وقائي رام الله يقول هل من مزيد
د.مصطفى يوسف اللداوي *
لا تتوقف الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية عن ملاحقة واعتقال نشطاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور كل المنتسبين إلى هاتين الحركتين، فلا تكاد تغيب شمس كل يومٍ حتى تداهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في جنح الليل عشرات البيوت الفلسطينية في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية، وتعتقل مؤيدي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتوجه إليهم تهماً شتى، أقلها اقتناء سلاحٍ غير مرخص، أو القيام بأنشطة وفعاليات تهدد الأمن وسلامة المجتمع، أو أنها تقوم بدعم وإسناد حركة حماس، وتساعد في نقل وتوصيل الأموال إلى عناصر الحركة، وكثير ممن تعتقلهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية مطلوبين لإسرائيل منذ سنوات، وقد بذلت أجهزتها الأمنية جهوداً كبيرة في ملاحقتهم والبحث عنهم، بقصد اعتقالهم أو قتلهم، ولكنها باءت بالفشل في النيل منهم، ففوضت السلطة الفلسطينية بالقيام بما عجزت عن تحقيقه، والمتتبع لسجون السلطة الفلسطينية يجدها تغص بمئات الطلاب والأساتذة والتجار ووجهاء المجتمع الفلسطيني والصحفيين والكتاب والمفكرين والمصورين، فضلاً عن مجموعة كبيرة من المقاومين، الذين نذروا أنفسهم وحياتهم دفاعاً عن فلسطين ومقدساتها .
وفي الوقت الذي يطالب فيه المحاورون في القاهرة السلطة الفلسطينية بالإفراج عمن لديها من سجناء ومعتقلين، تقوم سلطة رام الله بنقيض ذلك فتعتقل عشراتٍ آخرين، ولا تكتفي الأجهزة الأمنية الفلسطينية باعتقال النشطاء واحتجاز حريتهم، بل تقوم بتعذيبهم وإهانتهم، وتبالغ في الإساءة إليهم، وقد أدت وسائل تعذيب السلطة الفلسطينية في أقية التحقيق والزنازين إلى استشهاد عددٍ من المعتقلين، فضلاً عن إصابة العديد منهم بعاهاتٍ مستديمة، وقد تركت سياط التعذيب على أجسادهم علاماتٍ فارقة يصعب على الزمن أن يزيلها، وجراحاتٍ يصعب على الأيام أن تدملها، ومازالت أجهزة أمن رام الله تقول في كل يومٍ هل من مزيد.
أليس ما تقوم به السلطة في رام الله أمرٌ مستنكر ومستغرب، ففي الوقت الذي يطالب فيه الفرقاء والمراقبون والمواطنون والمخلصون جميعاً السلطة الفلسطينية وحركة حماس بالإفراج الفوري عن جميع الأسرى والمعتقلين لديهم، تمعن السلطة الفلسطينية أكثر فأكثر في مسلسل الاعتقالات، فماذا الذي تقصده من وراء هذه السياسة، هل تعتقد أن أحداً في غزة أو في رام الله سيوافقهم على احتجاز أبنائهم في سجونهم ، وهل تعتقد أن المواطنين في الضفة الغربية سيطول صمتهم، أو أنهم سيستمرؤون حالة الذل والهوان التي تمارسها ضدهم أجهزة الأمن الوقائي، أو أن الخوف سيبقى يلبسهم إلى الأبد، وأنهم لن يثوروا على جلاديهم، ولن ينتفضوا على معذبيهم، وسيقبلون أن يساقوا كل يومٍ إلى مسالخ السلطة الفلسطينية كالخراف، دون أن يحركوا ساكناً .
لست أدري أين عقل سلطة رام الله وكيف تفكر، ومن هذا الذي يشير عليها، ويملي عليها الرأي والمشورة، فهل تعتقد أن اعتقال المئات أو الآلاف من المواطنين في الضفة الغربية سيسكت أصواتهم، وسيطفئ ثورتهم، أم أنهم يستخدمون مؤدي ومناصري حركة حماس في الضفة الغربية كدروعٍ بشرية، يواجهون بهم حركة حماس لإرغامهما ودفعها للتخلي عن ثوابتها الوطنية والإسلامية، وهذه ليست سياسة جديدة تتبعها حركة فتح ضد حركة حماس، ففي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبعد أن زج الإحتلال الإسرائيلي بآلاف الفلسطينيين في معتقلات النقب العديدة، وفي مختلف سجونه في أرجاء الوطن، شعرت حركة فتح أن معتقلي حركة حماس في تزايدٍ مستمر، وأنهم بدأوا يطالبون بدورهم وحقهم في اللجان النضالية العليا، فأخذت حركة فتح في مختلف السجون والمعتقلات تمارس ضغوطاً على معتقلي الضفة الغربية من أتباع حركة حماس، معتقدين أنهم أضعف من ابناء غزة، وطالبتهم بالضغط على قيادتهم في داخل السجون وخارجها للتراجع عن مواقفهم، وعدم المطالبة بحقوقهم، والالتزام بما نصت عليه اللوائح والقوانين التي أقرتها جميع اللجان الاعتقالية السابقة، والتي كانت تتشكل فقط من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، واعتقدت أن ممارسة الضغط على معتقلي حماس من أبناء الضفة الغربية سيجبر قيادة الحركة على التراجع والقبول بشروط ومهانات اللجان الاعتقالية العليا، التي كانت تحرم معتقلي التيار الإسلامي من أبسط حقوقهم في التجمع والصلاة والندوات وحلقات العلم، كما أنها كانت تمنعهم من المساهمة في لجان المطبخ والتنظيف وغيرها من لجان المعتقل .
فهل تريد السلطة الفلسطينية أن تعيد ذات الممارسات مع حركة حماس، كتلك التي اعتادت عليها في السجون والمعتقلات، وكتلك السياسة الأمنية الصارمة التي اتبعتها مع حركة حماس في قطاع غزة، والتي قادت بهم إلى هذه النتيجة، وفي الوقت نفسه تطمح وتتطلع أن تصل مع حركة حماس إلى إتفاقٍ أو تفاهم يخولها استعادة سيطرتها من جديد على المواطن الفلسطيني، لتزج به مرة أخرى في سجونها، فإذا كانت سلطة رام الله جادةً في نواياها، وترغب في تذليل بعض العقبات الأخرى التي تواجهها، فإن عليها أولاً أن تتوقف تماماً وفوراً عن سياسة الاعتقالات المستمرة والمجحفة والمهينة بحق أهلنا في الضفة الغربية، ثم عليها أن تفتح السجون والمعتقلات وتفرج عن جميع المعتقلين لديها، وألا تبقي فيها أحداً بحجة خطورته الأمنية، أو أن الاتفاقيات الدولية تمنعهم من الافراج عنهم، ثم عليها أن تحاكم كل الضباط والمحققين الذين أجرموا بحق معتقلينا، فتسببوا في استشهادهم، أو ألحقوا الأذى الجسدي والنفسي بهم، وليعلموا أنه مهما طال الزمن فإن المظلومين سيقاضون جلاديهم، وسيكون الحق معهم، وسينال الجلادون عقابهم، ولذا فعلى سلطة رام الله أن تعجل في محاسبة المجرمين قبل أن يحاسبوا جميعاً، وعليها أن تعيد النظر في العقيدة التي بنت عليها أجهزتها الأمنية، فهذه العقيدة غير وطنية وغير شريفة، ولا تخدم إلا مصالح العدو الصهيوني، ولا تعير مصالح الوطن أي اهتمام، وعليها أن تبدأ برأس النظام الأمني، وهي حكومة فياض، والتي هي حكومة دايتون، فمنه تتلقى الأوامر، وهو الذي يضع لها الخطط والسياسات، فهذه وصفةٌ وطنية صادقة، يصفها الغيورون على الوطن، الحريصون على مصالح شعبهم، فإذا كانت السلطة في رام الله حريصة على الوحدة والتفاهم والاتفاق، فما عليها إلا أن تعجل بإجراءات بناء الثقة، وأن تقدم على خطوةٍ يجلها أهلنا، ويقدرها شعبنا، وإلا فإن الجمر تحت الرماد، وليس إلا نفخة واحدة فتتقدُ .
*كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني