الغزل السوري الإسرائيلي إلى أين؟!
محمد فاروق الإمام
الغزل السوري الإسرائيلي حول العودة إلى المفاوضات بينهما لإيجاد صيغة مقبولة من كلا الطرفين لإقامة سلام بينهما شبيهاً باتفاقية كامب ديفيد، لم ينجح حتى الآن، ولم يؤدي هذا الغزل إلى أي نتيجة تذكر، كون البيت الأمريكي ليس جاهزاً لتجسيد هذا الغزل إلى واقع يقوم على الرعاية واللقاء والمصافحة والتوقيع والتعهد بالتنفيذ.
فإذا كان الهدف من كل هذا الغزل الذي نسمعه على لسان المسؤولين السوريين والإسرائيليين كل يوم تقريباً سيؤدي – إذا قبلت الأطراف - إلى عقد اتفاقية سلام شبيهة باتفاقية كامب ديفيد، فلماذا كل هذه المماطلة وكل هذا التسويف؟! ولماذا لم تعقد مثل هذه الاتفاقية متزامنة مع اتفاقية كامب ديفيد أو حتى مع اتفاقية وادي عربة؟!
السوريون يقولون إن السلام مع إسرائيل مطلب شعبي ورسمي، مع التحفظ على كلمة شعبي لأن الشعب، ليس في سورية فقط بل في كل الدول العربية، لم يكن يوماً له أي رأي في عقد مثل هذه الاتفاقيات أو إبرامها، ولو استشير الشعب المصري يوم عقدت مصر اتفاقية كامب ديفيد لرفضها جملة وتفصيلاً، ولا أعتقد أن الشعب السوري أقل من الشعب المصري رفضاً لعقد اتفاقية سورية إسرائيلية شبيهة باتفاقية كامب ديفيد المذلة المجحفة والتي تنتقص السيادة وتجرح الكرامة وتكبل الأيدي، وقد شاهدنا بأعيننا عبر وسائل الإعلام فاعلية هذه الاتفاقية يوم العدوان الصهيوني على غزة هاشم لصالح إسرائيل.
السوريون اليوم يطرقون باب فرنسا لإقناع إسرائيل بالعودة إلى المفاوضات غير المباشرة برعاية تركية، بعد أن يأسوا من أن تفعل أمريكا ذلك، لانشغالها في مشاكلها الداخلية وحروبها الخارجية، وعدم قدرتها الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان غير الشرعي، وتنفيذ خارطة الطريق التي تقول بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل قابلة للحياة على أراض من فلسطين المحتلة عام 1967.
ويتساءل المرء هنا: هل فرنسا تريد فعلاً أن يكون لها دور في دفع عجلة المفاوضات بين سورية وإسرائيل؟ وهل فرنسا قادرة على الضغط على إسرائيل لتذهب إلى التفاوض مع سورية على أساس (عهدة رابين) وما توصل إليه الجانبان السوري والإسرائيلي من تفاهمات خلال المفاوضات الماراتونية السابقة؟!
نقول.. لا.. كون فرنسا لم تعد تغرد خارج السرب الأمريكي والحلف الأطلسي، فقد ولى عهد السياسة الديجولية المستقلة عن أمريكا والحلف الأطلسي، فساركوزي اليوم هو كالمستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) ورئيس الوزراء الإيطالي (سلفيو برلسكوني)، ودول باقي الحلف الأطلسي، وخاصة تلك التي كانت دولاً شيوعية، هم دُماً يحركها البنتاغون الأمريكي ومن ورائه اللوبي الصهيوني، وهم منخرطون حتى النخاع في تأييد الكيان الصهيوني ودعم أجندته ومخططاته، فلم نسمع من هؤلاء كلمة واحدة تندد بما تقوم به إسرائيل من اغتصاب أرض وبيوت الفلسطينيين وطردهم وبناء آلاف الأبنية في مستوطنات غير شرعية تكاد جدرانها تلامس المسجد الأقصى، وتدعم هذه الدول إسرائيل في كل المحافل الدولية، ناهيك عن ضخ المليارات لدعمها، إضافة إلى تزويدها بأحدث ما وصلت إليه ترسانة هذه الدول من أسلحة حديثة.
أنا هنا لا أعيب على السورين سياستهم الخارجية ومحاولاتهم فتح الأبواب بوجه سورية، ولا أعيب عليهم هذا الحراك الدبلوماسي النشط، الذي يخرج سورية من عزلتها التي يريدها لها الغرب وأمريكا وربيبتهم إسرائيل، فكل ما أريده من السوريين أن يهتموا بالشأن الداخلي كاهتمامهم بالشأن الخارجي، فالمبارزة لا تنجح بالسيف فقط، بل لابد من ترس ودرع، يحمي المبارز ويدفع عنه ضربات العدو، فالوحدة الوطنية هي أهم سلاح يمكن أن تجابه به سورية كل أعدائها الحقيقيين والمحتملين، وهذه الوحدة الوطنية لا تتم إلا بالتلاحم بين كل مكونات الشعب السوري العرقية والدينية والعقائدية والمذهبية دون نفي أو إقصاء أو تمييز أو انتقاء، وبالاحتكام إلى الجماهير صاحبة المصلحة الأولى وما تقرره وما تفرزه أصواتها عبر صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة والحرة، وعلى الجميع الالتزام بما تقرره هذه الأصوات وما تختار لقيادة البلاد وحمل أمانة الحكم، لأن الحكم تكليف وليس تشريف.. عندها ستكون كلمة سورية محترمة عند أعدائها قبل أصدقائها، وعندها فقط سيرضخ العدو الصهيوني للإرادة السورية وحقها المشروع في استعادة أرضها السليبة (الجولان).