حوار الأسد وعقيلته مع نيويورك تايمز
حوار الأسد وعقيلته مع نيويورك تايمز
أمير أوغلو / الدانمارك
تشرت كثير من المواقع والصحف نصا غير كامل لمقابلة أجرتها النيويورك تايمز مع السيد بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية وعقيلته أسماء الأخرس جاء فيه الكثير من النقاط التي تستحق الوقوف عندها لأهميتها الكبرى في توضيح مواقف الرئيس الحقيقية من الأمور التي تتداول بين مختلف فئات الشعب السوري وخاصة المعارضة، والتي يجب ان تقرأ بوضوح من خلال هذه المقابلة.
فقد كثر اللغط قبل وبعد المؤتمر البعثي الأخير واحتار الكتاب والمعارضون في تصنيف نتائجه بين الإيجابي والسلبي وأعتقد هنا أن هذه المقابلة أكثر فائدة في توضيح الأمور من كل ما قيل قبل المؤتمر وأثناءه وبعده، وذلك لعدة أسباب منها أننا اعتدنا أن نأخذ أخبارنا من الإذاعات والصحف الغربية واعتاد مسؤولونا أن يكونوا أكثر صراحة مع هذه المؤسسات، إما لأنهم يخشون أن تكشف ألاعيبهم، وإما لأنهم يعرفون أن الصحفي الأجنبي لا يخشى من طرح الأسئلة المحرجة ولا يمكنهم أن يرسلوه إلى الجحيم فيما لو تطاول على أحدهم أو سأل عن أشياء لايجوز للصحفي العربي أن يسأل عنها (بالمناسبة الصحف الرسمية السورية لم تنشر المقابلة حتى اليوم).
أول الغرائب التي تطالعنا في المقابلة والتي هي للإستهلاك الغربي حتما قول الرئيس: " إنني أستعد لليوم الذي ينتخب السوريون فيه رئيسا غيري بصورة سلمية" والأفضل هنا أن نترك هذا القول بدون أي تعليق وأن ننتظر إن أطال الله في أعمارنا هذا اليوم المشهود الذي يشبه يوم تسلمه الحكم بإجماع شعبي قارب التسعات الأربع المشهورة في العالم العربي بعد التعديل الدستوري الفريد من نوعه في العالم. أجمل ما سمعت من تعليقات على هذا الخبر أنه يقصد يوم انتخاب ابنه حافظ الثاني!
الجملة الثانية في المقال: " أكد الرئيس أن ما يعرف بالحرس القديم خرج من السلطة " هذا الكلام تم نفيه سابقا عشرات المرات من جميع المحللين السياسين والوزراء وكل من تكلم في الإذاعات والمحطات الفضائية من المتحدثين الرسميين وغير الرسميين مثل بثينة شعبان وعماد شعيبي وفاروق الشرع وجميع الصحف السورية، فالجميع كانوا يؤكدون دوما أنه لا يوجد حرس قديم ولا حرس جديد وأن الحكم مستتب وأن السلطات كلها بيد الرئيس بشار. هذا يعني أن كل ما سبق الإشارة إليه كان كذبا محضا أو أن الرئيس يحاول الآن أن يبرر الإخفاقات المتتالية والجمود القاتل في سوريا وعدم اتخاذ أية خطوة صحيحة باتجاه الإصلاح (عدا الكلام طبعا) بوجود حرس قديم أقصي في المؤتمر الأخير وأن الإصلاحات ستنطلق الآن فانتظروا.
التعديلات التي أدخلت على القيادة القطرية يعتبرها الرئيس الأسد إثباتا لسيطرته على كل مقاليد الأمور في سوريا وبابا جديدا سيُفتح لتحقيق كل الإصلاحات المزعومة القادمة . ولكن نظرة متفحصة إلى الوجوه الجديدة وإلى طريقة انتخابها أو بالأحرى تعيينها، لا تبشر بخير أبدا في مستقبل سوريا القريب، فإدخال عتاولة المخابرات السابقين إلى القيادة يعني اتجاها نحو المزيد من الفكر الأمني البغيض الذي أ وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم في سوريا. وطريفة التعيين تدل على أن الديمقراطية والحرية معدومتان من ثقافة الحزب أصلا وأنه حزب ديكتاتوري متسلط حتى بين أبنائه وأعضائه. فنحن والحزبيون الحاضرون والغائبون عن المؤتمر لا نعرف كيف اختير هؤلاء ولا كيف انتخبوا ولا نعرف البدائل المتوفرة ولا نعرف كيف خرج من خرج من القيادة ولا لماذا خرج.
بشار الأسد يعترف أنهم اعتقلوا مايزيد عن ألف وخمسمائة متطرف حاولوا دخول العراق. هذا يدل مرة أخرى على ازدواجية النظام وباطنيته واستعداده لبيع كل شيء مقابل البقاء في السلطة. فكل الذين عادوا من العراق إلى سوريا يؤكدون أنهم غادروا سوريا بإشراف المخابرات السورية وتشجيعها ولما عادوا اعتقلوا وهناك من ظل منهم في السجن وهناك من أطلق سراحه وكلهم تجب عليهم مراجعة المخابرات عدة مرات حسب الطلب.
"بشار الأسد يعتبر وقوف أبيه مع إيران في حربها ضد العراق دليلا على بعد نظر الوالد الراحل" هنا أيضا نجد دليلا على الصبغة الطائفية للنظام وللحكم في سوريا فهو مازال يعتبر إيران ,لأسباب يرفض هو فقط أن يسميها عقائدية، أقرب إليه من كل الدول العربية، وهذا في بلد يقوده حزب شعاره: أمة عربية واحدة...... ذات رسالة خالدة! ولا ندري إن كان من الإصلاحات المرتقبة أن يتغير الشعار ليصبح: أمة فارسية واحدة ...... ذات رسالة خالدة.
"بشار الأسد يقول إنه عارض ويعارض الحرب على العراق من موقف مبدئي ويقول إن سوريا تدفع الآن ثمن هذه المعارضة" نسي السيد بشار دور سوريا عندما كانت في مجلس الأمن وصوتت على القرار 1441 بحق العراق وهو القرار الذي أتاح لأمريكا فيما بعد غزو العراق.
"حول مصافحته لكتساف قال الرئيس إن الله خلق كتساف وكل من خلقه الله تجب تحيته" لا تعليق على هذا الكلام ونتركه للقارئ الذي سيتساءل فيما بعد عن عدد المخلوقات التي يحييها الرئيس كل يوم وعن المعنى السياسي للتحية وعن أشياء أخرى كثيرة كتبنا حولها مقالا عندما تمت المصافحة.
حول اعتقال أعضاء منتدى الأتاسي قال الرئيس:" إن الإخوان المسلمين إرهابيون وأن الولايات المتحدة تعتقل من له علاقة بالقاعدة أيضا ثم قال إنهم قد أطلق سراحهم بعد أن أكدوا أنهم لن يكرروا هذا ثانية"
هنا في الحقيقة نريد أن نسمع رأي أعضاء المنتدى خاصة أن الرئيس لم يشر إلى أنه أغلق المنتدى نهائيا بعد إطلاق سراح أعضائه ولم يشر إلى أن السيد علي العبد الله مازال معتقلا. هل أعضاء المنتدى ينتمون إلى القاعدة؟ أم أنهم إخوان مسلمون؟ هل السيدة سهير الأتاسي مثلا من الأخوات المسلمات؟ هل قراءة رسالة كتبها مرشد الإخوان أيضا تدخل في القانون 49 ؟ ولماذا بقي العبد الله في السجن؟ هل أصر على أنه سيكرر هذه الفعلة الشنعاء، قراءة رسائل الآخرين؟ ثم انظروا إلى هذا التعبير الطفولي "أكدوا أنهم لن يكرروا هذا ثانية" هل هذا تعامل مع سياسيين معارضين من قبل رئيس دولة محترم أم أنه أستاذ حضانة يتعامل مع أطفال لوثوا ثيابهم بالحلويات التي أكلوها دون إذنه؟
حول مشكلة الطائفية في سوريا سأله الصحفي عن رأيه في أن الجراح التي سببها الإضطهاد التاريخي للعلويين قد اندملت قال:" الدليل أنني في الحكم"
الرئيس يعتبر وجوده في الحكم دليلا على انتهاء المشكلة الطائفية في سوريا، يعني أن السوريين يكفرون الآن عن ظلمهم للعلويين على مر العصور والأزمنة بتعيين حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد رئيسا للجمهورية هذا هو المنطق الذي يحاول الرئيس أن يتحفنا به، وكأننا نحن الذين اخترنا ونحن الذين انتخبنا ونحن الذين صوتنا ونحن الذين غيرنا الدستور وفصلناه تفصيلا. لم يقل لنا سيادة الرئيس ما هي المدة الكافية واللازمة للتكفير عن خطايانا وكم ألف سنة يجب أن يبقى هؤلاء في الحكم؟
المؤسف حقا في هذا اللقاء هو موقف السيدة أسماء التي كنا نتأمل منها أنها هي التي ستغير وجهة نظر زوجها عن العنف والبطش وإرهاب المواطنين فإذا بها تلتمس له الأعذار وتقول إن عدد السياسيين المسجونين في سوريا قليل نسبيا بالمقارنة بعدد المساجين السياسيين في أميركا وبريطانيا! وأكدت على أنه أطلق سراح الكثيرين. والكلمة الأخيرة للسيدة الأولى : ياسيدتي لن نتناقش حول العدد هل هو كثير أم قليل فالأمور كما قلت نسبية ولكن هل سمعت خلال حياتك في بريطانيا عن شيء اسمه كرامة المواطن؟ وهل سمعت في بريطانيا عن شيء اسمه التعذيب حتى الموت؟ وهل سمعت في بريطانيا عن مساجين لمدة خمس وعشرين سنة دون تهمة أو محاكمة؟ وهل سمعت في بريطانيا عن قتل المساجين في السجون؟ وهل سمعت في بريطانيا عن الرئيس الذي لا يملك عصا سحرية ولكنه يملك عصا مخابراتية يسلطها على شعبه الذي يحبه والذي انتخبه بنسبة أربع تسعات؟ وهل سمعت في بريطانيا عن شعب الحزب الواحد والرئيس الواحد والعائلة الواحدة والعصابة الواحدة وعن بلد وحضارة وقيم وتراث اختزلت في شخص واحد؟
ختاما لا بد من كلمة إلى الإخوان الحالمين: لقد انتظرتم ثلاثين سنة موت الرئيس ثم انتظرتم خمس سنوات خطوات الإصلاح من الرئيس الجديد، وأنتم تحلمون بأن النظام سيرضى عنكم ويدخلكم في اللعبة السياسية. اليوم يقول لكم الرئيس بالفم المليء أنه لا يعترف بكم ولا يعترف بمن يعترف بكم وبأنكم مجرمون قتلة وأن من يعترف بكم أو يذكر اسمكم هو من المجرمين القتلة يستحق السجن والتعذيب والتغريب فمتى ستفيقون من هذا الحلم المخدر الجميل؟
15 تموز - يوليو 2005