النظام السوري...

واستجداء"سلام الضعفاء".!.

د. نصر حسن

[email protected]

الواضح أن النظام السوري قد تقلصت دائرة مناوراته وأصبح  محشوراً بخيارات سياسته الفاشلة على كافة المحاور الداخلية والخارجية , وأخطرها هو فشله  على مستويين اثنين يحددان بشكل كبير مستقبله ,الأول مستوى الداخل السوري نفسه , التي أوضحته مسرحية الإستفتاء الأخيرة وطريقة إخراجها الغوغائية واستمرار تصاعد وتيرة الإعتقالات وزيادة حدة الإحتقان السياسي والأهلي  , والثاني مستوى تعامله مع الوضع اللبناني و دفع عصاباته إلى لبنان لجر الجيش اللبناني إلى دائرة النار والمراهنة على تفتيته وتفجير الوضع اللبناني من الداخل كما يجري في نهر البارد , مصراً على اتباع سياسة رعناء فاشلة  وخائبة   خاصة ً بعد صدور القرار(1757) القاضي بتشكيل المحكمة الدولية  , وفي هذه الظروف الخطيرة سورياً ولبنانياً وعربياً , بدل محاولة التعامل مع الأمور بقدر من العقلانية والمسؤولية .

والمنظور يفيد بأن النظام   يتساقط  بسرعة إلى الهاوية ,إذ تستمر خساراته  ففي لبنان خسر الأكثرية والشرعية اللبنانية السياسية والشعبية , وخسر الرهان على تعطيل المؤسسات الدستورية لعرقلة قرار تشكيل المحكمة الدولية , وخسر الرهان على أعوانه , وعليه قرر نقل تآمره على  لبنان من مرحلة التصعيد إلى مرحلة التفجير , التي بدأت في مخيم نهر البارد , ليقامر بمصير لبنان وسورية على مذبح المساومة على السلام الغائب , مرسلاً الوسيط تلو الآخر والإشارة تلو الأخرى علناً وسراً , ولم يدرك بعد أن استئناف المفاوضات معه هو موضوع متعدد الأطراف ,إسرائيل طرف مباشر فيه وأمريكا طرف مباشر فيه والأمم المتحدة طرف فيه والإتحاد الأوروبي طرف فيه , ومشروع العولمة هو إطاره الحقيقي , واهماً  أن دق الباب الإسرائيلي هو آخر الطرق للدخول إلى الملجأ الإسرائيلي , ولم يدرك بعد ولن يدرك شيئ من الحسابات الإستراتتيجية الإسرائيلية  التي استهلكت الديكتاتور الأب في دوامة مبادراتها ولم يصل سوى للهزائم  , ولم ولن يستطع أن يدرك طبيعة السياسة الإقليمية والدولية ومفاعيلها البعيدة المدى التي تحرك المنطقة ,وهو لازال يستجدي " السلام العادل والشامل " , ويستهلك مصالح شعوب المنطقة في سلسلة البرامج الخارجية التي لها أول وليس لها آخر , والنظام لايعرف أولها من آخرها. ..!.

مرةً أخرى يصر على قراءة اللوحة اللبنانية والإقليمة والدولية بوحي وهمه  , ويحلم أن اتباع أمثاله الضعفاء سياسة الأشقياء في لبنان والمنطقة ستجبر اللبنانيين والعرب والعالم على تقديم الولاء له وتقرير الحاجة إليه وغض الطرف عن جرائمه , وتمديد دوره  متناسياً أنه  المسبب الرئيسي لكل مظاهر عدم الإستقرار من العراق إلى فلسطين إلى لبنان , ولعله لم يدرك بعد أن فشله المطلق في لبنان خاصةً , كاف لفتح العيون والعقول بأقصى مداها ليرى ويفكر ماذا حل به وبنظامه وبسياسته القائمة على البيع والشراء بكل حقوق ومصالح شعوب المنطقة ,  فشل ذريع قاده إلى أن يكون الرقم الأول على قائمة  المساومين ومصدري الإرهاب وأدواته إلى كل دول المنطقة , من العراق إلى دول الخليج حيث خلاياه النائمة  هناك , إلى لبنان  إلى فلسطين حيث الرفض العام لتلاعبه بمصير الشعب الفلسطيني وقضيته ومعاناته.

ماذا حدى مما بدى ؟ النظام السوري الذي حاصر الراحل ياسر عرفات حتى موته , وحاصر خياره في " سلام الشجعان " الأقوياء في حينها , وعمل كل مابوسعه لشق الصف العربي والفلسطيني بوقوفه ضد خيار الشرعية الفلسطينية وخيارات الشعب الفلسطيني , وفي سياسة يعرفها كل العرب وخاصة ً أبناء فلسطين , تهدف إلى استمرار التلاعب  بالقضية الفلسطينية لحساباته الواهية والمتهالكة والتي أنتجت تغييب الراحل ياسر عرفات , نراه يرجع اليوم إلى استجداء " سلام الضعفاء " وبأية طريقة وعبر أي وسيط وبدون أية شروط وبتنازل عن كل الحقوق الوطنية والقومية , واستعداد المساومة على فلسطين ولبنان والعراق وسورية , لقاء عقد صفقة تطيل عمره في السلطة , ويظن أنها تنقذه من قفص المحكمة الدولية التي أصبحت واقعاً  .

بقي أن نقول : حتى " سلام الضعفاء " هذا الذي يتهالك عليه ويحلم به هو أكثر من وهم , لأن مايمارسه من دور خطير على مستوى سورية ولبنان والمنطقة هو أبعد مايكون عن سياسة السلام الذي يصون الحقوق , والورقة التي يظن أنه يملكها وهي الجولان , يعرف تماماً أن الديكتاتور الأب سددها ثمناً لدور لعبه ومرحلة عاشها ومررها , وبالتالي فقدت قيمتها العسكرية والسياسية والتفاوضية من الجانب الآخر , لأنه باعها وقبض ثمنها عداً ونقداً وهوثمن البقاء في  السلطة إلى أجل مسمى هو على حافاته , والآن وفي ظروف المنطقة الخطيرة المهزوزة مفاصلها والراقصة أطرافها على مسلسل الدم والبارود والتشظي ,يدخل  النظام السوري  ساحة اللعبة الخطرة وهو في أضعف أيامه , ساحة الإرهاب الذي وجد فيها دوره ومنهجه , وجعل من سورية " كوريدوراً " لمرور الإرهابييين ومحطةً للتزويد بالوقود المادي والمعنوي والخطط والبرامج وكل أدوات التدمير , ومفصل لتوزيع المتطرفين على كل دول المنطقة ,مصراً على خلخلة الركيزة الأخيرة الباقية في مسلسل الإنهيار وهي لبنان وسورية وبالتالي دفع المنطقة كلها إلى الإنهيار ...!