تركيا والعرب

محمد فاروق الإمام

ليس عيباً أن تكون تركيا لنا قدوة!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لابد لأي إنسان منصف أن يقف باحترام أمام الحكومة التركية التي ما فتئت تقدم على خطوات شجاعة ومتوازنة تجاه حل كل مشاكلها المتراكمة منذ عقود، والتي من أهمها وأعقدها مشكلة إقليم كردستان التركي.. وقد نشب صراع دموي بين سكان الإقليم الأكراد والحكومات التركية المتعاقبة منذ عقود.. وهم يعتقدون أن الحكومة التركية المركزية تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثالثة، وتحتقر مشاعرهم وأمانيهم وثقافتهم ولغتهم وتضيق العيش عليهم.

فبعد أن أقدمت حكومة حزب العدالة والتنمية على تحسين علاقات تركيا بدول الجوار وفي مقدمتها سورية والعراق وإيران وارتبطت معها بعشرات الاتفاقيات الإستراتيجية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وفتحت حدودها أمام تدفق مواطني البلدان المجاورة دون قيود أو تأشيرة، وتدفق البضائع والتبادل التجاري بينها وبين هذه البلدان التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات انعكست رخاء على المواطنين الأتراك الذين لم ينعموا بمثل هذا الرخاء والبحبوحة من العيش منذ سقوط الخلافة العثمانية قبل قرن من الآن.. كما أنهت في مصالحة تاريخية خلافاتها مع أرمينيا، مع حفظ ماء الوجه لكلا البلدين.

بعد كل هذه الخطوات الشجاعة والمتوازنة التفتت الحكومة التركية إلى أوضاع بيتها الداخلي لحل أكبر مشكلة عالقة منذ عقود، مشكلة اثني عشر مليون مواطن كردي يقطنون في جنوب شرقي تركيا، هذه المشكلة التي سفكت من أجلها دماء الآلاف وأزهقت أرواح الآلاف من الأتراك والأكراد على مدى سنين طويلة، ولم يتسنى لأي حكومة تركية سابقة أن تمتلك الشجاعة لحلها!!

حكومة حزب العدالة والتنمية أقدمت بكل شجاعة على تحقيق المصالحة الوطنية بين الأتراك والأكراد على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ضمن معايير إصلاحية تقوم على تخفيف القيود المفروضة على اللغة والثقافة الكردية، حتى يعود هؤلاء المواطنين إلى الحضن التركي منصوبي القامة أعزاء ومواطنين أتراك لا فرق بينهم وبين أي تركي مهما كان انتماؤه السياسي والديني والمذهبي والعرقي، فالوطن يحمل هويته الجميع، والوطن يساوي بين كل مواطنيه في الحقوق والواجبات.

حكومة حزب العدالة والتنمية التي وصلت إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع الحرة والنزيهة والشفافة، وامتلكت الرصيد الجماهيري الكبير الذي منحها ثقته وكانت عند تلك الثقة، فقد حولت تركيا في أقل من عشر سنوات من دولة فقيرة متخلفة تقيدها الديون وتعيش على المساعدات الخارجية المشروطة التي تنتقص سيادتها وتجرح كبرياءها، وتنخر جسدها الصراعات الطبقية والعرقية والسياسية، إلى دولة متقدمة حازت إعجاب العالم، وقد حلت في المرتبة الثانية والعشرين من بين الدول الغنية والمتقدمة والمستقرة ذات النمو الاقتصادي المرتفع، واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالديمقراطية، وهي تسير بخطى ثابتة إلى الأمام متطلعة إلى تحقيق المزيد من المكاسب في كل المجالات، لتكون في مقدمة الدول الفاعلة والمهمة في المنطقة والعالم، والبوابة التي يطل منها الشرق على الغرب والغرب على الشرق.

ما حققته تركيا نتمنى أن يكون حافزاً لبلداننا العربية كي تحذو حذوها، وتحقق ما حققته وما تتطلع لتحقيقه على كل المستويات الداخلية والخارجية، فالوحدة الوطنية والسياسة الخارجية وجهان لعملة واحدة، لا يستقيم الأمر إلا بالتوازي بينهما، ولا تقوم الوحدة الوطنية إلا عبر هامش من الحرية يتسع للرأي والرأي الآخر دون إقصاء أو إبعاد أو نفي أو تمييز، ولا يتحقق النجاح لأية سياسة خارجية محترمة إن لم ترتكز على قاعدة شعبية متينة خلاقة ومبدعة، تدفع بالرجال السويين الأصحاء لحمل أمانتها وخوض غمار معاركها على كل المستويات لتحقيق النجاحات لأوطانها.