"داعش" أو حصان طروادة
"داعش" أو حصان طروادة....
أمريكا وحُلم الشرق الأوسط الكبير
محمد حمدي
طروادة مدينة يونانية ذكرتها الملاحم والأساطير ووردت في الأشعار والسّير... مدينة كانت عصيّة على الغُزاة.. حربٌ ضروس خاضتها ولم يتمكن الغُزاة من النيل منها فلجأوا إلى الحيلة.. صنعوا ذاك الحصان الضخم وأهدوه لأهلها إكراماً لصمودهم... لكن ذاك الحصان كان فخّاً أسقط المدينة الصامدة وأنهارت في لحظات...
لا أحد يعرف بالضبط كيف نشأ هذا الكيان الهُلامي المدعو "داعش".. فجأة خرج من القمقم كالمارد وانتشر من سوريا إلى العراق وصار بقدرة قادر "دولة" "الدولة الإسلامية" وصار يمتلك العُدة والعتاد والاستراتيجيا...!
لكن إنّ المتامّل فيما قالته (هيلاري كلنتون) في مذكّراتها يُدرك تماماً من هو "داعش" ومن هي " النُصرة " وما هي أهدافهما!؟
ذكرت (كلنتون) أن "داعش" هي صنيعة أمريكية.. وبالتالي فهي إمتداد طبيعي لتنظيم "القاعدة" والحركات الإرهابية الإسلاموية التي أنشأتها أمريكا وبها غزت أفغانستان والعراق متخذة ذريعة محاربة "الإرهاب" وحماية الأمريكان ومصالحهم تعلّة لذلك.. هذا ما هو الظاهر.. لكن في الحقيقة أن الاستراتيجية الأمريكية المتّبعة في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً بُنيت على النقاط التالية:
1) ـــــ الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وجعله الأقوى في المنطقة؛ وذلك بخلق فتنٍ وحروب في دول الجوار للحدِ من نموها وتقزيم قوّتها.
2) ـــــ الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بالحفاظ على موارد الطاقة وذلك بالحفاظ على سلطة الأمراء والملوك الموالين لها والقضاء على كل من يُمثل تهديداً لهذه المصالح الاستراتيجية ـــــ العراق مثلاً ـــــ .
هذه الاستراتيجية جعلت من دول المنطقة تدور ضرورة في فلك أمريكا وتُمسي أدوات مُنفذة لمطامحها المتعددة.. فأمريكا تسعى أن تكون المهيمن الوحيد في العالم وسيده وتُمسي الإمبراطورية المُهيمنة على كل الكون وموارده وهي في ذلك تتبع سياسة الترغيب والترهيب... وما "داعش" إلا حلقة من حلقات الاستراتيجية الأمريكية التي تعتمد على صِدام الحضارات والفوضى الخلاّقة لتحقيق مآربها..
داعش المرحلة الثانية لما بعد الفشل في سوريا
راهنت أمريكا على شيئين إثنين لتحقيق حُلم "الشرق الأوسط الكبير" بعد أن فشلت في ذلك منذ 2005 و2006 ثم 2008 إذ لاحت لها الفرصة في:
1 ـــــ الحراك في الشارع العربي أو ما يُسمى بـ "الربيع العربي" وتوظيفه.
2 ـــــ وضع الإخوان في سُدة الحكم في دول ما يُسمى بـ "الربيع العربي" وتنفيذ مآربها دون عناء.. أي السلطة للإخوان مقابل إنهاء القضية الفلسطينية وحركة المقاومة.
قد يبدو للوهلة الأولى أن الأمر نجح في تونس وليبيا واليمن ومصر لكنه فشل تماماً في سوريا وسقطت ورقة أو حجر الـ (دومينو) وسعت أمريكا عبر كل المنظمات وبالقوانين وعبر الوكلاء لضرب سوريا والتدخل المباشر فيها لكنها فشلت.. فناورت بالكيمياوي وجنيف1 و2 فاصطدمت بصمود محور روسيا ـــــ الصين ـــــ إيران.. حينها لجأت إلى دعم الحركات الإرهابية بالمال والسلاح والخبرة على أمل إنهاء الصمود السوري وبالتالي تأمين:
1 ـــــ الكيان الصهيوني
2 ـــــ تفتيت المنطقة على أُسس طائفية ومذهبية
3 ـــــ حصر روسيا في الزاوية وغلق منفذها على المتوسط وجعلها دولة قارّية
4 ـــــ خنق الاقتصاد الروسي بتزويد أوروبا بالغاز الخليجي والمكتشف السوري
فشل هذا الرهان فلجأت إلى خلق أزمة في الحدود الروسية للضغط عليها من أجل ترك دعمها لسوريا... كل هذا تداعى فظهرت تلك الـ "داعش" فجأة في شمال العراق وزحفت نحو الموصل وصارت "دولة" من الرّقة إلى الموصل.. لم يهتم الأمريكان بالأمر بداية وناوروا بمجرد كلمات ثم سعوا لتغيير المالكي الداعم لإيران وسوريا ونجحوا في ذلك بالتآمر مع عُربان الخليج السعودية أساساً ثم قرروا ضرب هذا الـ "داعش" جوّا في العراق دون ضربه في سوريا ودون مشاركة إيران وروسيا وسوريا المعنية أصلاً بهذا الإرهاب..
التحالف القائم الآن هو في الأصل تحالف ما يُسمّى "أصدقاء سوريا" سابقاً... الهدف المعلن منه محاربة "داعش" والإرهاب ونسي هؤلاء أن "النُصرة" هي أيضاً إرهاب، لكن "النُصرة" الآن لا تُهدد المصالح الأمريكية في كردستان الثمرة الأولى للتقسيم...
الفرصة الآن ملائمة لأمريكا لضرب سوريا ولضرب أهداف داخل العمق السوري بحجة "محاربة الإرهاب"، كما أنها ستسعى لخلق منطقة حظر في الرّقة ودير الزور تسيطر عليها جوّيا واحتمال أن تسيطر عليها فصائل إرهابية موالية لأمريكا ومعادية للدولة السورية وبذلك يكون الكيان الثاني بعد كردستان قد نشأ.. مع العلم أن (جون كيري) طالب بتسليح العشائر في العراق في المناطق التي تسيطر عليها "داعش"... فوضى السلاح كما في ليبيا للتقسيم والتناحر والتفتيت...
مبدئياً نجحت أمريكا في مآربها وغيّرت تكتيكها.. نجاح مرحلي في إنتظار ردة فعل الدب الروسي الذي رفض تجاهله وأستنفر قواته...
الروس يُدركون تماماً ما ترمي إليه أمريكا، ويُدركون أن ضياع سوريا يعني خسارة عمق استراتيجي لا يمكن تعويضه، ويُدركون أن "داعش" هذه ماهي إلاّ حصان طروادة.. لمزيد من الهيمنة الأمريكية على المنطقة...
سـتتجلى الأمور أكثر وينقشـع غُبار المعركـة قريباً وتتضح رؤية الأمريكان وتنكشـف أهدافهم ومراميهم من وراء "داعـش" هذه، رغم أني أجزم أنها واضحـة وأن وراء الأكمـة ما وراءها وأن المشـروع جارٍ تنفيذه... التقسـيم، التفتيت، التغيير الجيوسـياسـي، مزيداً من خلق التفوق للكيان الصهيوني.. ولكن للسـوريين و"حزب الله" وحلفائهما رأي آخر.... العالم مقبل على مرحلـة حرب قاسـيـة وضروس......