الكاوبوي بولتون في مواجهة الأمم المتحدة
الكاوبوي بولتون في مواجهة الأمم المتحدة
المهندس طارق حمدي
أثار تعيين جون بولتون كسفير اميركا الجديد للامم المتحدة ضجة كبيرة فهو من المحافظين الجدد ومعروف بإزدرائه للأمم المتحدة. ولم يخيب بولتون التوقعات فافتتح عهده بتدمير مشروع إصلاحات الأمم المتحدة فقد قام بإضافة 750 تعديلا إلى وثيقة إصلاحات الأمم المتحدة . وهي وثيقة تحدد أهداف وسياسات الأمم المتحدة للسنين القادمة، وكان يجب أن تناقش يوم 14 سبتمبر في الذكرى الستين لتأسيس الأمم المتحدة. ولكن بهذه التعديلات فقدت الوثيقة قيمتها واضطر رئيس الجمعية العمومية إلى إنشاء لجنة مكونة من ثلاثين دولة من بينها أمريكا لصياغة وثيقة جديدة.
وتعكس تعديلات بولتون سياسة أميركا الرأسمالية باتجاه العالم. فمن بين هذه التعديلات تقليص التركيز على حل مشكلة الفقر، فمثلا تلغي التعديلات إتفاقات سابقة كضرورة أن تلتزم كل دولة بدفع 0.7% من الدخل القومي لمساعدة التنمية في الدول الفقيرة، وتلغي تماما هدف تقليص الفقر إلى النصف بحلول 2015. وتركز التعديلات على الحرب على الإرهاب واستعمال القوة متى احتاج الأمر إلى ذلك. كما تركز أيضا على منع الدول التي لا تمتلك أسلحة النووية من الحصول عليها، ولكنها لا تمنع الدول النووية من تطوير قدراتها كما تفعل أميركا الآن. وكما هو متوقع، فقد ألغت التعديلات ذكر معاهدة كويوتو لحماية البيئة التي عارضها بوش لحماية الشركات الرأسمالية، وأيضا ألغت ذكر محكمة الجرائم الدولية، فأميركا تعارض هذه المحكمة خوفا من محاكمة جنودها لانتهاكات قاموا بها مثل التي حدثت في ابوغريب وغوانتانامو. وملخص التعديلات: استمرار للهيمنة الاميركية فيسمح لها بتطوير واستعمال قوتها كيفما شاءت وتهميش قضايا كالفقر والبيئة التي تضر بمصالحها.
وستنجح أميركا في فرض آرائها وستستمر في استخدام الأمم المتحدة لتحقيق مصالحها، فالأمم المتحدة إنما صنعت لمنح الدول الكبرى غطاء شرعياً لسياساتها في العالم، كما حصل في فلسطين والعراق وأفغانستان. وعلى الرغم من أن أميركا لم تحصل على ضوء أخضر في البداية لغزو العراق لتعارض ذلك مع مصالح دول كبرى مثل فرنسا والمانيا ، إلا أنها نجحت بتكريس احتلالها لاحقا من خلال الامم المتحدة، تحت مسمى القوات متعددة الجنسية، وأخذت اعترافا بالحكومة العميلة في العراق، وأخيرا استصدرت قرارا يطالب الدول المجاورة للعراق بمنع دخول المقاومة رغم أن الغزو ليس شرعياً أصلا. كما تعطل أميركا كافة القرارات التي تضاد مع مصالحها، كما فعلت مع القرارات التي تتعلق بكيان اسرائيل.
وقد يعتقد البعض أن هذه سياسة الإدارة الاميركية الحالية فقط ولكن الإدارات الديمقراطية السابقة استعملت الأمم المتحدة بنفس الطريقة فمثلاً كلينتون هو الذي فرض الحصار على العراق تحت غطاء قرارات مجلس الأمن وهو الذي ضرب أفغانستان والسودان في 98 خارج ما يسمى بالشرعية الدولية، فالاختلاف بين الإدارات الاميركية هو اختلاف في الأساليب وليس اختلافاً في السياسات.
والسؤال الآن هو: هل يمكن إصلاح الأمم المتحدة لتصبح منظمة عادلة وليست أداة طيعة في يد أميركا؟ أجاب بولتون على هذا السؤال بتعديلاته ال 750 التي جعلت الإصلاحات مجرد مهزلة . وطالما أنه لا أمل في الإصلاح فالحل هو التخلص من هذه المنظمة، والبحث عن بدائل أخرى لحل النزاعات بين الدول. والبدائل يجب أن تكون ثنائية أو متعددة الأطراف وليست ضمن مؤسسات عالمية استعمارية، فمن اخطر نتاج وجود منظمة عالمية هو أن كل النزاعات قد دولت وتستطيع الدول العظمى أن تسير الدول الأخرى حسب سياستها حيث نجحت أميركا في أن تفرض على جميع الدول التعامل مع ما اسمته الدول المارقة من خلال ما أسمته "اما معي أو ضدي". فمثلا استطاعت أن تستصدر قرارات في مجلس الأمن فألزمت جميع دول العالم بمقاطعة ليبيا في قضية لوكربي رغم أن هذه القضية كانت فقط بين أميركا وبريطانيا وليبيا. وقد أخضعت جميع البلاد الإسلامية لتنفيذ تلك المقاطعة.
والحل الوحيد للتخلص من ظلم هذه المنظمة هو أن تعلن البلاد والإسلامية انسحابها من عضوية الأمم المتحدة وتدعو لمناقشة سبل أخرى لحل النزاعات، ولكن للأسف الشديد فإن الأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي لن تفعل ذلك، فهي قد جعلت قرارها بيد الدول الغربية، ومن غير تغيير تلك الأنظمة المتعفنة وإقامة بديل عنها، فسنستمر نعيش تحت ظلم أميركا والأدوات التي تستخدمها كالأمم المتحدة.