صفر اليونسكو .. وعار الحظيرة

صفر اليونسكو .. وعار الحظيرة!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

سرادق العزاء في هزيمة فاروق حسني ممثل السلطة الفاشية في مصر أقيم ولم ينفض . المعزون من أهل الحظيرة وتوابعها ما زالوا يتدفقون على السرادق في واجب العزاء في المصاب الأليم ألذي ألم بالنظام المستبد ، ولم يلم بمصر العربية المسلمة المضطهدة المنكوبة على يديه .

قال سكان الحظيرة الثقافية إن الفنان خسر بشرف . وهل طعن أحد في شرفه يا أهل الحظيرة ؟ قال أحد السكان الجدد الحظيرة والمسئول عن تجمع العوالم والغوازي وما أشبه : إنه أي الفنان تحول إلى بطل شعبي ! ومن حق المذكور أن يمتدح الفنان بما يراه من أوصاف ، فقد سبق له أن وصف الذين رفضوا ترشيحه لليونسكو بالخونة (!) . وبما إنني واحد من الذين رفضوا ترشح الفنان ، ووقعوا على البيان الذي يدعو إلى عدم انتخابه مديرا لليونسكو فإنني أرفض أن يكون الفنان بطلا شعبيا . هو بطل فاسد في الحكومة البوليسية الفاشية المستبدة . وقال حظائري آخر إنه يمثل مصر . ومصر لا يمثلها المستبدون ولا أعوانهم ممن أفسدوا في الأرض  وأهانوا ثقافة الأمة العربية الإسلامية وسخروا من عقائدها وتشريعاتها ، وسفحوا أموالها تحت أقدام المزورين والفاسدين والانتهازيين والمتحولين فكريا وسياسيا من أجل المال والمناصب والمصالح . وقال حظائري لصيق بالفنان إن الطابور الخامس في مصر ، ويقصد الذين عارضوا ترشيح الفنان للمنصب الدولي – كانوا من وراء هزيمة المرشح الحكومي الفاسد . وقال حظائري مهم إن الفنان رسب في الانتخابات لأنه كان سيمنع اليهود الغزاة القتلة من تهويد القدس ، وهو ما جعلني أقهقه وأنا الحزين الذي يكاد يبكي دما على ما أصاب بلاده من هوان وخيبة ومذلة على يد القتلة اليهود ، وخاصة بعد أن ركع أمامهم صاحب المعالي ، وأعتذر لهم عن كلام تفوه به في مجلس الشعب حول إحراق الكتب اليهودية ، وما تبع ذلك من استعداده لزيارة فلسطين المحتلة بعد نجاحه في اليونسكو ، ودعم الثقافة العبرية ، وترميم الكنس اليهودية ! إن الفنان من أجل المنصب على استعداد أن يبيع القدس والقاهرة أيضا .!

لقد تم ترشيح الفنان دون استشارة الشعب المصري . فقد غاب هذا الشعب وغٌيب بالقوة والإكراه ، ووجد الطغاة فيه لقمة سائغة يأكلونها عند اللزوم ، حيث لا يعارض ولا يرفض  ولا يحتج . إنه خانع أبدا ، مستسلم أبدا ، ترك المجال لمن يتكلمون باسمه وهو لا يدري .

صحف ساو يرس قادت حملة العزاء في سرادق اليونسكو ، واتهمت أميركا والغرب بالعنصرية والحقد على الإسلام والمسلمين والعرب  ، وقالت إنهم أسقطوا الفنان لأنه مسلم وعربي ومصري ، واستعادوا من الأرشيف ما قيل عن نظرية المؤامرة التي كانوا من أول الرافضين لها ، وكانوا أول المروجين لما يسمى تغيير الخطاب الديني أي تغيير الإسلام  - وثوابته في المقدمة -  وحاربوا كل صوت يجهر باسم الله ، وعدوه رجعيا وأصوليا ومعاديا للآخر ، وهاهم الآن ينتقدون الآخر في سرادقهم الذي ما زال منصوبا ومفتوحا على الآخر !

صحيح أن الفنان سمع من القيادة السياسية ما يطمئنه ويؤكد على بقاء الحظيرة : ارم وراء ظهرك . أي لا تهتم بما فعلته أميركا والغرب ، فضلا عن التلويح ببقائه  ليواصل إنجازاته الكبرى (!) ومشروعاته الثقافية التي لا يستطيع سواه أن يقوم بها . ولكن كبار الحظائريين كانوا يندبون حظهم التعيس ، فقد ترقبوا نجاحه في اليونسكو ليخلو لهم مقعده ، وليستمتعوا بمنصبه الذي كان ، ولكن ربك فوق ما يظنون!

لقد تعهد الفنان أنه سيرحل إذا لم يفز بالمنصب ، ولكنه أخل بتعهده للمصريين كما يفترض ، بل إن النظام عنادا ومكايدة للمصريين كالعادة أرجأ التعديل الوزاري وتغييرات المحافظين التي كانت متوقعة بعد إعلان هزيمة الفنان ، وقالت صحف ساويرس ، إن القيادة السياسية رأت أن استمرار حسنى يعد رداً مناسباً في مواجهة الذين أحرجوه داخلياً وخارجياً، كما قيل إن  اتخاذ قرار بتعديل وزاري حالياً قد يعطى إيحاءً بأن النظام هو الذي انهزم في اليونسكو وليس شخص الوزير!

وليت الرد المناسب يتوجه للذين أهانوا النظام في أروقة اليونسكو وعلى مستوى الإعلام الغربي والمحافل السياسية الدولية .. إن أميركا التي يعدها النظام حليفا استراتيجيا له – وليس لمصر بالطبع – كانت أول من وجه معوله إلى الفنان . لقد عينت قبل عشرة أيام من الانتخابات سفيرا جديدا في اليونسكو أعلن عن هويته الصهيونية المتعصبة . لم ينم طوال أسبوع حتى حقق ما أرادته الولايات المتحدة من إنزال صفعة قوية بالحليف الاستراتيجي المصري ، وقامت السيدة أنجيلا ميركل الصليبية المتشددة بإقامة تحالف ضم صربيا والنمسا وبلجيكا وأقنعوا دولا عديدة بالترهيب والترغيب لعدم التصويت لصالح المرشح الممثل للنظام المصري، وفي آخر لحظة استجابت فرنسا بلد الصديق الفرنسي الذي زاره الرئيس مبارك أكثر من خمسين مرة على مدى فترة رئاسته – و شاركتها إيطاليا بلد الصديق بيرلسكوني ؛ وغدرتا بالصديق المصري ،وصوتا ضده مما جعل هزيمته حقيقة واقعة ! ويلاحظ أنهما البلدان اللذان قضي فيهما الفنان زهرة شبابه وسعد بالحياة فيهما وفق هواه المستنير ، وكتب فيهما التقارير الأمنية لإيذاء الطلاب والمبعوثين المصريين الذين رأى أنهم يعارضون النظام المستبد في القاهرة ، وكانت جائزته على ذلك الترفيع إلى درجة وزير ، والترشيح لدرجة مدير اليونسكو !  

بل إن بعض الدول العربية والإسلامية والإفريقية كانت أكثر وفاء لأميركا من النظام المصري مثل لبنان وباكستان ونيجيريا وبنين وتنزانيا وصوتت للمرشحة البلغارية المنافسة  .. ويقال إن دولة قطر الصغيرة ردت الصفعة التي تلقتها من مصر عقب الغزو النازي اليهودي لغزة أوائل العام الحالي بإفشال مؤتمر القمة الذي انعقد في الدوحة ؛ وأقنعت سبع دول مختلفة بعدم التصويت للمرشح المصري ؟

أحاول أن أختم هذه المقالة بما قالته إحدى الصحف التي يهيمن عليها ساويرس تعليقا على الهزيمة في اليونسكو ، حيث قالت إحداها : "غير أن الأسئلة التى تفجرها هذه المعركة أكثر من قدرة فاروق حسنى نفسه على التفسير.. فالرجل حتماً أصابته الصدمة وهو يتفحص عن كثب «الإرهاب الثقافي الأمريكي» ضد الثقافة العربية، لاسيما أن حسنى يمثل المدرسة الليبرالية المصرية، التى تنادى دائماً بالانفتاح على الآخر.. فها هو الآخر يكشف وجهه العنصري الفاضح دون أي مواربة أو تجميل، وكأنه يريد أن يقول لنا ولفاروق حسنى إن العنصرية متجذرة في الثقافة الغربية، وأن الآخر سيظل عدواً للغرب، وأن الصراع سيعيش إلى الأبد" .

والمفارقة أن هذا الكلام يأتي بعد أن تخلى ساويرس عن دعمه للفنان حين اكتشف أن أميركا ضده ، ولا تريده ، فلم يجد الفنان طائرة ساويرس ولا إعلامه ولا دعمه المادي .

أيها السادة فاروق حسني لا يمثل الشعب المصري . ولكنه يمثل النظام !