عباس بين تيه الملوك وأفعال المماليك
عباس بين تيه الملوك وأفعال المماليك
أحمد الفلو /فلسطين
من يراقب أوضاع سلطة الحكم الذاتي المحدود منذ اتفاقيات أوسلو إلى يومنا هذا فإنه لا يلبث أن يتملكه العجب من تصرفات الرئيس المنتهي الصلاحية عباس ومن سلوكيات أزلامه , حيث لم يترك فرصة للثراء والانتفاع من الامتيازات التي صنعها لنفسه إلا وانقض عليها بنهم, ولا يمكننا القول أن عباس وأزلامه يرفعون شعار المفاوضات من أجل المفاوضات فحسب بل يمكننا القول أنه غاص في مستنقع الأوحال وانغمس فيه ولم يعد قادراً حتى على التراجع أو إنقاذ نفسه وأصبح الشعار المطروح هو المفاوضات من أجل الحصول على المزيد من الدولارات كي يسد بها أفواه الأرانب الفتحاوية وقطعان المتفرغين الذين لا عمل لهم سوى التمجيد والتسبيح لأفعاله حتى لو أنه باع الوطن الفلسطيني بكامله دونما كلمة اعتراض من أفواه الأرانب تلك .
ولعل رفض عباس المتواصل لأي مبادرة للمصالحة بين الشعب ممثلاً بحركة حماس وبين السلطة المتخاذلة حتى لو كانت هذه المصالحة على الحدود الدنيا من المصلحة الفلسطينية , نقول أن ذلك الرفض هو من أهم الدلائل التي تشير إلى أن عباس مرتهن للصهاينة دون أدنى شك وهو بموجب هذا الإرتهان فإنه لا يتمكن من اتخاذ قرارات وطنية شجاعة بذلك فهو يريد أن يحتكر تمثيل الفلسطينيين دون أن يسمع أي اعتراض بالمطلق , وفي الوقت ذاته فإنه يهدف إلى إسكات الأصوات الحرة والوطنية المخلصة بحيث يتم فكفكة جميع مقومات القضية الفلسطينية ومن ثم الإجهاز على الحق الفلسطيني .
وربما لا يختلف الوضع في العراق وأفغانستان عن الوضع الفلسطيني من حيث التركيبة السياسية القائمة , وينطبق ذلك على عباس وفياض اللذان فرضتهما الإدارة الأمريكية على شعبنا بحماية القوات الإسرائيلية مع تجاهل القيادة الحقيقية لشعبنا المتمثلة بقيادة اسماعيل هنية , و لهذا الدعم الخارجي الدور الأكبر في تجرؤ أمثال هذه القيادات الزائفة على التلاعب بقضايا شعوبها بصلافة وعنجهية مع التفريط بأساسيات تلك القضايا .
كما أننا لا يمكن أن نغض الطرف عن أعراض فصام (شيزوفرينيا) العظمة وحب الظهور التي تعتري قادة فتح وخاصة الولع الشديد بالظهور الإعلامي أمام الكاميرات إلى جانب رؤساء الدول العظمى أو برفقة القادة الصهاينة مبتسمين أو معانقين لهم أو اعتلاء منصة الأمم المتحدة للخطابة دون أن يتمتعوا بأي صفة شرعية بينما تغص أزقة المخيمات بأشلاء الأطفال والنساء الفلسطينيين, ويبدو أن زهوة الشهرة والظهور لدى هؤلاء متعاظمة إلى حد يفوق أي شعور بالحس الأخلاقي أو حتى الوطني , وهذا يفسر جانباً بسيطاً من استماتة عباس ومجموعته للالتقاء بنتنياهو مع أوباما في واشنطن أخيراً .
وغالباً ما يركز عباس ومجموعته في تلك اللقاءات سواء مع قادة الصهاينة أو مع قادة الدول العظمى على أمرين أولهما قضايا تتعلق بمطالب شخصية بحتة كحصول أقاربهم على إقامات أو تأشيرات دخول لتلك الدول أو الحصول على تصاريح دخول وسفر ومرور عبر المطارات والموانيء الإسرائيلية أو ما شابه ذلك, أما الأمر الآخر فهو العروض المغرية للقادة الصهاينة وقادة الدول الأخرى لتقديم الخدمات الأمنية في مجال مكافحة ما يسمى الإرهاب العالمي وتتضمن تلك العروض فيما تتضمن القضاء على المقاومة الفلسطينية بل وإبادتها باعتبارها في نظرهم إرهاباً محضاً طالما هي تتعارض مع تطلعاتهم في تحويل الضفة وغزة إلى نموذج فيتنام الجنوبية لتكون منطقة مواخير دعارة وقمار يعبث بها الجنود الصهاينة و مما يؤكد هذا الكلام أن افتتاح كازينو أريحا بعد اتفاقات أوسلو كان باكورة إنجازات سلطة أوسلو وتبع ذلك افتتاح مصنع الخمور الفاخرة في رام الله .
ويكفي تلك السلطة ورئيسها عاراً أنها حاولت أكثر من مرة استخدام المنبر الدولي في الأمم المتحدة من أجل التآمر على الشعب الفلسطيني ويشكل صريح عندما قام رياض منصور الرمحي خريج مدرسة نايف حواتمة و مندوب عباس في الأمم المتحدة في تشرين الثاني 2007بطرح مشروعين إلى مجلس الأمن أحدهما بعنوان" التسوية السلمية للقضية الفلسطينية" ويتضمن فيما يتضمنه إدانة لحماس باعتبارها واعتبار كل قوى المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية ميليشيات خارجة عن القانون مما يمهد لتدخل عسكري دولي في قطاع غزة , أما القرار الثاني، فيحمل عنوان "انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين"، وهو يدعو الأمم المتحدة إلى التعبير عن القلق من استمرار القصف الصاروخي على إسرائيل, و عاد منصور هذا مرة أخرى بعد طرح اندونيسيا وقطر لمشروع قرار لفك الحصار عن قطاع غزة ليلقي خطاباً في مجلس الأمن أدهش جميع الحاضرين ليدعو من خلاله إلى تشديد الحصار مما أثار سخرية وضحك مندوبي جميع دول العالم لأنها المرة الأولى التي تشهد فيها الأمم المتحدة مندوباً يطالب بمعاقبة الشعب الذي هو جاء ليمثله .
ومن الطرائف العجيبة أن رياض منصور بعد ذلك اشتبك مع مندوبي سورية واليمن والسودان وليبيا في الأمم المتحدة على إثر ذلك لأنه حتى لم يبلغهم بما طرحه كما جرت العادة قبل طرح أي مشروع قرار وكانت إجابته لهم أنه استشار مندوبي المجموعة الأوروبية بذلك الشأن ليتساءل محرر جريدة السفير 8/11/2007 هل أصبحت فلسطين جزءًا من الاتحاد الأوروبي دون أن نعلم مثلاً!! ثم أصرَّ منصور على عناده مطالبًا الدول العربية المعارضة للقرار أن تصوت ضده إن كان لا يعجبها والمهم في هذا الأمر ليس فقط القيمة الترفيهية للابتذال الذي يُعبِّر عنه هذا الموقف، بل في أنه يجعل السقف السياسي للسلطة الفلسطينية أدنى من السقف السياسي لأنظمةٍ عربيةٍ سقفها السياسي متهافت أصلاً. كما أنه يكرس ارتباط السلطة الفلسطينية بالطرف الأمريكي- الصهيوني على حساب وقبل النظام الرسمي العربي، وهذا مهم بحد ذاته؛ ليس لأن النظام الرسمي العربي هو موضع آمالنا وطموحاتنا مثلاً، بل لأنه يكشف مدى التردي الذي وصلت إليه السلطة، ورغبة الطرف الأمريكي- الصهيوني في تفكيك النظام الرسمي العربي نفسه بعدما استنفد مفعوله وحقق أغراضه .
لا نملك إلا أن نقول بكل مرارة وأسف شعبنا الفلسطيني عظيم وصابر لكن ليس من العدل أن يقود مسيرته مجموعة من المبتذلين واللصوص هم في أحسن حالاتهم ربما مناسبين لإدارة كازينو أريحا أو مصنع خمور رام الله وليس أكثر من ذلك .