تداعيات سحب تقرير القاضي الدولي غولدستون

محمد فاروق الإمام

تداعيات سحب تقرير القاضي الدولي غولدستون

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لقد كان لسحب تقرير القاضي في مجلس حقوق الإنسان رتشارد غولدستون تداعيات كبيرة وعميقة، هزت مشاعر الأمم والشعوب غرباً وشرقاً.. عرباًً وعجماً!!

وكان في مقدمة تلك التداعيات ما أصاب بيت السلطة الفلسطينية الحاكمة في مقاطعة رام الله المحتلة، فهذا مستشار رئيس السلطة وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية نبيل عمرو يحمل محمود عباس المسؤولية المباشرة عن تأجيل بحث تقرير غولدستون، متهماً عباس صراحة بأنه هو من اتخذ قرار التأجيل، مطالباً، في تصريحات أدلى بها لقناة الجزيرة من القاهرة، محمود عباس بإعلان مسؤوليته المباشرة عن كل ما حدث باعتباره رئيساً للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والبدء في معالجة التداعيات الخطيرة لهذا القرار.

ودعا نبيل عمرو محمود عباس إلى إلغاء لجنة التحقيق التي أعلن عن تشكيلها في الأمر، بعد أن نفى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المكلف بهذه المهمة (حنا عميرة) تكليفه بها.

وأضاف نبيل عمرو أنه (كان يجب أن يقال من البداية إن القرار اتخذ خطأ ولا يجب التعتيم) موضحاً أنه كانت هناك ضغوط، ولكن أشار إلى أنه كان بالإمكان عدم الإذعان لتلك الضغوط.

ودعا عمرو إلى (التوقف عن افتعال التبريرات والذهاب إلى صلب الموضوع) وفق آليات القرار الفلسطيني (لأن المصداقية معدومة الآن) معتبراً أنه ليس من السهل إعادة طرح القضية على مجلس الأمن الدولي بعد سحبها وتأجيلها في مجلس حقوق الإنسان.

وهذا ما احتج به مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن عندما طلب مندوب ليبيا إحالة التقرير إلى مجلس الأمن لمناقشته، وقد رفض طلبه بإجماع أعضاء المجلس، محتجين بأن الفلسطينيين هم من سحبوا التقرير ولا يمكن أن يكونوا هم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين!!.

من جهة ثانية أكد مسؤول ملف المفاوضات صائب عريقات في اتصال هاتفي مع الجزيرة (إن السلطة تتحمل المسؤولية عن تأجيل التصويت على تقرير غولدستون)، مشيراً إلى حصول خطأ وسوء تفاهم حول وجود توافق على تأجيل التصويت بمجلس حقوق الإنسان.

وفي غمرة تباينات مواقف رموز السلطة من محمود عباس قال المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان ممدوح العكر في تصريحات للجزيرة (إن الفلسطينيين بحاجة إلى معرفة ما حصل بالضبط وكيفية تصويب الخطأ الذي وقع).

وأضاف العكر قائلاً: (إن السلطة الفلسطينية باتت مرتهنة للاحتلال والضغوط الأمريكية)، وطالب بأن يكون التحقيق في طلب السلطة تأجيل بحث تقرير غولدستون مستقلاً.

وبعد أن اتهم العكر السلطة الفلسطينية بالارتهان للاحتلال والضغوط الأمريكية، قال: (يجب أن نسأل أنفسنا: هل أصبحت السلطة عبئاً على النضال الوطني الفلسطيني؟!).

ولم تقتصر تداعيات سحب تقرير غولدستون على رموز السلطة الفلسطينية، بل تعدتها إلى عدد من قيادات حركة فتح، فقد حذر بعض قادتها الميدانيين من خطوات تقوم بها السلطة الفلسطينية لتحويل الحركة لتكون على قياس (ما تتطلبه مشاريع التسوية المرفوضة).

وحذر هؤلاء القادة في بيان أصدروه يحمل عنوان (نداء إلى أبناء فتح)، وحمل توقيع (قوات العاصفة) من تحول فتح (بعد مؤتمر بيت لحم لأن تصبح فتح الرئيس (محمود عباس) وسلطة (سلام فياض)، لا فتح المنطلقات والمبادئ والانطلاقة والمقاومة والانتفاضة.

عضو المجلس الثوري لحركة فتح خالد مسمار أكد من جهته بأن هذا البيان الذي أصدرته بعض قيادات فتح هو دليل على أن فتح تتعافى مما أصابها خلال السنوات الماضية.

ودعا مسمار قيادة الحركة (للاهتمام بقواعد حركة فتح وبالجماهير الفلسطينية)، وقال إنه (عندما ابتعدت فتح عن الجماهير ابتعدت هذه الجماهير عنها وهو ما أدى لخسارة فتح انتخابات المجلس التشريعي).

وفي رأي المحلل السياسي المتابع للأوضاع داخل حركة فتح شاكر الجوهري فإن (قيادات وجماهير عريضة في فتح ترى أن محمود عباس ابتعد في نهجه السياسي لدرجة أنها باتت تنظر له على أنه عبء يجب التخلص منه).

وذهب الجوهري إلى اعتباره أن تداعيات منهج السلطة الوطنية الفلسطينية السياسي وآخرها تداعيات تقرير القاضي الدولي ريتشارد غولدستون (تؤكد أننا على أبواب انتفاضة تستهدف الأعداء كلهم).

الشارع الفلسطيني لم يقف مكتوف الأيدي حيال ما أقدمت عليه السلطة من سحبها لتقرير غولدستون، وقد بنت عليه هذه الجماهير المسحوقة بالبندقية الصهيونية وبسطار أمن السلطة كثيراً من الآمال في دخول القضية الفلسطينية المسرح الدولي على أعلى المستويات، بعد أن اكتشف المجتمع الدولي حقيقة الكيان الصهيوني وما يرتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين تصل إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة جماعية، عبر تقرير أعده القاضي غولدستون لمجلس حقوق الإنسان الذي هو أعلى هيئة دولية تعالج مسائل انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، وهي من تقرر وتتهم وتقاضي وتحقق وتصدر الحكم!! فقد نزلت هذه الجماهير رغم التضييق والحصار والحواجز وبنادق الصهاينة وقطعان المستوطنين إلى الشوارع معلنين عن غضبهم على ما ارتكبته السلطة الفلسطينية من جريمة بحقهم، عندما سحبت مشروع التقرير ومنعته من الوصول إلى مجلس الأمن لمناقشته واتخاذ الأمر بشأن ما جاء فيه.

الأيام القابلة – باعتقادي – ستشهد مزيداً من ردات الفعل الفلسطيني تجاه السلطة في رام الله المحتلة، وقد يتطور هذا الفعل إلى انتفاضة جديدة أقوى وأشد من كل الانتفاضات السابقة، وستجد هذه الانتفاضة إذا ما وقعت من الجماهير العربية والإسلامية وأحرار العالم كل تأييد ودعم، وبأشكال قد لا تخطر على بال كل المراقبين والمتابعين والمهتمين.