القمع الثقافي المستنير

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

ليسمح لي القارئ أن أتوقف عند بعض الظواهر الثقافية التي تحكم حياتنا المعاصرة في مصر على يد مثقفي الحظيرة وأشياعهم من الباحثين عن الرزق – الحلال أو الحرام لا يهم – حيث غايتهم الأولى والأخيرة التشهير بالإسلام وتلويثه والتحريض عليه سعيا لإقصائه ، وإلغائه واستئصاله .

كنت أحاول الانصراف إلى كشف التمرد الطائفي الذي يسعي إلى ابتزاز الدولة الرخوة والحصول منها على امتيازات فوق الامتيازات التي حصل عليها اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ، بالإضافة إلى الحصانة التي أتيحت له في ظل سلطة رخوة ، لا تتحرك بحزم إلا مع الإسلام وأتباعه ، تتعامل معهم بلا رحمة ولا شفقة ، وتدخلهم المعتقلات والسجون ، وتقدمهم إلى المحاكمات العسكرية وهم مدنيون قاضيهم الطبيعي هو القاضي المدني ، وتذهب في مكايدتها إلى حد إصدار أوامر اعتقال جديدة لمن تحكم المحاكم الاستثنائية بالإفراج عنهم  . السلطة الرخوة مع التمرد الطائفي تستأ سد علي المسلمين لأن الإسلام لا ظهر له مثل الظهر الأميركي  الذي يحمى التمرد الطائفي ويمنحه القوة ليتحكم خمسة بالمائة في بقية الشعب المسلم الأسير !

كان أحد رواد الحظيرة الثقافية يحكي قصة الهزيمة التي مني بها الفنان في اليونسكو ، فأرجعها إلى الإسلام الذي وصفه بكل بذيء من الوصف وقبيح ، ويكفي أن تقرأ ما يقوله الرائد الحظائري وهو يبكي هزيمة حبيبه الفنان الذي أخفق في تحقيق أدني تقدم للثقافة في مصر على مدى ربع قرن تقريبا أتيحت له فيها ميزانية عالية وإمكانات هائلة . يشير المذكور إلى  ما حدث من قمع باسم الدين‏ ، قام به المتطرفون ولم تحرك الدولة‏(‏ التي تزعم أنها مدنية‏حسب قوله)‏ ساكنا‏ ، وقبل أن تحدث كارثة الحادي عشر من سبتمبر‏،‏ كان تنظيم القاعدة – كما يقول - لا يكف عن نشاطه التدميري الذي عولم الإرهاب الديني في النهاية‏ ،‏ وتحالف مع طالبان التي عادت بأفغانستان قرونا إلي الوراء‏ ،‏ وقبل ذلك أو في موازاة ذلك كان هناك قمع المفكرين الذين جرءوا علي الاجتهاد في الفكر الديني‏(؟)‏ وما حدث مع نصر أبو زيد نموذج لذلك‏ ،‏ فضلا عن محاولة اغتيال نجيب محفوظ وعشرات غيره علي امتداد العالم العربي‏ ، وقد نجحت بعض هذه المحاولات فأودت بحياة رموز عربية أذكر منها في مصر فرج فودة ورفعت المحجوب‏ ،‏ وقد نجم عن جرائم الإرهاب أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء‏ ، يشملون الأطفال‏، فضلا عن جرائم المذابح التي أقيمت للسياح الأجانب‏.‏

وإني أسأل : من هم المتطرفون أولا ؟ وكيف استطاعوا ممارسة هذا القمع ؟ والدولة البوليسية الفاشية تضرب بيد من حديد كل من يعلن ولاءه للإسلام بمفهوم رب العالمين وليس بمفهوم ماما أميركا ،وأولاد العم الصهاينة ؟

ثم كيف يسوغ مثقف الحظيرة المحترم للمؤسسة الاستعمارية الصليبية بقيادة الولايات المتحدة أن تدمر أفغانستان والعراق والصومال ، والباكستان في طريقها إلى اللحاق بهم ،بحجة أن القاعدة ( أين هي ؟ ) تحالفت مع طالبان فأعادت أفغانستان إلى الوراء مئات السنين ، والحظائري الرائد يتناسى أن صاحب الفضل في تخريب البلد المسلم هو الاتحاد السوفيتي التقدمي المستنير الذي كان يقصف القري والمدن الأفغانية بالمطر الأصفر الذي يهلك الحرث والنسل ، ثم جاء الاستعماريون الصليبيون بقيادة الولايات المتحدة ليكملوا المشوار بإبادة كل مظهر للحياة ولو كان متواضعا على أرض الأفغان نظير ذنب لم يثبت حتى الآن أنهم ارتكبوه أو شاركوا فيه ؟ . وبدلا من إدانة الغزاة القتلة يتحامل الحظائري العتيد على الأفغان ويعطي شرعية لقتلهم وسحقهم لأنهم متطرفون وإرهابيون كما يزعم . كان المنطق الإنساني والقومي والوطني يقول له ادعم هؤلاء المجاهدين الذين يقاومون الغزاة القتلة ويضحون بأرواحهم وما تبقي من ممتلكاتهم ضد الإجرام الصليبي غير المسبوق ويكبدونه خسائر ليست بسيطة أو هينة ، ويدفعون عن الأمة بلاء صليبيا مجرما لا يعرف الله ولا المسيح والأخلاق ولا القانون .

سؤل آخر : من هم الذين يجتهدون في الإسلام ؟ هل هم الماركسيون الذين يفهمون الإسلام على أنه دين وضعي ، أو أولئك الذين يفهمونه على أنه منتج تاريخي،؟أو أولئك الذين يزعمون أن الإمام الشافعي رضي الله عنه كان عميلا للدولة الأموية ، مع أنه لم يولد إلا بعد سقوط هذه الدولة ؟ أو أولئك الشيوعيون الذين لا يحسنون قراءة آية واحدة من القرآن الكريم ؟ هؤلاء هم المجتهدون الذين ينبغي أن نرفع لهم الطواقي والعمائم لأننا لا نلبس قبعات ؟

إن جرائم ما يسمى بالإرهاب هي جرائم تخص أصحابها ولا تخص الإسلام ، وقد جاءت في سياق عنف وعنف مضاد كان المجرم الأول فيه بعض الجلادين الذين أشعلوا الوطن يوم اعتقلوا صفوة رجاله من التيارات المختلفة ، ووضعوهم في السجون المظلمة وعذبوهم ، وأفرغوا عقد النقص التي كانت تلاحقهم بسبب وضاعة المنبت ووضاعة السلوك ، وبعضهم لم يتورع عن الإعلان عن الضرب في سويداء القلب وتثقيب الأجساد  ..ونفذ ذلك في عرض الطريق العام دون خوف من الله أو الناس . والحمد لله أن الشعب المصري الطيب الأصيل عاد إلى طبيعته المسالمة ،وذهب الجلادون إلى جوف التراب ، وحسابهم على الله ؛ وإن لم يعد العملاء الخونة وخاصة من الأبواق المأجورة المعادية للإسلام إلى الطبيعة الإنسانية السليمة ، وظلوا على ولائهم لمن يمدهم بالمال والجاه والنفوذ والمناصب ، ومازالوا في غيهم يعمهون ويصدون عن سبيل الله ، ويهينون الإسلام ويتهمونه بالظلامية ، أو يسمونه بالإظلام !

والبكاء على الحبيب الفنان يدفع بعض الحظائريين إلى تبرير أخطائه وخطاياه ، وفشله الأكبر في عدم تحقيق أي تقدم في المجال الثقافي داخل مصر ، ويزعمون أن أراد  يجعل من وزارة الثقافة حصنا ومنارا للاستنارة‏ويدللون على ذلك بموقفه من قضية "وليمة لأعشاب البحر" وعدم اعتراضه علي قرار المجلس الأعلى للثقافة بمنح الجائزة التقديرية لسيد القمني تقديرا لاجتهاده وليس موافقة علي أفكاره بالضرورة‏، أرأيتم الاستنارة الوزير الفنان الذي يرى أن الدفاع عن رواية رديئة وبذيئة ، ومزور بذيء لا يملك أدوات البحث وشروطه حصنا للاستنارة ومنارا لها ؟

ويقدمون أسباب الفشل الذريع  للفنان بالضغوط التي كانت تقع عليه ولا تزال ويرونها أكبر وأقوي من أن يحاربها وحده‏( يا حرام ؟) ‏ فكان يكتفي بالمناورة أحيانا‏،‏ لكي يحقق أهدافا أكبر‏، خصوصا في بلد كما يقولون غزت ثقافته عناصر رجعية متطرفة‏(؟) – يقصدون الثقافة الإسلامية - فالرجعية مثل التطرف والظلامية والأصولية تسميات كودية للإسلام في عرف الحظائريين وأشباههم ممن يكرهون الإسلام ويحاربونه ، ولا يكتفي الحظائر يون بذلك بل يرجعون التمرد الطائفي الخائن المستقوي بالمؤسسة الاستعمارية الصليبية إلى التطرف الديني ( الإسلامي طبعا!)  الذي لابد – في مفهومهم السقيم - أن يخلف ما يوازيه في القوة ويناقضه في الاتجاه‏ ،  وهو ما يسمى لديهم  الاحتقان الطائفي  ، ويزعمون أن  المتطرفين الذين يرفعون راية الإسلام نجحوا في إثارة من يماثلونهم في التطرف داخل الطوائف المسيحية‏، وكانت النتيجة أن أخذ عدد من الأقباط الذين يعيشون في أوروبا والولايات المتحدة يتحدثون عن اضطهاد ديني للأقباط‏ ،‏ وتلقفتهم جماعات لا تريد لمصر الخير‏،‏ فأصبح موضوع الاحتقان الطائفي في مصر موضوعا عالميا‏ ، ولولا ذلك ما تحدث أوباما تحت قبة جامعة القاهرة عن ضرورة إنصاف الأقباط وتحرير المرأة‏ .. أرأيتم تفسير التمرد الطائفي الذي بدأ مع ولاية رئيس الكنيسة الحالي ، وتفرع وتمدد وفقا لتخطيط مدروس يرتكز على ضعف الدولة البوليسية الفاشية واعتمادها على الغرب الاستعماري الصليبي، وتماهيها معه ، وسماعها لنصائحه ، وتنفيذها لإرادته ، ومن ثم وجدنا خطاب التمرد يقوم على أساس أن المسلمين غزاة وبدو يجب أن يرحلوا عن مصر ، وأن الثقافة الاستشهادية النصرانية كفيلة بتحقيق هذا الحلم ، وأن اللغة العربية ليست لغة المصريين ، وأن الانتماء العربي عار يجب أن يغسل من وجدان النصارى ، وأن الكنائس يجب أن تزرع في كل أرجاء مصر حتى تعود إلى طبيعتها النصرانية - كما يزعم المتمردون !! -، ولكن الحظائريين يكذبون ويغالطون تقربا إلى المتمردين الطائفيين وتملقا لهم من جهة ، وإلى النظام البوليسي الفاشي من جهة أخرى ، وتعبيرا عن أحقاد دفينة وقبيحة ضد الإسلام وقيمه وتشريعاته .. ألم يشاركوا في إعلان بالصحف تكلف كثيرا ( من أين لهم هذا؟ ) للمطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور ؟

والأعجب من ذلك أن القوم ينادون بما يسمى التسامح والتنوع الثقافي الخلاق والحوار مع الآخر المعادي بالتي هي أحسن ، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يتسامحون مع الإسلام وأهله ، ولا يقبلون بالإسلام ضمن التنوع الثقافي الخلاق ( وهو دين الأغلبية الساحقة ) ، ولا يحاورون أهله بالتي هي أحسن ، مع أن المسلمين هم الذين يطعمونهم ويسقونهم ، ويوفرون لهم الملاذات الآمنة والقصور الفاخرة والشقق الفخمة والسيارات الفارهة والمرتبات العالية .. أليس ذلك مثيرا للتناقض والعجب ؟ لم لا ينظرون إلى الغزاة النازيين القتلة في فلسطين المحتلة وهم يجعلون من التوراة والتلمود والأساطير القديمة أساسا لثقافتهم ولا يتحرجون منها ولا يغيرونها ولا يعدونها منتجا تاريخيا ، ولا يقاطعونها من أجل ما يسمونه استنارة وحداثة وتقدما ؟

أليس في القمع الثقافي المستنير الذي يصنعه الحظائريون برفض التحاور العلمي مع الإسلام قمعا رخيصا وقبيحا ،ودليلا على تهافت الحظيرة وخوائها ؟