خدام يخطو نصف خطوة
خدام يخطو نصف خطوة
مروان حمود
يعود حدث إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، مرة أخرى ليؤكد أنه الحدث الأهم الذي شهدته المنطقة ، وأنه المنعطف الذي يحرك حاضرها ومستقبلها .
إغتيال الحريري كان بالتأكيد الخطأ القاتل الذي إرتكبته القيادة السورية وشركاءها في لبنان . إذ هم أرادوا بذلك ، إعتقدوا ، تعبيد طرق إحكام هيمنتهم على البلدين لفترة طويلة . النتائج جاءت عكسية ، ومؤكدة أميتهم سياسيا ، وغرورهم في كمال تنظيماتهم وأجهزتهم .
الرئيس بشار الأسد ، كما صرح خدام مؤخرا ، يتسم بالتسرع والإنفعال ، في معالجة الأمور ، وعبد الحليم خدام ، كماهو معروف ، هو أحد الأركان الأساسية في نظام الأسد منذ 1970 ، عندما خولت إليه مهام السياسة الخارجية . ومعلوم أن " الإنفعال والتسرع " تصبح من الميزات والسمات الرئيسية لشخص ما ، عندما يصبح على قناعة أنه الشخص المطلق والوحيد الآمر والناهي في هرم ما . بحيث تقوده هذه القناعة إلى الغرور المطلق ، وتفقده قابلية الإستماع . إستماع رأي أو مشورة من أحد ، مهما كان هذا الأحد . وإن أصر أحدهم على إسماع رأيه أو مشورته (رأي مختلف ) كما كان الحال بالنسبة للشهيد الحريري فسيكون الإقصاء مصيره المحتم . ولكون الأجهزة التنفيذية في عملية الأقصاء ، لدى هذا النوع من الحكام تتمتع بحرية كبيرة وتمتلك كافة الأدوات والمتطلبات ، المالية والتقنية وغيرها نجد الأجهزة تلك تتسابق في تأكيد الولاء ، أي تنفيذ التوصيات وأيضا إشباع الرغيات . هذا التسابق يؤدي ، في معظم الأحيان ، إلى إنعدام التنسيق ، وخصوصا في مسألتي الزمان والمكان .
الحريري ، كما البعض من اللبنانيين ( قصير ، حاوي ، تويني .. ) أفصحوا عن رؤية مخالفة ، تخطوا الخطوط الحمراء وبقية حدود الحاكم المطلق ، مما قاد إلى إتخاذ قرار رغبة ، وربما توصية الإقصاء . وغرور الحاكم ، وأجهزته ، مضافا إلى الحقد ، جعل عملية الإقصاء بهذه الوحشية .
القيادة السورية ، بما فيها السيد خدام ، ( وهو ركن أساسي في خصوص الملف اللبناني ، حيث لقب بالمفوض السامي ) ، إرتكبت أخطاء وخطأيا فادحة ، لم تنعكس بعد نتائجها الكلية على كل من لبنان وسوريا ، فالقادم أعظم ، . والقنبلة التي فجرها خدام اليوم لقاء العربية ليس سوى خطوة نحو الإنهيار المحتم " للهرم الأسدي الشامخ " .
خدام بتصريحاته تلك ، إبتعد خطوة عن نظام الأسد ، لكنه لم يقترب خطوة نحو الوطن والشعب ، فهو بقوله " مصلحة البلد تقتضي أن لاأتحدث " خطى في الإتجاه المعاكس . أي إبتعد بنفسه خطوة عن كل من النظام والشعب ، وعن مصلحة " البلد" فمصلحة البلد تقتضي التحدث والمصارحة ، كما تقتضي الوقوف على الأخطاء إذ يجب أن لايغيب علينا أن خدام هو الذي أصدر القانون رقم 9 في حزيران 2000 الذي قضى بتعديل المادة 83 من "الدستور " . التي تحدد سن المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية ، بما يسمح بتسليم الرئاسة لبشار الأسد . أي كما هو أساسا " دستور " " التصحيح" ، يفصل دوما وفقا لمتطلبات وإحتياجات الحاكم . وخدام نفسه ، لبضعة أسابيع ( مابين وفاة حافظ الأسد وإستلام إبنه ) كان رئيسا للدولة، أي أتيحت له فرصة " تفجير قنبلة " خلاص وإنعتاق شعبي سوريا ولبنان ، إلا أنه لم يفعل ذلك . بل ساهم في تثبيت هيمنة بشار وفريقه ، على كل من لبنان وسوريا وهو أيضا الذي أمر بإلغاء المنتديات والقضاء على عودة إحياء المجتمع المدني ( هو شخصيا ألذي أمر بإعتقال رياض سيف وعارف دليلة ) وائدا بذلك هذا المطلب للشعب السوري . فهو لم يضيع الفرصة فحسب ، إنما أكد إنتماءه إلى ذلك الفريق، إذ يقول في مكان آخر في اللقاء نفسه إستطعنا أن نحقق لسوريا مكانة مرموقة في الساحتين العربية والدولية ..) . هو تكلم بصيغة الجماعة ، وهنا لابد من أن نتساءل ، كما غالبية السوريين أين هي ملامح هذه المكانة "المرموقة" وإنعكاساتها على واقع الشعب السوري ؟؟
خدام أكد شراكته ودوره الرئيسي في مآسي سوريا ، منذ إنقلاب تشرين، ولنتمعن في قوله ) إذا جرؤ أحد على التفكير بمحاكمتي ، يجب أن يحسب أنه سيكون يوما في قفص الإتهام .. لدي الكثير لأقوله .. ومن يفكر، أو يحاول فهو يعرف جيدا مالدي ) و أيضا قوله ( كان الخيار بين الوطن والنظام فاخترت الوطن لأنه باق والنظام حالة عابرة في التاريخ ) ذلك كلاما منطقيا ، وقمة في الموضوعية ، وجميل جدا ....
وهل قرار الإبتعاد خطوة عن النظام سيتبعه قرار بخطوة نحو الوطن ؟؟
وخصوصا أننا ، والسيد خدام بالتأكيد ، نشهد حراكا مهما على الساحة السورية أهم ملامحه الأستعداد لفتح صفحة جديدة في بناء البيت السوري ، ورغبة عارمة من قبل النخبة السورية ، وقوى المعارضة في إنقاذ سوريا وتجنيبها كوارث إستمرار نظام الأسد في الهيمنة وقيادة البلاد .
خدام أبتعد خطوة عن النظام ، ونأمل أن يلحقها بالخطوة الأهم .... خطوة الإقتراب من الوطن والشعب ومصالحهما ....
فهلا يكمل السيد خدام خطوته....