عقدتا الغرور والنقص في الإعلاميين المصري والجزائري
عقدتا الغرور والنقص في الإعلاميين المصري والجزائري
وليد رباح
دعونا نتحدث بصراحه .. ولو ان تلك الصراحة سوف تجير لمصلحة العداء بين كاتب هذه السطور واورطة الاعلام في كل من مصر والجزائر .. واني لاقصد الاعلام غير المسئول الذي رافق مباراة كرة القدم بين فريقين عربيين دعمهما الاعلام الهابط الذي قادنا الى الكره والعنصرية في وقت نحن احوج فيه الى التآلف والتوافق وايثار انفسنا على غيرنا ان كانوا من نفس طينتنا وتلك عنصرية لكنها تنحصر في مجمل التوافق ..
ولقد لوحظ ان الصحف الكبرى في كلا البلدين كانت اقل حدة في الطرح من الصحف التي أخذت تراخيصها في غفلة من الزمان وصدرت بحجة حرية الكلمة دون تمحيص لكفاءة اصحابها .. والكفاءة الوحيدة لها ان يكون رئيس التحرير او من اصدر الصحيفة باسمه لا يعارض الدولة سياسيا .. ولا يهم ان كان يدمر ثقافتنا أو يقودنا الى كره انفسنا قبل ان نكره غيرنا .. وما ذلك الا لان الصحف الكبرى تدعمها الدولة بل انها توجه الرأي العام لمصلحة الدولة .. ولا يهمها في ذلك ان قرئت ام لم تقرأ .. المهم ان تطبع الملايين من النسخ سواء بيعت ام لم تبع .. ذلك ان الاجر مدفوع .. والعتب مرفوع .. والرزق على الله .. أما الصحف الاخرى والتي تسمى مجازا بالصحف فهي مجبرة على ان تكذب وتكذب حتى تزيد من عدد قرائها ومن دخلها لكي تغطي مصاريفها وطباعتها ورواتب عامليها .. وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد كذب تلك الصحف وافتراءاتها وآخرها كان وصم الفنان الكبير نور الشريف باخبار نأنف عن ذكرها مع انها قيلت وانتشرت كالنار في الهشيم .. وحتى لا نظلم كافة الصحف فان صحفا كثيرة معارضة صدرت تعتبر من انقى الصحف واوفرها كفاءات يشوبها التوازن في الطرح وتعتمد العقلانية في كل ما تكتب ..
لنتحدث قليلا عن الاعلام المصري الذي قاد الحمله .. فمن المعروف ان الصحف الكبرى التي تتبع الدولة في سياستها قد نافستها الصحف التي تسمى صحف الاثارة التي تفبرك الاخبار والتعليقات ويجلس فيها الصحفي الى كرسيه يستولد بنات افكاره ويؤلف القصص والروايات ثم يطرحها في جريدته او الجريدة التي يعمل بها على انها حقيقة واقعة قد تجلب له القراء .. وقد وضع في لب افكاره ان الصحافي المصري هو المتفرد الوحيد في الوطن العربي الذي لا يشق له غبار ، وأنه الوحيد الذي يفهم في الاعلام اما باقي صناع الكلام في الوطن العربي فهم لا يفقهون شيئا .. مع اننا لو تفحصنا ما تكتبه تلك الصحف فاننا نخلص الى نتيجة ان اللغة في تلك الصحف مفقوده .. وان الفبركة ظاهرة للعيان .. وأن الاعتداء على حرية الاخرين اصبحت مدعاة لقراءة تلك الصحف من قبل الرعاع الذين يفقهون في الكلمة مثلما يفقه علماء اللغة في صناعة القنبلة الذرية .. فانتشرت بذلك صحف ( الساندويتش ) التي تقرأ فيها خبرا واحدا مثيرا ثم تلقي بها الى اكوام الزبالة ..
ونحن نؤكد ان سبب الغرور الذي اصاب هؤلاء انعزالهم عن الثقافة العربية في مجمل اوطانها .. ورغم انهم شباب فقد ورثوا عن الكتاب الكبار غرورهم وعنجهيتم على انهم متفردون .. اضف الى ذلك ان كبار الكتاب اولئك كانوا يضعون الحواجز والمصاعب امام الكتاب الجدد غيرة وحسدا فلا يستطيع كاتب ان يتسرب الى الصحف سواء كانت كبيرة او صغيرة الا بالواسطة .. واستطاعت مافيا الصحافة ان تفرض حجرا على الكلمة الحرة الشريفة التي تأتي من صغار الكتاب وممن ارادوا شق الطريق نحو تلك الصحف .. ولا اعني بذلك الصحف فقط .. فانت ككاتب لا تستطيع اختراق اسوار مافيا التلفزيون والاذاعه .. ودون ذلك الصعاب ..
وفي فترة من تاريخ مصر كانت الصحف العربية ممنوعة من دخول مكتباتها او اكشاكها وتهرب الى مصر عبر المطارات كأنها الافيون او الحشيش .. اضافة الى التشويش على الاذاعات العربية التي كانت تعارض السياسة المصرية .. ولم يكن الكتاب العربي باحسن حالا من الصحافة والاذاعات .. فقد حوصر حصارا شديدا وغدت مقولة ان الكتاب تصنع مسودته في مصر .. ويطبع في بيروت .. ويقرأ في العراق .. غدت تلك المقولة شيئا من الماضي .. ولم تستطع الدولة في ذلك الوقت التفريق بين السياسة والثقافة .. مع ان الطرح السياسي كان سليما .. اما عزل المثقف فقد كان هو السلبية بعينها .. مما جعل المثقف او شبه المثقف المصري ينعزل تماما عن الثقافة العربية ويتقوقع على نفسه ويحدثها بمسلمة صحيحة من وجهة نظره .. لأنه لا يطلع على النتاج العربي .. ولم يضع في اعتباره ان الثقافة يمكن ان تتطور وتزدهر في وقت يتقوقع كتاب الصحف على انفسهم ولا يتطورون او يحسنون صناعة الكلمة بفعل ذلك الانعزال .. وفي النتيجة ظن اولئك انهم متفردون .. فاصبحت الاقلام في ايديهم تغمس بالفضائح بدلا من حبر الحقائق .. ولا اعمم في ذلك فبعض الكتاب كانوا يفعلون الاعاجيب كل يحصلوا على نسخ من كتاب او مجلة او جريدة طبعت خارج مصر .. فحافظوا بذلك على التواصل بينهم وبين الكلمة العربية .. وظلوا على عهدهم في الطرح العقلاني ..
اما الاعلام الجزائري المصاب بعقدة النقص فلا يختلف كثيرا عن الاعلام المصري وما جرى له .. غير ان عقدة النقص تلك كانت من الشدة بحيث جرت الكثير من الصحفيين الجزائريين الى الهاوية ..
فمن المعروف ان اللغة الفرنسية كانت هي الدارجة في الجزائر ما قبل الاستقلال .. وان الصحف التي كانت تصدر حينذاك باللغة الفرنسية كانت مزدهرة .. اما فيما بعد الاستقلال فقد كانت الصحف التي صدرت بالعربية هزيلة .. ولتغطية ذلك الهزال اخذت منحى يماثل المنحى المصري في الاصدار .. فكثرت بذلك ايضا صحف ( الساندويتش ) للتغطية على العجز في اللغة والاسلوب والطرح واصبحت تتحدث كأنما هي ( رب الصحافة) العربية .. تماما مثلما هو المجنون او المصاب بانفصام الشخصية يعتبر نفسه متفردا .. مما جعل الثقافة العربية التي تطرح في الجزائر عرجاء لا تعطي الحقيقة ولا تستقيم فيها اللغة ولا يقرؤها سوى الرعاع من الناس ممن اصبحوا يتلقون كأن لهم الصولة والجولة في حقن الناس بالاخبار الزائفة .
ومن هنا التقت الثقافتان في الغرور وعقدة النقص فاخذت تلهب المشاعر في مباراة يعرف الجميع انها اما خاسرة او رابحه .. وانها فقط لعبة كرة قدم بين شعبين شقيقين لا يجوز التفريق او الكره بينهما .. ولا نريد ان نتطرق للامور السياسية فنقول ان ثورة الجزائر بنت اكتافها من لحم الشعب المصري ابان حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. وكم من مرة كانت مصر تجوع لكي تطعم ثوار الجزائر .. وكم من مرات كان السلاح يتدفق الى الثوار في وقت كان فيه الجيش المصري بحاجة الى الاسلحة الخفيفه .. فقد تناسى الجميع في الجزائر هذا الامر واخذوا بالتطاول على بعضهم بعضا حتى وصل الامر الى حد العدوان و ( الزعرنة ) والكره المتبادل ..
أما الزعماء السياسيون فقد كانت لهم الصولة في حقن ذلك الكره .. فحسني مبارك يشد على ايدي الفريق المصري ويقابله شخصيا لتهنئته .. وبوتفليقه يعطل الدوائر والمؤسسات ويجعل يوم انتصار الكرة عيدا مدفوع الاجر للموظفين والعمال .. مما زاد في الشحن وانقلب الامر الى هذيان وتراهات مقيته .. وكان اولى باولئك السياسيين ان يعطلوا دوائرهم في ايام انتصار الشعوب .. ولكن ذلك معدوم لاننا ان شهدنا انتصارا اضعناه في التوافه من الامور ..
حقيقة لقد قرأت لكاتبة مصرية ان الفريقين لا يجوز ان يمثلا العرب سواء من نجح ام لم ينجح في كأس العالم .. ويقينا .. ان هناك امورا كثيرة يمكن ان تحدث فتزيح الفريق الفائز عن مكانته عندما يقابل عتاولة الكرة في جنوب افريقيا .. وانه خاسر لا محاله .. فنحن كما قيل في الماضي .. نضخم الامور عندما نكون مع بعضنا البعض .. ولكننا نجبن ونخاف ونخسر عندما يتعلق الامر بالاخرين ..
ويقينا .. ان الذي ربح سوف يخسر .. وان الخاسر سوف يربح في مرات قادمه .. فاذا ما وضعنا في اعتبارنا هذا الامر تخلصنا من العنجهية والغرور .. كما نتخلص من الامراض العصية وعقد النقص التي تنتابنا ..
الشعبان المصري والجزائري ارجلهما في الفلقه .. ويقينا اننا سوف نستمع الى اخبار هزائم الكرة عندما نقابل الغير مستقبلا .. واننا لمنتظرون ..