ليه يا شيراك!؟

جميل فارسي

 أكتب لك باسم الملايين في العالم العربي من مشرق شمسه على الخليج إلى مغربها على هامات جبال الأطلس. لقد صدمتنا على شاشة التلفزيون يوم الأربعاء وأنت تُغادر قصر (الإليزيه) مُسلماً إلى خلفك (ساركوزي) رئاسة الدولة وتُناوله بيدك صندوق شِفرة سلاح الردع النووي الفرنسية. كيف تسمح له الدخول إلى (الإليزيه) بدلاً منك؟ كيف تترك الأمة الفرنسية في هذا المنعطف التاريخي الهام؟ لم يمضِ عليك إلا عقد واحد فقط في قصر (الإليزيه)! وما هو عقد واحد في عمر الشعوب؟ أين الاستقرار؟ لماذا تحرم الأمة الفرنسية من نعمة الاستقرار؟ وها أنت تُغادر (الإليزيه) ماشياً على قدميك وبدون عكاز متمتعاً بالصحة والرزانة.

"يا راجل" كيف تستجيب لصندوق الاقتراع؟ لماذا لم تُلغِ نتائج الانتخابات؟ فلعل من فاز بها لا يُريد الخير لفرنسا، أو أنه يُريد أن ينقضَّ على الديموقراطية، آه يا (شيراك) ليتك استعنت بنا من البداية! كان بإمكان العالم العربي أن يُرسل لك فريقاً (يوضب) لك الانتخابات ليكون النصر حليفك حتى وأنت لم تُرشح نفسك اصلاً للانتخابات! فربما الأمة الفرنسية لا تعرف مصلحتها، خصوصاً أنك تعلم مدى التلاحم بينك وبينها.

"شوف يا عم شيراك"، الدستور الفرنسي يسمح لك بإعلان حالة الطوارئ في الحالات التي تُهدد الأمة الفرنسية، وهل يوجد تهديد أكثر من هذا؟ لذا كان بإمكانك التحفظ على (ساركوزي) شخصياً وممكن أن نبعث لك من العالم العربي فقهاء في القانون الدستوري يوجدون لك المخرج القانوني. وإن لزم الأمر فممكن أن "نفصِّل لك كام" مادة دستورية. وإن لم تُردها دستورية وتُريدها شعبية فممكن أن "نوضب لك كم" مظاهرة تهتف "كاك كاك، بالروح بالدم نفيدك يا شيراك".

فتحت صحيفة (لوموند) فلم أجد فيها أي صفحات إعلانية ترحيباً بـ (ساركوزي). أين أثرياء فرنسا!؟ أين رجال الأعمال؟

أما مجلة (باري ماتش) فهي أسوأ، لا توجد فيها أي مقالة توديعية! أين المثقفون؟ كيف نسوا موائد العشاء معك؟ لم يكتب أحد أنه بكتك طيور النورس وبكاك حمام (الكونكورد) واشرأب لك عنق التاريخ ـ يعني إيه اشرأب بالفرنساوي؟ ـ أين المثقفون أحفاد (بلزاك) و(جان جاك روسو)؟ لماذا الصمت؟ هل صمت المثقف موقف؟

أما وقد ضاعت عليك، هداك الله، وخرجت، فإنه آلمنا أن أعلنوا في التلفزيون أنك خرجت وليس لك بيت إلا الشقة التي أهداك إياها أصدقاؤك، كان بإمكان الجمعية الوطنية أن تجتمع وتُقرر أن يكون (الإليزيه) سكناً دائماً لك، ويختاروا قصراً آخر للرئيس الجديد. فلكل رئيس قصر وللأمة العشش..!!

ثم أصلاً كيف خرجت وليس لك بيت؟ يا راجل ألم تعمل محفظة استثمارية من ذلك النوع الخاص المعروف في عالمنا العربي والتي ترتفع قيمتها عندما ينهار السوق وتتضاعف قيمتها عندما يهتز المؤشر؟ انسَ المحفظة الاستثمارية، ألم تعمل أي مخطط عقاري؟ ألم تحلُ في عينيك أي قُطيعة أرض؟ أنا شخصياً لاحظت وجود زائدة تنظيمية في أول شارع (سانت هونوريه) الذي يُحاذي قصر (الإليزيه) فكيف لم تلاحظها أنت؟ بعد قصر (الإليزيه) بثلاثة شوارع توجد حديقة لا لزوم لها لماذا لم تتنبه لها!؟ في آخر شارع (شانزليزيه) توجد برحة غير مستغلة، لمَ لمْ تأخذها؟ برج (إيفل) أرضه رائعة، من يحتاجه الآن وهو قديم؟ إنها فرصة هائلة كانت أمامك؟ موقف السيارات في زاوية الحي اللاتيني أكبر من اللازم، ومن يحتاج موقف سيارة بينما (المترو) أسرع وأنظف للبيئة، إنها قطعة ذهب. عند مخرج النفق في (الساكريكور) توجد قطعة أرض طويلة رائعة وهي من مخلفات النفق بطول 9885 متراً، مخلفات والله مخلفات، لمَ لمْ تلحظها؟ كيف تسير في شوارع باريس ذهاباً وإياباً وعيناك مغمضة عن كل هذا..!؟

فعلاً تستحق أن تخرج من قصر (الإليزيه)! «كسفتنا» مع الجماهير العربية..!!

ثكلتك أمك... بئست الحياة حياة الفرنجة!