وربما يكون هذا هو سبب اغتياله من النظام الأسدي ...

فماهو حال الأكراد في سوريا المستقبل ؟؟؟ ( وهنا لابد من التنويه بأن كلامي لايمثل سوى شخصي، فأنا باحث في التربية السياسية لا ألزم جهة ما بآرائي ) .

1-     آمل أن يحصل الأخوة الأكراد على حقهم في الجنسية السورية حالاً، وعندئذ يصبحون سوريين، لهم ما لأي مواطن سوري من الحقوق ...

2-     ولا أرى ضيراً في أن تخصص حصص مدرسية لتعليم اللغة الكردية في منطقة   الأكراد، طبعاً إلى جانب اللغة العربية ... كما لا أرى ضيراً في أن تكون لهم إذاعة تبث باللغة الكردية، ومحطة فضائية باللغة الكردية ...

3-     كما أرى أنه من الأفضل أن يكون كبار المسؤولين في منطقة الأكراد من الأكراد أنفسهم، ولا أظن الأكراد يطمحون إلى أكثر من هذه المطالب المشــروعة في نظري ...والتي لاتشكل أي خطر على الأمن القومي السوري ...

وقد قال الأستاذ علي صدر الدين البيانوني عن هذه قضية الأخوة الأكراد في  سوريا في لقائه مع فضائية المستقبل في (7/6/2007) مايلي :

( أكد البيانوني أن "الشعب الكردي في سورية يجب أن يأخذ حقوقه كاملة". موضحاً أن المواطنة هي الأساس، و" الخصوصيات الدينية والمذهبية والعرقية يجب أن تُحترم للجميع".

وأضاف "من حق أي قومية في سورية أن يكون لها دور كباقي أبناء الوطن"، و"من حق هذه الأقليات أن تعبر عن هذه الخصوصيات بلغاتها بثقافتها بتاريخها" وأن تدرس لغاتها في مدارسها، و"نحن ضد التقسيم وضد التجزئة".

 والكلمة الفصل في كل القضايا المصيرية في سوريا المستقبل للمجلس النيابي المنتخب انتخاباً حقيقاً من الشعب السوري، والذي يجلس فيه النائب الكردي والنائب العربي، والنائب المسلم، والنائب المسيحي، والبعثي والإسلامي والماركسي، كل ذلك كي يمثل هذا المجلس شرائح الشعب السوري كلها ...وكل قضية مصيرية تبحث في هذا المجلس الذي يبت فيها بقرار الأكثرية ...

(7)

يتخوف بعض السوريين، وبعض العرب، من تغيير النظام الأسدي الذي أهلك الحرث والنسل، في سوريا ولبنان، وساهم في هلاك العراق، ولن يتورع عن إلحاق الأذى بأي دولة عربية .... يتخوفون من تغييره ... ويتخوفون من البديل الذي سيحل مكانه، ويتصورون الفوضى التي حلت بالعراق، لذلك يخافون من تغيير النظام الأسدي ...

لذلك ومن متابعة مسيرة المعارضة السورية الداخلية والخارجية، تجمعت لدي معالم واضحة، وأهداف مؤكدة، اتفقت عليها فصائل المعارضة السورية، داخل سوريا وخارجها، ترسم هذه المعالم والأهداف صورة لسوريا المستقبل، سوريا ما بعد الأسـد، سوف أعرضها في هذه الحلقات بإذن الله عز وجل .

 

الأحـزاب في ســوريا المسـتقبل :

في الخمسينات كنت في المرحلة الابتدائية ، أعيش بين البادية والقرية ، ولم تكن أية وسائل إعلام يومذاك ، لذلك كنت أسمع الكبار يتحدثون عن حزب البعث العربي الاشتراكي ، وكان له حضور كبير في ريف حماة ، كما سمعت مرة من مدرسـنا الأستاذ أكرم حداد ( 1957) عن الإخوان المسلمين ، وسمعت أن لهم مركزاً في حماة ، وكنت يومها في الصف الخامس الابتدائي ... وكان الصراع في الريف بين الاشتراكيين يقودهم أكرم الحوراني ، والإقطاعيين يقودهم الأغوات وبعض السياسيين القدماء ...

ثم جاءت الوحدة وحلت الأحزاب ... ومالبث أن جاء عهد الانفصال لتعود الحياة السياسية في سوريا إلى التعددية ، وكنت في الصف الأول ثانوي ، ورأيت صحيفة اللواء الصادرة عن الإخوان المسلمين ، ورأيت أنشطة الإخوان تملأ المساجد ، وخاصة في العطلة الصيفية ...

ثم قامت ثورة البعث في (8/3/1963م) وحلت الأحزاب ، وعاشت سوريا في الحكم الشمولي الديكتاتوري حتى هذه الساعة ...

والذي أتصوره في سوريا المستقبل بعد أن ذاق الشعب السوري مرارة الحكم الشمولي ، والاضطهاد الديكتاتوري ، وظلم الحكم الفردي ، الذي آل إليه الحكم الشمولي ...بعد ذلك كله سوف يختار الشعب السوري حريـة تعدد الأحزاب ، والسماح لكل مجموعة محددة ( 100) مواطن مثلاً أو أقل ، غير محكومين سابقاً ، بتشكيل حزب سياسي بعد أن يقدموا طلباً لوزارة الداخلية ، يقدمون معه منهج الحزب ، ونظامه الأساسي ،  ومن واجب وزارة الداخلية الترخيص لهم بإنشاء حزب سياسي .

فوائد التعددية السياسية :

حرية تشكيل الأحزاب وتعددها كما يقول الأستاذ دندل جبر في كتابه ( التعددية السياسية ) لها فوائد كثيرة ألخصها فيما يلي :

1-     الأحزاب مدارس للشعوب في تكوين رأي عالم مستنير : تعمق الوعي السياسي ، وتدرب المواطنين على العمل الجماعي ، وتعالج مشكلات الشعب وتطرح حلولاً لها .

2-     الأحزاب السياسية همزة الوصل بين الحاكم والمحكوم : فتوسع مدارك الحكام وتدلهم على الطريق السليم . عن طريق صحافتها ووسائل إعلامها .

3-     الأحزاب السياسية صمام أمن في الأمة وحائل دون استبداد الحكومة :  تحول دون نشأة العمل السـري ، وأعمال العنف .

4-     تسهم الأحزاب السياسـية في تكوين النخبة السياسية القادرة على حكم البلاد ، وقيادة مسيرتها نحو حياة حرة كريمة .

5-               التخلص من الفردية لأن الحزب السياسي السليم يرسخ العمل الجماعي .

6-     توجيه الرأي العام أثناء الانتخابات ، كي يقوم الناخب بدوره ويدلي بصوته بعد نضج رأيـه ، ومعرفة المشروع الأصلح والأكفأ لبلده ومستقبل أمته .

وللتعددية السياسية اتجاهان أحدهما يقول بالتعددية المطلقة ، ويتزعمه الأخ راشد الغنوشي ، وهذا الاتجاه يسمح بتشكيل أحزاب في المجتمع المسلم أياً كانت ، ماركسية ، ملحدة ، المهم يوجد أعضاء من المواطنين يتبنونها ...والرأي الآخر يرى بالتعددية السياسية ضمن إطار الثوابت ، ومن الثوابت في بلادنا اللغة العربية والإسلام ، فمثلاً لايسمح لحزب يقوم على محاربة اللغة العربية ، ولايسمح لحزب يقوم على محاربة الإسلام ... والكلمة الفصل للجنة تأسيس الدستور التي تختار التعددية المطلقة أو المقيدة ...

حريـة الإعـــلام  :

وينتج عن التعددية السياسية حرية الإعلام ، فلن تبقى صحيفة الثورة والبعث وتشرين صحف سوريا الثلاث بدون منازع قرابة نصف قرن ، تجد الخبر الذي نشر في التلفزيون السوري ، وفي إذاعة دمشق ، مكرراً في هذه الصحف الثلاث ... بل ستجد صحافة متنوعة ، صحيفة كذا الناطقة باسم الحزب الفلاني ، وصحيفة أخرى ناطقة باسم حزب آخر ، وهكذا ستجد عدة صحف ، لكل صحيفة اتجاه سياسي معين ، ولون ثقافي يختلف عن غيرها ، وكلها تخدم مصلحة سوريا المستقبل ...وتتنافس في تقديم أفضل المعلومات بأفضل الطرق للمواطن السوري ....

وسوف تقرأ بلغة مؤدبة نقداً لما فعله الوزير الفلاني ، في المكان الفلاني ، وخلاصة ذلك أن هذا العمل لايخدم مصلحة الشعب السوري ، وقد يخدم فرداً أو مجموعة قليلة فقط ، وقد تكون له أضرار على المصلحة العامة ، وقد يكون مثل هذا المقال سبباً في مساءلة هذا الوزير أمام مجلس الشعب ...وقد يؤدي إلى استقالة الوزير ...عندما يضغط عليه حزبـه حفاظاً على سـمعة الحزب ومصلحة سوريا المستقبل ، كما نتابع في دول أوربا وفي الكويت ...

 وسوف تسمع في سوريا إذاعات جديدة غير إذاعة دمشق ، إذاعات متعددة الأغراض التي تخدم سوريا ، إذاعة يشرف عليها الحزب الفلاني ، بتوجهاته المحافظة ، وإذاعة يشرف عليها الحزب الآخر بتوجهاته المختلفة عن الأول ، وهكذا ...يستطيع المواطن أن ينتقي من هذه الإذاعات مايعجب ذوقـه وسـمعه ...

والأمـر نفسـه ستجده في محطات التلفزيون ، سوف تجد تسابقاً وتنافساً من أجل شـد انتباه المستمع والمشاهد السوري والعربي ، وطرح مشروعات ثقافية وفكرية متنوعة ، تثري البيئـة الثقافية وتنميها بالتنوع الثقافي والفكري ....

وسـوف يكون مجلس الشعب هو القائد الفعلي والحقيقي لسوريا المستقبل كما سنرى في حلقة قادمة بإذن الله ... ومجلس الشعب الحقيقي أو البرلمان هو عصارة ماتقدمه التعددية السياسية للبلد ، تجد الاتجاهات السياسية ، والمذهبية ، والقومية ، والفكرية كلها موجودة في مجلس الشعب ، كل بحجم هذه الفصائل الوطنية ، وكل ينافس الآخر من أجل تقديم أفضل المشاريع للنهوض بالبلد ، وأمنه ، واقتصاده ، والقرار المعمول بـه ؛ هو القرار الذي حصل على أصوات الأكثرية في مجلس الشعب ، وجميع أعضاء المجلس والحكومة ينشطون بكامل الرضا والسرور لتنفيذ ماقررته الأكثرية ....

              

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية