هل يطوي البعثيون خلافاتهم القديمة
لمصلحة الأمة
جان عبد الله
[email protected]
في 7 نيسان من عام 1947 انعقد المؤتمر التأسيسي لحركة البعث العربي في مقهى اللونا
بارك بدمشق لمدة ثلاثة أيام برئاسة الأستاذ المرحوم الاستاذ جلال السيد وأمناء سر
المؤتمر الأساتذة عبد الرحمن لمارديني -شاكر الفحام- عبد المنعم شريف وكان معظم
المؤتمرين من طلاب الجامعة والمعلمين والحرفيين الصغار ومن الناشطين في ساحة العمل
العام في سورية ولبنان والأردن والعراق ومن المنادين بعقيدة القومية العربية وسط
إعتزاز بالوجود والثقة بالنفس وألامل في مستقبل عربي زاهر.
كان السلوك العام لهولاء الشبان مثاليا نزيها مجردا من كل منفعة خاصة كما كانت
نظرتهم اليه على أنه الحزب النوعي الحديث الذي يتجاوز سائر الأحزاب الموجودة
ويفوقها أصالة وقدرة على الريادة لانتشال الأمة من مهاويها ونقلها الى مستوى عصري,
يومها أصدر الحزب دستوره مؤلفا من 48 مادة ترسم نظرة الحزب في الشؤون القطرية
والقومية وتعلرض المبادىء العامة والسياسات الأقتصادية والأجتماعية وبدا في ذلك
وكأنه ابتداعا مميزا يحي الامل ويبعث الرجاء بمستقبل عربي مشرق عندما قدّم نفسه على
أنه المعبر المأمول للانتقال من التخلف الى الحداثة ووجد نفسه بعد سقوط نظام أديب
الشيشكلي أمام دور هام في الحياة السياسية وامام تعاطف واسع من الشعب السوري
والعربي.
ولكن الأمور سارت عكس ماهو منتظر منه اذ أدّى صعوده السريع الى ظهور عيوبه التي
وجهت مسيرته السياسية وجهة مؤكدة نحو الاخفاق مهما قال ورثته اللاحقون في نفي هذا
الأمر.
وفي شباط وآذار من عام 1963 استولى عسكرين من المتعاطفين مع فكر البعث على السلطة
في سوريا والعراق فأستغرب غالبية البعثيين هذه المفاجأة لإن حزبهم لم يكن مهيأ
للحكم لا شكلا ولا موضوعا, كما أن كوادره لم تكن مستعدة لاستلام جهاز الدولة من حيث
الكفاءة والعدد والخبرة وهي بالأساس لا تملك القوة التي تؤهله للاستيلاء على هذه
السلطة.....انه سؤال عجز اي بعثي مؤمن عن الأجابة العقلية والمنطقية له.
انّ اللذين خططوا ومهّدوا لاستلام البعث السلطة كانوا يعرفون أن في حكمه يكمن سر
موته وربما قالوا لنتركه يسعى الى (حتفه بظلفه) لإنهم أرادوا أن يتخلصوا من مثاليته
التي رافقت نشوءه فمهدوا له الطريق وزينوه.
ومع هذه القفزة المفاجئة انطلق الطامعون والانتهازيون إلى جهاز الدولة ينهشون به
ما دامت الصفة الحزبية هي الاساس والكفاءة لا عبرة لها حتى أصبح الكثير من الأميين
والجهلة يطمحون الى أعلى مناصب الدولة حتى أن بعض المعلمين الابتدائيين عينوا في
المجلس الوطني ومجلس الشعب وكثيرا من المعلمين الابتدائيين تحولوا بين ليلة
وضحاهاالى سفراء ومحافظين ووزراء وضاع في هذه المرحلة الخطيرة الصالح بالطالح.ان اي
مراقب حصيف أو دارس لهذه الحقبة من تاريخ أمتنا يجد أن في هذا الأمر زحلقة و توريطا
لاجهاض هذا الحزب وانهائه نعم أقولها وكثيرون من أبناء شعبنا دون خجل أو مواربة ان
البعث اليوم ليس حزب البعث القديم, انّه حزب له مناهجه واعرافه ومفاهيمه الخاصة
التي يتعامل بها بشكل مختلف كلياْ عن البعث وأعرافه لقد كان له الحق في ذلك لو
استبدل القائمون عليه اسمه باسم جديد يلائم منهجه ومفاهيمه ويعبر عنها.
لقد بدّل قادة البعث الجديد المفاهيم القديمة لحزب البعث وأدخلو عليها تعديلات
جذرية:
-
فهموا الانقلاب على الواقع الفاسد في دستور الحزب على أنّه انقلاب عسكري للاستيلاء
على السلطة بالقوة. وفهمو الاشتراكية العربية والعدالة الاجتماعية المنصوص عنها في
دستوره على انها الماركسية.
-
حزب البعث في نصوص دستوره ديمقراطي نيابي دستوري أما بعد السلطة فلا هو ديمقراطي
ولا نيابي ولادستوري.
-
أباح البعث لكل المواطنين حرية العقيدة والتعبير الاجتماعي, أما اليوم فانّه يحرم
كل ذلك على المواطنين حيثما كان للبعث الجديد حكومة.
-
كان حريصا غلى كرامة المواطن في دستوره, أما اليوم فلقد صبّ الاهانات والاحتقار على
كل مواطن لايرى رأيه ويسير في فلكه.
الأمة العربية في دستور البعث وحدة روحية ثقافية وجميع الفوارق بين أبنائها عرضية
تزول بيقظة الوجدان العربي كان
ذلك بغرض الدفاع عن الوجود العربي , أمّا اليوم فانه يبتعد عن كل ما يوحّد المجتمع
حتى في داخل القطر الواحد بالاضافة الى علاقاته السيئة مع الحكومات العربية التي
قسّمها الى دول رجعية وأخرى تقدمية. لم يكن ثمة تفاوت في القواعد بين حكمه في سوريا
وحكمه في العراق وانما تفاوتا بالشدة بين ذهنيتين أومزاجين حتى اننا نستطيع القول
أنّه انغلق على العرب في بعض الفترات وقيّد نفسه وتقوقع.
في دستور البعث القديم نص صريح صارم على استقلال القضاء, أما بعث اليوم فانه يسيطر
على القضاء والقضاة ومحاكمه تصدر الأحكام وفقاْ لمتطلبات السلطة لا ما يتفق مع
القانون والعدالة وحقوق المواطنين مع أنّ السلطة مصونة ومستقلة و تتمتع بحصانة
مطلقة الاّ أنّ هذا يتطلب توافقاْ بين السلوك والمنهج وبين النظرية والتطبيق. ومن
الطرائف في عهد هذا البعث أن بعض المحاكم كانت تصدر الأحكام غلى بعض المواطنين
بمجرد أن اسمائهم تتشابه مع أسماء أخرى وبعد التنفيذ وظهور الحقيقة تقدم الحكومة
اعتذارا لأهل المنفذ بهم الحكم ولطالطا أصدرت محاكمه العسكرية والأمنية
والاستثنائية أحكام الاعدام بعد تنفيذها.
وعلى سبيل المثال في تشابه الأسماء حدث مراراْ أن تم توقيف المواطنين على الحدود
بين سوريا ولبنان وسيقوا الى التحقيق ثم تبين أن المطلوب في لوائح الأمن ذوي أسم
مشابه, حتى أنّ العقيد عثمان كنعان المدير العام للأمن العام 1965 شكّل لجنة لدراسة
هذه الظاهرة فتبيّن أن اربعة آلاف شخص أوقفوا لدى عبورهم الحدود لتشابه أسمائهم مع
أربعة آلاف شخص متوفى يحملون نفس الاسم.
ان هذه الأساليب في الحكم نفرّت الشعب السوري والعربي في كل مكان من حزب البعث
وأساءت الى سمعته وسمعة العرب معه في بلدان العالم وشعوبه المتمدنة التي تحرص
علىحياة الانسان وكرامته.
كما أن كثير من خصوم البعث اليوم يصفون البعثيين بالغدر لأنهم ينقضّون على رفاقهم
وشركائهم في جنح الظلام ويقذفون بهم الى السجون أو المنافي كما في حالة البعث مع
الناصريين في سوريا أو كما في حالة عبد الرزاق النايف وابراهيم الداوود في العراق.
انّ هؤلاء الخصوم لم يستطيعوا أن يفهموا أن طبيعة الانقلاب هي طبيعة الغدر وليست من
طبائع البعثيين اذ كان من الممكن أن يفعل الناصريون في دمشق مافعله البعثيون بهم لو
لم يعالجهم البعثيون بذلك خاصةْ وان المناخ في هذين القطرين لم يكن عبقاْ بالتسامي
الأخلاقي.
ختاماْ هل سينجح البعثيون القدامى باصلاح ماأفسده الانقلابيون لاعادة البعث الى
مثالية بدايته.