ويستمر بناء الجدر العازلة في وطننا العربي

على أجساد الشعوب العربية

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

في الماضي وبعد نشوء الصراع البشري وتحول البشرية إلى فرق ومجموعات وذات اتجاهات مختلفة.

واستمر الصراع ويستمر بين الأفراد والمجموعات وبين الدول .

وأخذ كل فريق يبحث عن الأمان والطرق الممكنة والواجب اتباعها لحمايته من الغرباء .

وشيدت القلاع والأسوار وفتحت الخنادق وتعددت وسائل الدفاع عن المجتمع , في المكان والزمان والوسيلة .

وكان العصر الحديث ليضرب الأعداء على وطننا العربي سياسة الجدر العازلة والتي لم تبق ولم تذر من هيبة وطننا في العالم أجمع.

وتنوعت تلك الجدر العازلة وتعددت أشكالها , ويمكننا تقسيمها إلى مجموعتين هي:

أولاً: الجُدران الوهمية

ثانياً :الجدرانُ الحقيقية

اخطر الجدر الوهمية والتي نعاني منها كانتا :

وعد بالفور وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وفصل المشرق المغربي عن المشرق العربي , واتفاقية سايكس بيكو ونتائجها الواقعية في تجزئة المجزأ أيضا.

أما الجدران العازلة والملموسة باليد كالإسمنتية والحديدية والفولازية .كالجدار العازل في الضفة الغربية المنشأ من قبل العدو الصهيوني . والجدار العازل الذي ينشؤه النظام المصري لعزل غزة , والجدر الإسمنتية في العاصمة العراقية بغداد . هذه الجدر والحواجز لاتملك أثرا مزمنا ويمكن إزالتها بسهولة بتغير حاكم أو نظام أو تغيير المصالح ولا يبقى من آثارها في النفس البشرية أو المجتمع مايذكر من أثر فعال في المستقبل بعد زوالها .

المهم في الموضوع هو الجدر الوهمية , فلو تعمقنا في نتائج تلك العملية على المستوى الداخلي للنفس البشرية وعمقها الأثري الحالي والرجعي لوجدنا الخطر الحقيقي والوسيلة المصطنعة والتي يتم تنفيذها بأيدي المجتمع كله ولن نجد بريء .

أنا مواطن سوري أحب سورية وأعشقها . وعراقي آخر يحب العراق ويعشقها .ليس من السهل أن أقف مكتوف الأيدي في حرب تنشأ بين العراق وسورية , بين مصر والجزائر من أجل مباراة بكرة القدم .

أحتاج لجواز سفر وإقامة ولست آمن فيها عندما أسافر إليها. يبقى الأمر مواطن غريب يحل فيها بغض النظر عن العواطف .ازداد الشعور بالقطرية الضيقة وتعمقت العصبية للقطر الواحد , وذهبت أدراج الرياح الملتقيات بين الطرفين .

أصبح الناس والشعوب ببغاوات تنطق مانطق القائد وتعظم ماعظم القائد وتعادي أو تحب ماأحب القائد .

أختيرت أنظمة الحكم بعناية فائقة من قبل واضعي إتفاقية سايكس بيكو . وانصب هدف القادة على تعميق الفصل بين العرب والمسلمين , وجعلوا ملهاة الشعوب العربية في جدر وهمية صنعوها هم وجعلوها حقيقة يتمسك بها البعض والكل وليس البعض فقط

منها:

الأنظمة الثورية . الأنظمة الرجعية ,النظم الجمهورية والنظم الجمملكية والإمارات العربية والملكية .

الإختلافات الحزبية والعقائدية .نظام بعثي نظام شيوعي نظام رجعي نظام قمعي .

ثورات داخلية , حروب أهلية تغذيها الأنظمة واليهود والغرب .

الكل يعترف حقيقة بالجدار الأصعب والأخطر للمنطقة هو وجود الكيان الصهيوني .

ولكن لو تعمقنا في سبب بقاء هذا الكيان وشراسته وبيئاته الفاسدة التي مزقت كيان الأمة في هذا الستار العازل الموضوع بين ضفتي الأمة العربية لوجدنا جدر أخرى تدعمه أشد خطرا وأشد منعة من ذلك الكيان المنفرد في المنطقة العربية.

يحيط بالكيان الصهيوني أربعة دول عربية , كل دولة من هذه الدول وضعت جدارا عازلا آخر يدعم الجدار الصهيوني منذ سنة 1974 .

وبدأت بمصر في فك الإرتباط بين الجيش المصري والإسرائيلي وزيارة السادات لإسرائيل واتفاقيات كامب ديفيد لتكون الحدود المصرية الجدار الوهمي الحقيقي والذي يستحيل عبور ذلك الجدار.

وملكت اسرائيل جدارها العازل من قواتها وسيناء وعرضها مفتوح بدون قوات مصرية .

في سورية كان فك الإرتباط بين الجيش السوري والصهيوني واتفاقية السلام الجزئية في استعادة القنيطرة لتصبح منطقة معزولة السلاح , ليكون الجدار الداعم لحماية الأمن الصهيوني من المقاومة ليدعم الجدار ذلك بقانون سوري (كل من يتعرض للكيان الصهيوني ولو بطلقة مسدس من قبل سوري يحكم بالإعدام) .

تماثلا الجداران في مصر وسورية مع الجدار الأردني في اتفاقية وادي عربة والسلام الموقع بين الفريقين .

في لبنان مسرحية حزب الله وحرب تموز 2006 والجدار العازل من حزب الله للكيان الصهيوني الآخر.

بهذه الحرب لتدعيم التغلغل الإيراني في المنطقة العربية لخلق جدر جديدة صعبة وخطرة في تغيير الخارطة الديموغرافية في الوطن العربي والتمهيد للحروب الطائفية في الحاضر والمستقبل لتقوية الجدار العازل الأمني لإسرائيل والنظم العربية المستبدة.

جدر كثيرة صنعها أعداؤنا وجدر أشد عمقا وتأثيرا صنعتها أيدينا ,ومن أخطر تلك الجدران الفولاذية أو قل الجدران المصنوعة من الماس هي التي جعلها الحكام بينهم وبين شعوبهم .

فالرأي رأي الحاكم والشعب غبي أمي جاهل , ولا يحق لأحد أن يقول إلا الملهم والذي لايخطيء .

وفرضوا هذا الواقع على الشعوب العربية بالقتل والتشريد والظلم وتفتيت العظام والقمع وسرقة أموال الشعب .

حتى جعلوا المواطن لاحراك فيه ويخاف من نفسه على نفسه من أن تبدي نفسه شيئا ضد النظام .

فالأوطان العربية ماهي إلا مزارع وعزبات يمتلكها النظام ,والشعب هم العبيد فيها .

فلو كان للشعب رأي في حده الأدنى لكانت تلك الجدران  وهمية سرابية ليس لها من تأثير يذكر, أو أنها غير موجودة على الإطلاق.

فعندما نستطيع تهديم تلك الجدران التي وضعها حكامنا ويعي مفكري هذه الأمة حقيقة تلك الحكام وواضعي سبل الفرقة والتشتت والتقزم ويقفوا صفا واحدا ضد الجميع عندها :

لن تأبه غزة بذلك الجدار