العدو الحقيقي للنظام السوري وسياسة المكاييل
العدو الحقيقي للنظام السوري وسياسة المكاييل
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
تحضرني حادثة جرت سنة 1978 في كلية العلوم جامعةتشرين , قدم إليها نائب الرئيس السوري رفعت الأسد وألقى فيها محاضرة عن الصراع العربي الإسرائيلي . وتطرق إلى موضوع فك الإرتباط بين الجيش المصري والإسرائيلي في الدفرسوار 1973 . ووصف تلك العملية بالخيانة العظمى والتي كنا نرددها دائما .ونصفها بالعملية الخيانية للأمة العربيه.
وجرت بعدها مفاوضات كانت نتيجتها فك اللإرتباط بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي لتنهي معارك الإستنزاف والحرب بين الدولتين .
فتقدم أحد الطلاب بسؤال إلى النائب و كانت صيغة السؤال الآتي :
لماذا نقول عن فك الإرتباط بين الجيش المصري والإسرائيلي خيانة , بينما نسمي فك الإرتباط بيننا وبينهم نصر ؟
وكانت النتيجة عدم الإجابة وبعد المحاضرة أخذ الطالب من قبل المرافقة إلى غرفة وكان له فيها بعض الشتائم والمسبات وأنذروه إياك أن تسأل بعد الآن أسئلة كهذه .
السلام ومعهادة السلام وكامديفد سميت الخيانة العظمى ومحادثات السلام بين سورية واسرائيل سميت سلام الشجعان .
كل من يعبر عن المعارضة للنظام فهو عميل لإسرائيل ويعرض لشتى أنواع القهر والتعذيب ومن النادر من يعرف عنه شيئا قد تمتد لعشرات السنين في أنه خالف القانون السوري , يعاقب عليه حسب قانون الطواريء والقوانين الملحقة به .
لكي لاتحاسب الناس فعليك أن تحاسب نفسك أولا . مقولة على النظام أن يعيها جيدا , لأنني كمعارض له أستطيع أن أحاسبه قانونيا , كما يدعي بمحاسبة أمثالي قانونيا .
ولتوضيح ذلك لابد من الدخول في لب الدستور والقوانين المنبثقة عنه لكي يرى المتتبع لذلك أنني لست مدعيا , وإنما كلامي يطابق كلام الرئيس السوري في ذلك .
عندما سئل على قناة العربية من إليناكوزي عن المعارضة ولماذا تبقى خارج الوطن ولا يوجد أدنى أمل في حل قضيتهم .
أجابه الرئيس هناك قانون في البلد هو الذي يحكم في تلك الأمور والمخالف عليه أن يتحمل وزر عمله بالقانون .
الشعب السوري منذ 46سنة محكوم بقانون الطواريء وبعدها بقانون المحاكم العسكرية والتي يحق لها محاكمة المدنيين , وقانون 68 الذي يعفي المسؤول الأمني من أي مساءلة قانونية . ليكتمل ذلك بقانون ال49 الذي يبيح فيه الإعدام على الفكر وليس الفعل .
نحن مع القانون وليس ضده ويجب أن يكون القضاء مساويا بين جميع الأطراف لايفرق بين شخص وآخر . ونضع أنفسنا في تصرفه منطلقين من مبدأ اساسه تطبيق الجزاء على كل مخالف له .
لنحاكم بعضنا بعضا على الورق وحسب المواد الستورية والقانونية ونذكر الحقائق هنا , وبعدها يمكن الحكم على الجاني.
عندما استلم حزب البعث السلطة عام 1963 كان استلامه للسلطة غير قانوني حسب مواد الدستور السوري حيث تنص المادة 269 من قانون العقوبات السوري (يعاقب بالإعتقال المؤقت سبع سنوات على الأقل من اغتصب سلطة مدنية أو قيادة عسكريه ) .
فهل من حق هذه السلطة العمل بقانون الطواريء والذي صدر عنها مع أن فرض حالة الطواريء يحدده الدستور السوري في أن يتخذ من مجلس الوزراء ويعرض على مجلس الشعب مع موافقة ثلثي الأعضاء حتى يتم فرضه وهذا لم يحصل .
ومع التسليم با لأمر الواقع وهذه هي السلطة الشرعية للبلاد والتي أصدرت قانونا آخر هو قانون ال49 وتم تطبيقه من قبل السلطات التنفيذية بدون أن يعرض على المحكمة الدستورية , ليبطل شرعيته الدستورية وبالتالي فإن تطبيقه مخالف للقانون .
الجمهورية العربية السورية دولة عربية ذات نظام جمهوري , وحزب البعث فيها هو الحزب القائد للأمة . في نص الجدول الداخلي لحزب البعث لكي تصبح عضوا عاملا تترشح لذلك بعد سنتين ومن ثم التسلسل في عضو فرقة عضو شعبة , عضو فرع وعضو قيادة قطرية.
فعمر الرئيس لايخوله أن يكون عضو قيادة قطرية , وهنا مخالفة قانونية لنظام البعث نفسه . وتغيير أي مادة من الدستور يجب أن يتم الإستفتاء الشعبي حول المادة نفسها حتى يتم التغيير , لأنه عندما تم وضع الدستور لم يعتمد إلا بعد أن تم الإستفتاء عليه من قبل الشعب . بينما عدلت المادة والتي تنص على أن لا يقل عمر الرئيس عن أربعين سنة في خمس دقائق لتفصل على الرئيس .
أليس في ذلك مخالفة قانونية ودستورية أيضا ؟
وهنا لابد من التوجه إلى الرئيس بهذا السؤال , فما هي القوانين التي تنطبق علينا ؟
نحن المعارضة كانت لنا توجهات في عدم شرعية القوانين واستلام السلطة والسلطة أصدرت قوانين بحق الشعب وهي مجحفة لكل أبنائه , ومكبلة له من جميع النواحي . وهنا لابد من استخلاص النتيجة الآتية ألا وهي :
إما أن نقف نحن وأنتم أمام القانون للحكم على المخطيء كما ذكرت أو أن يتم إلغاء هذه القوانين الغير دستورية ليحل محلها قوانين مبنية على المساواة بين جميع الناس . وليس الكيل بمكيالين ولا بعدة مكاييل .
ونحن لسنا بأعداء الوطن , ومع أن اسرائيل هي عدوة الأمة كلها تمدون أياديكم إليها للصلح معها وتوسط الكثير بين الطرفين لكي تصلوا إلى السلام بينكما .
بينما أيدي المعارضة في غالبها ممتدة باتجاه النظام لحل القضية وإيجاد مخرجا لعشرات الألوف من المشردين والمظلومين , وعددهم يفوق عدد أهل الجولان بأضعاف .وتدخل الوسطاء بين الطرفين ولم يؤدي ذلك إلا مزيدا من الإهمال وعدم الإكتراث . بينما الوساطة مستمرة بينكم وبين اسرائيل .
هل يعني ذلك أننا فقط نحن الأعداء الحقيقيين للنظام وليس غيرنا؟.