ناقوس الخطر.. وتداعيات كرة العرب

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

إن ما حدث في ملاعب مصر وملاعب السودان قبل وبعد وأثناء اللقاء الكروي بين مصر والجزائر أمر مؤسف يقطع نياط القلب ويحزن الإنسان العربي من الخليج إلى المحيط.. وما كان أشد إيلاماً وحزناً تصرفات حكام البلدين الشقيقين اللذين راحا بعيداً في دفع جماهير الكرة في البلدين إلى مزيد من المجابهة والعنف وردات الفعل غير العاقلة وغير المتوازنة أو المسؤولة.. بحجة حرص كلا النظامين على شباب بلده الذي كان ضحية عنف بدأها الطرف الآخر.

إن ما حدث ليس له عندي إلا تفسير واحد، وهو أن ما حدث ينبئ بعواقب مأساوية دقت نواقيسها الجماهير المصرية والجماهير الجزائرية المحتقنة، والتي تملأ قلوبها تراكمات من الضيق والاختناقات والعذابات، وما تتعرض له في بلدانها من قهر وحجر ومنع ونفي وإقصاء وتهميش وإذلال، وما تعيشه من ضياع وبطالة وفراغ وفقر وجوع.

لأنه لا يعقل أن تثور هذه الجماهير وتغضب من أجل كرة لا تقدم ولا تؤخر في حياة الشعوب، أو من أجل هزيمة فريق أو انتصاره، لأن ليس في انتصاره تحرير للقدس أو لبغداد، أو إخماد لحرائق الصومال والسودان واليمن، ولا في هزيمته سقوط للقاهرة أو الجزائر، فاللاعبون عرب أصولهم من أهل الضاد، وتجمعهم هوية عربية واحدة مهما اختلفت المشارب والألوان واللهجات!!

ويتساءل المرء هنا أين كانت هذه الجماهير عند سقوط بغداد؟! وأين كانت هذه الجماهير عند عدوان الصهاينة الهمجي على غزة، وأين هي اليوم في كل ما يحدث في الصومال والسودان واليمن، وأين هي اليوم وما يتعرض له الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من تهويد؟! لماذا لم نجد لها ثورة أو غضباً أو انتفاضة، كما كنا نفعل نحن أيام الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أمام أي حدث يعصف في أي شبر من أرض العرب من تطوان حتى بغداد؟!

إذن فثورة الجماهير في مصر والجزائر جاءت نتيجة – ليس الربح أو الخسارة أو تطرف بعض المشجعين من هنا وهناك – جاءت نتيجة الاحتقان التي تعيشها في بلدانها بفعل الأنظمة الشمولية المستبدة التي استمرأت صولجان الحكم والتربع على كرسيه وليعصف الطوفان بكل الناس، ولتذبح الجماهير العربية بعضها بعضاً، ولتصدح قيثارة نيرون في فضاء حرائق العرب ومدن العرب المحتلة والجريحة والنازفة من تطوان حتى بغداد ومن دار فور حتى الموصل!!

لقد دق ناقوس الخطر اليوم بعيداً عن (الريموت كنترول) الذي تحرك به الأنظمة جماهير بلدانها في المناسبات التي تريد كيفاً وكماً وهتافاً وشعارات ورايات ورسوم وصور، وإن لم تتعظ هذه الأنظمة وتعود إلى رشدها وتحكّم عقلها وقلبها، فإن رماد اليوم سوف يحرك حرائق الغد وتكون ناراً لا تبقي ولا تذر، ولن ينجو منها لا حاكم ولا محكوم، فهل سيستشعر حكام العرب معنى أن يدق ناقوس الخطر اليوم في الملاعب؟!