الإسلاميون والسلطة: إحباطات أم اضاءات؟!
الإسلاميون والسلطة: إحباطات أم اضاءات؟!
فداء الدين السيد عيسى
التحولات السياسية كانت دائما وأبداً محل أنظار المنظرين و المحللين واصحاب القرار , ومن وراءهم كانت تسير القوافل الكثيرة في هذا العالم مقفلة العينين , فلم تُخلق السياسة لكل من هب ودب , ولكنها خلقت لأهلها , ولمن له القدرة على فهمها جيدا والتعامل مع ما قد ينجم عند التعاطي معها وهي الحقيقة التي ستظل قائمة ما بقت الارض والسماء والى ما شاء الله لهما البقاء .
ومع هذا التحولات السياسية الكبيرة التي تغير العالم وتبدل الارقام وتصنع التاريخ , تصعد أيديولوجيات وتسقط أخرى , وتنجح حركات في الوصول الى السلطة وتخسر أخرى , حروب ومآسي , انتصارات ومصائب , إحباطات وإضاءات ... وفي هذا الخضم الهائل من الاحداث تخرج تلك الحركة الرائدة في عالمنا العربي والاسلامي , والتي تكبر كشجرة من التين ثابتة مع الشعب الاسلامي المتمسك بها تمسكا اصيلا يدل على طيب المنشئ ودوافع الفطرة الاسلامية في نفوس الشعوب وقدرتها على التحرر من الاستبداد
لقد نجحت الحركة الاسلامية بشكل عام في أكثر الاختبارات مرارة وصعوبة , أكثر من نصف قرن من الصياغة والبناء والعمل المتواصل , وها هم يحاولون مرارا وتكرارا اثبات قدرتهم على التغيير والاصلاح , وانا لا اعني البتة أنهم أنهوا ما عليهم من الواجبات والحقوق وأنه لم يبق الا الانتظار بل الامر اكبر مما قد يتصوره الكثير والعالم في تغير مستمر كما ذكرنا والامانة كبيرة والهدف سام , لكن المؤشرات تدل على صعود سهم الاسلاميين لما اثبتوه من جدارة سياسية وتحمل وصبر على الشدائد , إن البرامج السياسية التي ينادي بها الاسلاميون في كثير من البلاد الاسلامية تطالب بالحرية والاصلاح والتغيير وهذا هو ما تريده الشعوب المسكينة والمقهورة ولذلك مهما حوربت هذه الحركة فإن انصارها هم كل المقهورين والمظلومين والفقراء والمساكين واصحاب المطالب والحقوق , ولذلك فمهما حاولت الانظمة المستبدة في بلادنا قلع شروشهم فهم باقون ولو في قلوب الناس وافئدتهم .
إن تجربة الحركة الاسلامية مع السلطة والدخول في المعترك السياسي أثبتت وبكل جدارة قدرة الاسلاميين على ممارسة الديمقراطية والتعاون مع المجتمع الدولي ورعاية منظمات حقوق الانسان ومراعاة الواقع الجديد , وتحديد معالم الطريق , وتلبية رغبة الجماهير بإصلاح ما أفسده الدهر , وهذا ليس بالكلام النظري أبدا , فكل متابع لمجريات الاحداث يلاحظ تبني الحركات الاسلامية للإجراءات العملية المناسبة لإحداث التغيير الذي يتوق الناس اليه , ولذا فقد حققوا نجاحات ابهرت الكثير وازعجت الكثير , وهكذا انقلبت الديمقراطية ظلما عند بعض الانظمة السياسية فلم تحترم لا ديمقراطية ولا مشاركة سياسية عادلة تضمن الحقوق للجميع , وهو بالفعل ما حدث في تونس ومصر والجزائر , مما دفع بالكثير إلى استخدام وسائل وأساليب أخرى لدفع الظلم و العنف بعيدا عن السياسية ونفاق النظام الحاكم كما حصل في الجزائر وما حل بها من خراب ودمار , وكما كان الحال في مصر من أعمال عنف , وكما هو الحال مع النظام التونسي المستبد من ظلم واعتداء , وكما هو الحال في سورية ونظامها الحاكم المستبد واللذي استخدم وما زال يستخدم نظام الحزب الواحد هذا ان بقي في سورية اصلا حزب واحد , فحتى حزب البعث اللذي كانت له جولة وصولة في سورية أصبح مجرد شماعة قد يستخدمها بعض أقزام السياسة هناك , وأخيرا وليس آخرا فلسطين وما أثارته الحركة الاسلامية من انقلاب سياسي ايجابي عظيم على مستوى العالم كله لا العالم العربي وحده , مما أدى بكثير من أعداءها بالكيد والتخطيط لإسقاطها رغم ظروف الاحتلال والأوليات التي لا بد ان تحتل المكان الاكبر في نفوس صناع القرار بعيدا عن الاختلاف السياسي في هذا التوقيت بالذات , ورغم ان الحركة فتحت أذرعها لكل من احترم المشاركة السياسية العادلة إلا انه يبدوا جليا وجود تلك العقدة الديكتاوراثية عند كثير من ساسة فلسطين وجنرالات الجيش ووسطاء الخيانة الذين التسق بمؤخرة كل واحد منهم كرسي لا يتخيل يوما ما ان ينزع من تحته... كثيرون هم من يعتقدون ان الإسلاميين خسروا الجولة في فلسطين وأنهم انتهوا من خارطة الوجود الفلسطيني وهو خطأ استراتيجي بحت , فايديولوجية المقاومة في أي بلد محتل لا تنتهي ولا تستأصل , قد تضعف وهو أمر وارد وهي سنن الله ولكنها لا تختفي , فكلما ضربت بالنار والحديد كلما ارتفع سهمها عند الله وعند الناس.
كل هذه البلاد وكثيرة أخرى حوربت فيها الحركات الاسلامية من كل حدب وصوب ووجهت رؤوس البنادق لإخوة الدين والوطن بدل توجيهها لأعداء الدين والوطن , نُكلوا وأُبعدوا عن ساحات التغيير واتخاذ القرار , ومع هذا والكثير الكثير من أساليب الديكتاتورية والوراثية والظلم, وما زال- الإسلاميون- شعبيتهم في تزايد وما زالوا يحملون أحلام الشعوب المنكوسة والتي نكست وكسر أنف عزتها على الأنظمة السياسية البائدة , وهذا ما يحير الحكام في بلادنا وسيبقون في حيرة لأن سنة الله باقية لقيام الساعة , وان كانت دولة الظلم ساعة فدولة الحق الى قيام الساعة , هي ليست أساطير نرويها لأولادنا قبل النوم أو تهيآت محبط أو مجرد كلمات عاطفية لاستنهاض المشاعر , بل هي حقيقة يؤمن بها كل إسلامي حر أبى الظلم والاستبداد , وإن غداً لناظره قريب .
أما البلاد التي احترمت نوعا ما العملية الديمقراطية ولو بشكل محدود مثل الاردن والكويت واليمن وتركيا وماليزيا, فقد اختيرت فيها الجماعات الاسلامية بشكل كبير وقدموا وقبلوا في المجتمع وزوايا اتخاذ القرار , رغم كل العوائق التي تقف في طريقهم والمشاكل والحواجز التي ما زالت تضعها الانظمة في طريق برنامجهم الشورديمقراطي , وتجاربهم مزدهرة بالعمل والبناء وتعزيز مشاركة ابناء الوطن همومه ومحاولة إعادة العزة والكرامة التي افتقدت منذ زمن منطلقين من قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) , وكما ان المشاكل التي يعاني منها العالم الاسلامي والعربي ليست حديث اليوم ولا انطلاقة الساعة وإنما هي تراكمات سنين كثيرة من الاخطاء والعثرات والوقوع في مطبات الغرور والظلم , والابتعاد عن دين الله , فإن بناء ذلك من جديد يحتاج إلى وقت أكثر وأطول لأن البناء ليس كالهدم مطلقا , فما أسهل أن تهدم , وما أصعب ان تبني من جديد.
في النهاية أحببت فقط ان أنوه إلى ان هذا المقال ليس إلا محاولة لإعادة الثقة المطلقة بالحل الإسلامي , وأن ما يحدث في كثير من دول العالم الاسلامي من ظلم وانتكاس ما هو الا درجات سلمٍ تأخذنا جميعا ان شاء الله إلى التحرر منه ومن تلك الأنظمة التي لا بد وان وقتها شارف على الانتهاء لأن العدل أساس الحكم فإن افتقد فبشر الناس بنور الله من جديد يشعل نفق هذه الانتكاسة , وما هي إلا ضريبة علينا جميعا دفعها إن أردنا لديننا ولأوطاننا ولأولادنا وللأجيال القادمة حياة افضل , فمع الاحباطات بشرهم باضاءات وانارات , لأنه ما زال هناك الكثير في هذا العالم ممن يحمل هذا الدين وممن يحاول جاهدا اصلاح الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلادنا , وهم في هذا يختلف بعضهم عن بعض في الفهم والتطبيق وكل منهم يعمل في دائرته وقدراته , وإن بقي الامر في دائرة الاجتهاد فالامر فيه متسع للجميع.
إن الفكر الإسلامي السياسي المعاصر بارز ومعزز من الشعوب المقهورة , فلا خوف عليهم ولا على اتباعهم , بل حتى الغربيين المتشدقين بالديمقراطية صاروا في موقف محرج بين الاعتراف بفكرة الاسلامية السياسية في العالم الثالث لما حققوه من انجازات رائعه ومن ضغط جماهيري واسع وشعبية منقطعة النظير وما تجربة فلسطين عنا ببعيد , أو بين متابعة سيرهم العمي وراء مصالح أميركا ومن لف لفها من اصحاب تجار السلاح في العالم .
إن ما ننتظره من الحركات الاسلامية هو العمل الدؤوب وعدم الاستسلام لمغريات السياسة , وعدم التخلي عن الثوابت , والمحافظة على المرونة واللياقة السياسية بين الأخذ والرد, والتنسيق المنظم والعمل البرلماني المركز والنضال المستمر من أجل الوصول لحكومة إسلامية تتصف بالشورى والديمقراطية والتعددية والمؤسساتية والعدل والحرية , ولهم علينا النصر والمؤازرة ما استطعنا .