عذابنا منسي وآلامنا لا يعرفها إلا غيرنا

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

يضيق صدري أحيانا كثيرة وأشعر أنها سوف تكون هي نهايتي . وأحاول النسيان وأحاول النوم وكثيرة هي أحلامي كوابيس تحط علي أثناء نومي القليل , وأصرخ في نومي وصراخي لاينقطع إلا لو أحد ما صحاني من نومي. في الماضي كانت الزوجة تصحو وتساعدني لكي أخرج من الكابوس الفظيع في نومي , منذ سبع سنوات لم يصحني أحدا إلا السنة التي قضيتها في السجن .

أحب أبي وكان يحبني وأحب أمي وما زالت تحبني , و بعد اربعة عشرة سنة تتوفر لي فرصة مازلت أذكرها سوف أتحدث إلى أمي الحنونة بالتلفون , وبالفعل كلمتها وقبل أن أسلم عليها أخذت جميع مفاصيلي ترتجف ,وكأنني ذاهب إلى امتحان سيكون محددا لمستقبلي كله .

مازلت أذكر ذلك اليوم ومازال حنان أبي يداعب رأسي وأنا صغير ومازالت حنان شقيقتي وعطفها علي وحبها لي وحبي لها يقض مضجعي شوقا إليهم جميعا هي ماتت قتلا وأبي مات قتلا أيضا . رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته .

أخي عبد المجيد تسعة عشرة سنة اعتقل في العراق وسلم للوطن الحنون سورية الصمود والتصدي , ولم يظهر حتى الآن منذ اربع وعشرون سنه .

بحثت عنه في كل مكان خاطرت بنفسي في جميع المجالات سبعة عشرة سنة أبحث عنه ولم أحصل له على عنوان , وتعبت من البحث عنه حتى في المنام .

لأراه مرة في الحلم على باب مغارة في جبل يحيط به الذئاب من كل مكان .

من الظلم الذي كان سائدا في سوريه خرجنا حفاظا على أرواحنا , الأمن يطاردنا في كل مكان .وعندما أصبحت خارج أكفهم أصبحت بدون هوية ولا وثائق ولا أي بيان .

الخوف وعدم الأمان يطاردني في كل مكان , والبعد والحزن والشوق للوطن وأهله يشتد ألمه يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة .

تداريت بعد ذلك بالزواج ورزقني الله امرأة صالحة وبنين وبنات , وماذا بعد لم نجد بلدا يؤيني إلا العراق , حروب طاحنة تجري به ويأتي بعدها الحصار , الفظيع الذي أدى بي لحرمان فوق حرمان , واحتل العراق وفقدنا الشعرة التي كنا نتعلق بها وكانت الحرب الأهلية والقنابل والصواريخ تنهال فوق رؤسنا وتهتز الأرض من قنبلة تلقى وزنها اثنا عشر طنا .من المجرمين والقتلة الأمريكان ومن والاهم وانتهت أيامي في العراق بعد سجن بغيض وعذاب يفل الحديد .

وهنا العذاب أكثر والمرارة أكتر من أين لك باب تخرج منه وبلد يسمح لك بالدخول إليه وفقدت كل شيء من مستمسكاتي وشهاداتي وحتى اللباس , وتشاء إرادة الله الرحمة لي وتحدفني لبلد عربي , ولكن ياترى هل لي أن أقول شيئا جديدا قد حصل وخرجت مما فيه من عدم أمان وأصبحت باطمئنان ,

على الأقل نشعر بأمان مؤقت مع حسابات كثيرة , اليوم يأتيك الدور وتلف حولك الإتهامات والوضع الأمني وما فيه .

كل ذلك محسوب ورمشة عين قد تودي بك إلى المجهول .

بعيد عن الزوجة والأولاد والبنين والبنات , يحتاجون لحنان الأب واستشارته في كل أمر والأب ليس ميت بعد ولكنه حي وهوحي ميت منذ زمن بعيد .

لو كان الوطن محتل من غزاة وشردونا لكان من الممكن أن يجد الشخص عذرا , ولكن وطن نشأت به من جذوري ويملكه غيري , وليس له فيه حق أكثر مني .

لكم أود أن أقف أمام القاضي في الوطن , لأقول له أنا واقف أما م عدالتكم لتحكمني وسأشرح قصتي  وعذابي والظلم الذي وقع علي وما زال :

فانصفني ياسيادة القاضي

عندما طلبوا مني كتابة طلب العودة إلى سورية وعليك أن تكتب فيه: أنا أعتذر عما بدر مني وأعود ذليلا صاغرا مجرما شمله عفو ظالم أكبر وأعتى .

وكان جوابي لمن أعتذر لمن قتل أبي وأختي وأخي وابن عمي وأبناء أخوالي ولا أحد يعرف مثواهم أبدا , مع أنني لم أقتل أحدا ولكن قلت لاللظلم .

وشتت عائلتي وعاشت والدتي في رعب مطلق طيلة تلك السنوات .

وهل الإعتذار يقع على المقتول أم على القاتل على الضحية أم على الجزار ؟

وباءت كل محاولاتي بالفشل في لقاء الزوجة والأولاد

أعيش وحيدا اتلمس الجدار , أتعب وأمرض وأدعو الله أن يرسل لي ملكا يسقيني شربة ماء أو يمسح على ظهري لكي تخف آلامه , انام وأشعر بالحاجة لمساعدتي أنده على زوجتي على ابنتي على أهلي ولا أحد يجيب لأصحو رعبا وخوفا لأتذكر نفسي أنني وحدي .

بؤس وحرمان وشقاء وشوق وأنين

حتى الذي يموت من عائلتي يخافون أن أعزيهم ويفرون هاربين

يهربون من التقدم لبناتي خوفا على أرواحهم من العذاب الأليم

والبعض مازال يتوهم بمبادئ ينادي بها ذلك الرئيس .

والخير في الشخص إن كان حريصا على أهله قبل كل شيء وليس حريصا في الأفق الوهمي والذي لايقدم من خلاله إلا ظلما فوق ظلم وقهر وحزن في قلوب الأحرار أينما وجدوا .

ثلاثون عاما لاوطن لنا ولا أرض ولا أمان ويحيطنا العذاب والفقر والحاجة في كل مكان , والسجن أمامنا أبوابه مشرعة لنا أينما حللنا .

وتقولون أمل الأمة في ذلك النظام

إن كان يعامل أحرار شعبه بذلك والمجرمين والفاسدين أبواب السجون مغلقة أمامهم وإن دخلوه بغمضة عين .العفو يأتيه مسرعا , بينما العفو عن أحرار الرجال والنساء يكون القبر فقط وفي أي مكان .

فلو كان الأمر خلاف سياسي فقط لحل الأمر منذ زمن بعيد ولكن المصيبة في الأمر أن الحقد من قبلهم بدايته طائفية بحتة , وبسبب ذلك ليس لقضيتنا عندهم حل .

مثال وددت طرحه متشابه مع عشرات الآلاف من وطني