عظم الله أجركم

عظم الله أجركم

م.نجدت الأصفري

[email protected]

لم يبق لنا إلا أن ننعي الأمة العربية التي ضمها لحد العالم الذي لم ير فيها من يستحق الحياة ، ذباب أو هوام ، جرذان وفئران ، قرود ووحوش تلك أوصافنا في مؤتمراتهم ، وتلك تصريحاتهم بلسان زعمائهم ، يتداعون علينا تداعي الأكلة إلا قصعتها ، وليس ذلك لأننا من قلة ، بل لأننا غثاء كغثاء السيل وزبد  ماء آسن ، تجرأ علينا سقط القوم ولم يشعروا بوجودنا ، وتمادوا فلم يتحرك لنا أصبع نذبهم بها عن مؤخراتنا ، لقد مات من كان فيه نخوة مضرية ، وشرف العروبة ، وكرامة الإنسانية  .

منذ أن وضع فوارسنا سيوفهم في أغمادها ، ونام حراسنا عن ثغورنا ، لعلع صخب الأعداء فما صحينا ، وفتح السفلة أشداقهم فما لطمناهم ، وجيشوا جيوشهم فما استقبلناهم إلا بإدارة ظهورنا ، بل درنا لهم مؤخراتنا يعبثوا بما كان خطا أحمرا في قواميس شرفنا وتعريف عفتنا .

تنادوا من كل قطر وقرية وشدوا إلينا جموعهم ، فكان منا خدما لمعسكراتهم ، وأدلاء لقوافلهم ، وسرنا في ركابهم نهدم معهم صرح ما ورثناه ، ونتبارى أمامهم أينا أفعل بأمته من سواه لنحوذ منهم رضى نطلبه ونرجوه لنعيش بما نشعره عزة لنا وكرامة  في ظلهم وتحت عباءتهم.

كم يتباهى من كان منا خدما لهم ، و يسرد بفخر ممشاه في ركابهم ، يحملهم على رأسه مفتخرا ، ويقتل أخاه من أجلهم ، حتى صار ديدننا خيانة الأخ تقربا وتزلفا للأسياد المستعمرين.

ولولا صحوة عابرة لما انزاحوا عن ظهورنا ولبقوا يركبوننا إلى ما شاء الله

ما لبثت أن عادت حليمة لعادتها القديمة فضيعنا ما حرروه وفقدنا ما ورثوه لنا . خدعونا باتفاقات ومعاهدات ، بصم عليها جهالنا ، فاستحلوا كرامتنا ، وداسوا أشرف أشرافنا ، ورؤساء أمتنا ، فهم يضربون كرامنا بأحذية صغارنا ، حتى أصبحنا كلنا صغارا نتسابق لخدمة اسيادنا الغرباء.

يعينون علينا من أبناء جلدتنا من يسوموننا سوء العذاب طلبا لمرضاتهم ، وهم من خبث يدورون بنا دوران الحمار بالرحى فمن جهة ينتقدون أجراءهم بما يدعونه  حقوق الإنسان ومن خفي يغمزون لهم ويربتون على أكتافهم أن عليكم بالمزيد.

سعى القوم أن يتخلصوا منا قتلا وحروبا لكننا أمة غانمة بالمواليد لنزيد أعداد الخدم لأسيادنا ، فرحين فرح الراعي بازدياد قطيعه ليعمل السكين في رقابهم .

قسمونا بالمسطرة و الحبر الأحمر ، وكأن شيئا لا يعنينا ، ثم أستأجروا منا ملوكا ورؤساء ، سلاطين وأمراء ، تسابق الجميع في طلب الرضى ممن عينهم خدما على قسائم أملاكهم في ديارنا ، بلا أحساس من كرامة ولا وخزة من ضمير ، وهل هناك من كرامة أو ضمير لمن يعادي أهله نصرة لعدوهم ؟

ثم دسوا بيننا وليدة لقيطة زرعوها بين أقتابنا وأعز أركاننا ، ممن أوصانا بها من ورثنا إياها فما كان للإرث قيمة ولا للوصية وزنا ، وما زلنا بين مصدق ومكذب أنهم أعداؤنا أم أصدقاؤنا ، أليس من الحقارة والخبل معا أن لم نعد نعرف العدو من الصديق ؟

والأنكى من ذلك أننا نراهم يتحدون بينما قومنا يتمزقون ، يسرقون أموالنا وبها يتقدمون ، بينما يسرق أولاد آباءهم وأهلهم ليضعوا ما سرقوه في يد أسيادهم  يطورون أنفسهم ويتآمرون بالمزيد من الحقد والضغينة والعداوة ضدنا بما أمددناهم به من أموالنا ، حتى من كان حاميا لمصالح أهله ومؤتمنن على  أرضهم  يسرق أهله ليضيفه مالا سحتا في جيوب أعدائه .

أشعلوا حروبا بيننا نذبح أهلنا ونغتصب أخواتنا ، وندمر منشئاتنا بأيدينا ثم نلتجأ اليهم نستجير بهم ممن بقي فيه ذرة من كرامة يدافع بها عن ذرات الوطن المجزأ .

هتكوا قيمنا وسبوا أصولنا وفروعنا ، وتهكموا على ساداتنا وأبطالنا ، هدموا صروحنا وقلعوا أشجارنا ، ومع ذلك هم أعز علينا من كل شيء نفتخر به ونقدره ونبرز صورنا مسرورين بعناقهم وحديث الالفة معهم ، فلم يبق لنا في هذا الزمان جدار يستر عوراتنا ويحمي ذمارنا .

آخر الأسافي تمنح (ربتهم) أكبر أوسمتها لأنجس متخلف منحط ممن ينتسب كذبا لأمتنا ، ثم ألحقت ذلك تعيين أكبر عميل وعدو منهم ليكون خصما لنا وحكما لقضيتنا مع العدو الذي هم خلقوه لنا وأعطوه أرضنا ، مع كل هذا لم نر ولو حركة متواضغة أو كلمة اعتراض  تشعرهم أن ألأمر يعنينا أو يخصنا ، بينما من أعدائنا  من صرخ معترضا بينما لم يصدر منا ولو حشرجة خجولة للإعتراض ، كأن الأمر لا يهمنا على الإطلاق .

أوقدوا نار فتنة بيننا فيما كنا متعايشين عليه قرونا يقول كل منا ، أنا على الحق وغيري يحتمل الخطأ ، ونرفع بيننا (كل نفس بما كسبت رهينة) ،( ولا تزر وازرة وزر أخرى )، وتركنا الحكم بيننا لله يفعل ما يريد ، وإذا بهم يحرضونبيننا  ويوقدون  بما خلقوه من دسائس  نارثأر لسنا طرفا فيه ولا لنا  به يد ، لكنهم استغلوا فينا أننا أمة جاهزة لتصديق كل خبركاذب ونثور مع كل هوشة مصطنعة دون أن نعي من أشعلها وأضرم  أوارها وأهدافه منها .

وماذا نعدد من بلاهتنا ، وسوء فهمنا ، ونكبات تصرفاتنا ، وتشتت آرائنا ، وتحكم البغاث فينا ، وتآمر كل نذل ضدنا ، وإرغامنا السجود لغير آلهتنا ، حتى أصبحنا في حال تضحك من غرابتها وتبكي دما من سوء عاقبتها التي نعيشها اليوم مندهشين من سهامها وسيوفها تتكسر علينا نصالها .

لهذ أعلن متألما أننا أمة ماتت ، وصفحات تاريخنا ذبلت وتوارت ، ومستقبلنا طالما في يد أعدءنا فإن ذرات التراب انهالت على ضريح أمة نعلن مأتمها قائلين :

عظم الله أجركم يا نائمين