لا يستحقون هذا الشرف
لا يستحقون هذا الشرف؟!
صلاح حميدة
( الدفاع عن المسجد الأقصى شرف، وفي هذه الأمة، من لا يستحق هذا الشرف ) بهذه الكلمات لخّص نائب رئيس الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني كمال الخطيب تقييمه للصمت الاعلامي و الشعبي و الرسمي العربي حيال ما يجري من حصار ومحاولات حثيثة لاقتحام الأقصى، وما يجري من حفريات محمومة تحت المسجد، والمحاولات التي تتم على قدم وساق لبناء الهيكل اليهودي مكانه.
منذ فترة طويلة والشيخ رائد صلاح ومن معه يصرخون - حتى بح صوتهم- أن الأقصى في خطر، وأن الأقصى والقدس يهوّدان، وأن الأقصى يتعرض لهجمة شرسة، ومحاولات محمومة لهدمه، وبناء الهيكل مكانه، و في الكثير من الفترات كانت تحصل هبّات شعبية، وانتفاضات دبلوماسية، وسيل من بيانات الشجب والاستنكار الرسمية والاعلامية رداً على تلك الانتهاكات، ولكن في هذه المرة، لم نر الكثير مما كنّا نراه سابقاً؟ والكثير من المحللين تساءلوا عن ذلك؟ وقال الكثيرون:- صمت الاعلام؟ وصمت الرسميون العرب؟ ولكن لماذا تصمت الأمة والشعوب والجماهير العربية والاسلامية؟ ولماذا لم يتحركوا؟.
هناك من يرى أن العرب والمسلمين وجزء من الفلسطينيين، وصلوا إلى مرحلة من الهوان، لا يمكن من خلالها أن يقوموا بأي فعل لصالح قضية القدس والأقصى، وأنه من العبث الاستنصار بهؤلاء، ولكن هناك من يعتبر أن الكثير من هؤلاء له دوافع أخرى غير الهوان وفقدان الارادة، بل يعتبرهم شركاء في الجريمة، ويدلل أصحاب هذا الرأي على مقولتهم، بمنع هذه الأطراف القوى الشعبية من التحرك لنصرة القدس والأقصى، فقد يتفهم المرء تخاذلهم، وركونهم للراحة وطلب السلامة، ولكن لا يمكن فهم منعهم أي حراك شعبي مناهض لما يجري بحق الأقصى ومن يدافع عنه؟! بل تقوم وسائل الاعلام التابعة لهؤلاء بحرف الأنظار عن ما يجري في القدس والأقصى. وعند متابعة وسائل الاعلام، لا يجد المتابع إلا وسيلتين أو ثلاثة ركّزت على الحدث، وأفردت له مساحة من البث المباشر، واتصلت بالعلماء والسياسيين والمحللين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، وقضية الأمة ومقدساتها.
والمضحك أن بعضهم يبرر قمعه للحراك الشعبي، بانه لا يريد أن يعطي الفرصة لنتنياهو للتملّص من الضغط والمأزق الدبلوماسي الذي يعيشه، وأن أي حراك شعبي مناهض للجريمة والحصار والتدنيس للمسجد الأقصى، ما هو إلا فرصة لنتنياهو للهروب من المأزق؟!.
فهل نتنياهو يعيش في مأزق فعلاً؟
وهل ترك نتنياهو يهدم ويقتحم ويقتل ويدنس ويحاصر المعتصمين في المسجد، ويصادر الأراضي، وترك مستوطنيه يقطعون الأشجار ويدمّرون الممتلكات ويحرقون المزروعات ويبنون المستوطنات على أراضي الفلسطينيين، وعدم الرد عليهم، وعدم الاحتجاج، ومنع الاحتجاج أيضاً، هو عين العقل والصواب؟ وأن الرد على تلك الجرائم - حتى لو كان جماهيرياً- هو طوق النجاة لنتنياهو؟ وأن الحل يكمن بتركه يفعل ما يريد، والاستمرار في استجداء الحل من العالم؟.
نتنياهو لا يعطي للعرب والفلسطينيين أي شيء، هذا متفق عليه، ويأخذ من العرب الاعتراف، والتطبيع والتنسيق الأمني، ويتراكضون لنيل رضاه، وبيعه الغاز بأقل من ثمنه، حتى أن أحد حكام العرب اعتبر أن شاليط جندي نتنياهو، هو جنديّه هو، وأنّ هذا الرئيس العربي لن يعرف النوم حتى يعود شاليط لأمّه، والغريب أيضاً، أن أكثر زعماء الدولة العبرية صداقة لهذا الرئيس، هو الذي قتل أسرى جيش هذا الرئيس خلال الحرب بين الدولتين؟!.
فما دام نتنياهو يأخذ كل شيء يريده من العرب وزيادة، فلماذا يعطيهم أي شيء؟ وهل من يأخذ من الغرب والعرب والأمريكان والمسلمين والفلسطينيين كل ما يريد، ويتبرّع الضحايا بسحب ملف إدانته، وطلب محاكمته للجرائم التي ارتكبها بحقهم من المؤسسات الدولية، هل هذا يعيش في مأزق؟ أم أن العرب والمسلمين والفلسطينيين يتسابقون لإخراجه من المأزق قبل أن يقع فيه؟.
عندما يقرأ الكثير من الناس التاريخ العربي والاسلامي القديم، في عصر سقوط بغداد وسقوط الأندلس، واحتلال القدس، ومن ثم تحريرها على يد صلاح الدين، ومن ثم إعادة احتلالها، نرى العجب العجاب، و كنت أتساءل دائماً عن سبب حالة الضعف والهوان والتواطؤ، والتحالف مع أعداء الأمة ضد القوى الحية فيها في تلك الفترة، حتى لو كان الثمن أن يصطف العربي والمسلم في جيش واحد يقاتل أخيه مع أعداء الأمة، ويقوم بتسليم المقدسات والمدن ومن فيها لقمة سائغة لجزارها؟!.
وكنت أتساءل، هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه مثل تلك التحالفات والمؤآمرات والتواطؤ في زماننا هذا؟ وهل سيبلغ الانحدار والانهيار الديني والأخلاقي والوطني عند بعض الرسميين العرب والمسلمين الحد الذي بلغه في تلك الفترة من الانحطاط؟.
للأسف، ما يجري الآن مشابه لما جرى في تلك العصور المظلمة من التاريخ العربي الاسلامي، وليس مستغرباً ما يجري الآن من البعض، فبعض الناس عندما يفقد البوصلة، ويتجرد من الدين والقومية والأخلاق والانسانية، يمكن أن يفرّط بأي شيء، ومن الطبيعي أن يصبح أداة لأعداء الأمة ينفذ سياساتهم لقاء ثمن بخس، وأحياناً بلا ثمن.
قدر الأمة أن يتسلط هذا النوع من القادة على رقابها في بعض مراحل التاريخ، ولكن لا بد من العلم، أن هذه النوعية من القادة، لوجودهم فائدة مهمة لهذه الأمة، ولنهضتها، فعندما تصل الأمور إلى لحظة الحقيقة، لحظة وضوح الصورة بلا لبس، وبلا تجميل، وعندما يخلع هؤلاء أقنعتهم، وتظهر أفعالهم ومظاهرهم القبيحة، وعندما لا يختفي الجوهر خلف المظهر، ويكون الفرق بين هؤلاء ونقيضهم- ممن يدافعون عن مقدسات الأمة وكرامتها وحيدين في الميدان- كمثل الليل والنهار، وقتها فقط، تكون ساعة النصر قد أزفت، وعندها فقط يظهر من يستحق شرف الدفاع عن هذه الأمة ومقدساتها وكرامتها.