نوبل و أوباما والمصادفات الثلاث
ابتهال قدور
قد تكون الجائزة التي منحت للرئيس الأمريكي هي أول جائزة نوبل تستأثر بهذا الكم من الجدل! وقد يكون في هذا دليل على ما يمكن أن يحدثه التوقيت الخاطئ للأمور من حماقات...
ما هي أسباب اختياره وهو الذي لم يكمل عامه الأول على سدة الحكم، لماذا وهو الذي لم يضع أقدامه بعد على عتبات أفعال تغييريه لأكثر القضايا المؤرقة لشعوب هذا العالم هذه التساؤلات وغيرها يحق لكل فرد أن يطرحها...
لكن هذا المقال لا يسعى إلى تكرار طرح تلك الأسئلة الذي أجابت عنها مختلف الأطياف، كل حسب رؤيته، بقدر ما يهدف إلى توجيه الضوء وتركيزه على عدة أمور أحاطت بهذا الحدث ..
بداية، ومن باب العدالة، نقر بأنه من غير المعقول أن نتوقع من الرئيس الأمريكي حلولاً سحرية عاجلة لكل المشاكل التي تسود هذا العالم، فهو أبداً لم يدعي امتلاك عصاً سحرية...هو أبدى رغباته، وعبر عن تطلعاته، وأوضح رؤيته لما يريد أن يحققه من سلام وأمن في مناطق التوتر، وأعلن نظرياً عن رفضه لفكرة صدام الحضارات، وبدا كأنه ينظر بعين التفهم لثقافات الآخر، ويمد يد الحوار للعالم الإسلامي، في تحد واضح لتوجهات سابقه، وفي مخالفة لقناعات عدد غير قليل من شعوب الغرب عموماً..
أما تطلعنا إلى حلول عاجلة فهو ابتعاد عن الواقعية، إذا ما أحطنا علماً بما يشوب الحراك الدبلوماسي من تعقيدات، وما يعتري العملية السياسية من ضغوطات وملابسات، منها ما هو مكشوف ومنها ما هو مخفي...
ولكننا أبناء هذا العالم العربي ننطلق في استعجالنا الحلول من ثقافتنا السياسية التي ألفناها تقوم على الفرض والقسر والتسلط...إلاّ أن الأمور لدى الرئيس الأمريكي إزاء قضايا شائكة ومعقدة في هذا العالم ليست كذلك حتماً!!
فالرئيس أوباما بريء من ملابسات جائزة لم يطلبها، ولم يسع إليها، بل وأعرب بكل تواضع عن استغرابه من كونه هو الشخص المختار، وعن عدم استحقاقه لها... فلا يصح أن ننظر إليه بعين الحقد والاتهام بسبب هذه الجائزة، ولكن من حقنا الوقوف عند بعض المصادفات....
مصادفة "الدولة اليهودية"
مؤخراً، وقبل منح الجائزة بأيام قليلة، ألقى السيد أوباما كلمة الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحرص على أن يمرر وصفاً خطيراً وهو وصف "اليهودية" لدولة إسرائيل، وقد جاء على لسانه حسب ما تناقلت وكالات الأنباء العالمية ما يلي : " لقد حان الوقت لنعيد إطلاق المفاوضات دون شروط مسبقة، على أن تتطرق إلى شؤون الوضع النهائي والأمن للفلسطينيين والإسرائيليين والحدود واللاجئين والقدس، والهدف واضح.. دولة يهودية هي إسرائيل.. ودولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة"
وإذا كان الكيان الصهيوني الغاصب يحقق مآربه، ويجني مكاسبه في أرض فلسطين على مراحل، فإنه من الواضح جداً أن المرحلة الحالية هي مرحلة يركز فيها جهوده لسحب مثل هذا الاعتراف دولياً وعربياً وفلسطينياً!
فالدبلوماسية ليست شكلاً وإطاراً فارغاً إنما هي شكل ومضمون فتلك الكلمات، وذاك التوصيف الذي أطلقه رئيس الدولة الراعية لعملية السلام في الشرق الأوسط على مسمع من العالم، لم تكن شكلية ولم تكن خالية من مضمون ممنهج لإقرار مكسب جديد لدولة العدو.
ويبدو أن تمرير مثل هذا الوصف هو بداية الاعتراف بالخطة التهويدية التي تسعى الدولة المحتلة إلى إقرارها كحقيقة وأمر واقع!!
مصادفة تقرير غولدستون
أيضاً قبل منح الجائزة بأيام، قام الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بسحب التقرير الذي أعده القاضي "ريتشارد غولدستون" بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، هذا التقرير الذي كان قد أدان الهجوم الهمجي وجعله يرقى إلى مستوى جرائم حرب.
وبينما كانت المنظمات الحقوقية في العالم أجمع تعمل لأجل إقرار هذا التقرير، والدفع لأجل التصويت عليه بهدف إدانة مجرمي الحرب على غزة ويجعلهم ملاحقين في مختلف دول العالم، تتدخل أمريكا لتعين إسرائيل وتنقذها مرة أخرى وتخرجها من مأزقها الدولي، من خلال ضغوطها على السلطة الفلسطينية لكي تقوم بسحب التقرير!
فتعددت الاتصالات الهاتفية التي أجرتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون طالبة فيها من السيد عباس عدم الموافقة على ما جاء في التقرير وذلك لكي لا تتعمق الهوة بينه وبين الاسرائيليين!!
وكأنها تقر وتوافق على كون دولة الاحتلال هي دولة فوق القانون، وفوق الإدانات وفوق المحاسبة!!
مصادفة تفجير الفضاء
هنا مصادفة غريبة حقاً، ومفارقة أكثر غرابة، فبينما لجنة نوبل تقوم بتتويج السيد أوباما إكليل السلام لأنه راغب في إيقاف الحروب على الكرة الأرضية، ولأنه يأمل أن يحد من التسلح النووي المهدد للبشرية، ولأنه شرع في التعبير عن رغبات إيجابية تهدف الى المساهمة في حل ظاهرة الاحتباس الحراري، والتغير المناخي...
في هذه الأثناء تقوم بلاده ممثلة بوكالة ناسا بتفجير القمر...تحت ذريعة البحث عن المياه!!!
في مخالفة لاتفاقية موسكو 1963 التي تحظر إجراء التجارب النووية في الفضاء أو على سطح الأجرام السماوية.
جائزة سلام على الأرض وتفجير غير مسبوق على القمر!
حديث عن علاجات لمشاكل المناخ على الأرض، وصناعة مشاكل جديدة في الفضاء، مشاكل قد لا يسلم منها كوكبنا ولا يسلم منها مناخنا ولا تسلم منها بحارنا التي لها علاقة بالقمر في مدها وجزرها...!
هل كان في ذلك رسالة لنا بأنهم يحكمون سيطرتهم على الكون أرضه وفضاءه وأجرامه فما من جدوى للمقاومة وقد اختل الميزان بيننا وبينهم!؟
هل في كل ما يحدث ترسيخ لمبادئ جديدة هي: قل الشيء وافعل عكسه، ادع الآخر لاحترام القانون وانتهكه أنت؟؟!
لعلها مصادفات، ولكن هل كانت الجائزة دائماً مجردة!؟
قد تكون هذه الأحداث التي تزامنت مع حصول الرئيس الأمريكي على جائزة نوبل للسلام، مجرد مصادفات وليس من المجدي الوقوف عندها، ولكنها قد تكون غير ذلك!
من المفيد أن نتذكر كما ذكر أحد الكتاب الفرنسيين، "أن الجائزة عندما منحت لبيجين والسادات كان ذلك رغبة في التعبير على أن عملية السلام التي كانوا يسعون لها تحتاج لدعم العالم، وكذلك عندما منحت لجورباتشوف، هي رهان سياسي وليست رهان معنوي.."
فجائزة نوبل للسلام لم تمنح دوماً لمن يقدم أكثر نفع للبشرية، في العديد من الحالات شكلت تثبيتاً لتوجهات سياسية معينة يسير عليها الشخص الذي تم اختياره، ودعماً لها وتشجيعاً وحثاً على مواصلة السير فيها.
وما أعضاء اللجنة المانحة في النهاية إلاّ بشر لديهم توجهاتهم السياسية وتطلعاتهم وعلاقاتهم...فلا ينبغي النظر إليهم دوماً بعينين بريئتين و مجردتين..
إن تخصيص جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي هذا العام، هي ترسيخ لخط سيره ولكن خط سيره مازال بلا تفعيل، ومازال يحتمل عدة احتمالات فأي من هذه الاحتمالات هو المقصود؟
هل هي تلك التي ترسخ مصالح بلده ومصالح حلفائها، حتى إن كانت تحمل الظلم والكبر والدمار للآخر، أم أنها تلك التي تنظر بعين التواضع والعدالة والحب والسلام في هذا الكون؟!