الإعلام العربي .. وأزمة معالجة التطرف
الإعلام العربي .. وأزمة معالجة التطرف
محمد النعيمي - المدينة المنورة
حينما نود مساواة كفتي ميزان طاشت إحداهما ، من الضروري أن نثقل الكفة المقابلة بما يضمن لنا موازاةً حقيقية وعادلة .
هذه المعادلة البدهية البسيطة غائبة - عمداً أو سهواً - عن أذهان أساطين إعلامنا العربي في أكثر القضايا التي تعالجها مؤسساتنا الإعلامية .
ولعل من أبرز هذه القضايا اليوم قضية التشدد الديني أو ما يطلق عليه( التطرف ) أو ( الإرهاب ) ، فقد عالج إعلامنا العربي هذه القضية من عدة زوايا وفي أكثر من شكل برامجي ، لعل من أظهرها : البرامج الدينية ، والبرامج الحوارية المتنوعة ، والأفلام والمسلسلات .
ويكمن خطأ إعلامنا العربي في معالجة القضية عن طريق البرامج الدينية في استضافة ( علماء ) أو ( مشايخ ) غير مقبولين عند الجمهور ، ولا يحظون بشعبية تذكر بسبب تملقهم الزائد للسلطات الحاكمة واطراحهم على أبوابها ، أو بسبب مواقف معينة لهم أساءت للإسلام والمسلمين ، وبالتالي يأنف المتلقي أن يأخذ عنهم أحكاماً فقهية بسيطة في الطهارة والوضوء مثلاً ، فضلاً عن أن يأخذ عنهم في مثل هذه القضايا الخطيرة المتشعبة ، بل إن المتلقي قد يرفض الحقَّ لمجرد أن ذلك ( الشيخ ) قال به أو أيده .
كما يكمن الخطأ في المعالجة عن طريق البرامج الحوارية المتنوعة في محاولة علاج التطرف بتطرف مقابل ، والحديث باسم الإسلام من أشخاص لم يعرفوا عنه شيئاً إلا - ربما - أثناء التحضير للبرنامج ، وكم آلمني أن أشاهد مرة على فضائية عربية شهيرة رنامجاً حوارياً ضم مجموعةً من الشباب المستهتر الذي لا تميز بعضَه عن النساء ، وهو يتحدث عن ( التطرف الديني ) ، وكيف أن هذا الشباب ( المتطرف ) لم يتح له فهم حقيقة الإسلام المتسامحة ، مما يعطي انطباعاً أو يوحي إيحاءاً أن هذا الشباب المتحدث في البرنامج هو النموذجُ السويُّ الأمثل لشباب الإسلام ، والصورةُ المكررة لعلي بن أبي طالب وأسامة بن زيد! .
والأمر ذاته ينطبق على الأفلام والمسلسلات المعَدَّة لعلاج التطرف ، فكم تطالعنا أفلام ومسلسلات رسم كُتَّابُ ( سيناريوهاتها ) صورَ وتصرفاتِ ( المتطرفين ) على نحوٍ لم تستطعه الأوائل من الخوارج .
فيما ( الطرف المعتدل ) و ( الطرف المقبول ) يظهر في شباب متخنث ، ونساء سافرات متبرجات ، وكؤوس خمر تدار ، وغرام وعلاقات محمومة محرمة تغمر الجوَّ الرومانسي الحالم ، لا يعكر صفوه إلا طلقات وتفجيرات ( المتطرفين ) ذوي اللحى الطويلة ، والأثواب القصيرة ، والوجوه الكالحة ، وزكائب السجود العريضة ، والألفاظ المتقعرة ، والحركات المتوترة المريبة ! .
إن إعلامنا العربي بحاجة إلى تقديم النموذج الوسطي الحقيقي ، نموذج الجيل الذي قال قائله ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) ، لا أن يستبدل التطرف في السفاهة والمنكر والرذيلة بالتطرف في الدين ، ولا أن يحارب التطرف في الدين على حساب الأخلاق والدين .