رد على رسالة مفتوحـة

نعم ، الإخوان ديموقراطيون

خالد الأحمـد*

وصلتني رسالة مفتوحة من الأستاذ نورالدين بدران  كتبها في (14 /6 /2005) ونشرها في موقع مرآة سوريا وخلاصتها الشك في أن الإخوان ديموقراطيون ، ويجعل الإخوان مسؤولين عن أحداث العنف في الثمانينات ، ويجعل الإخوان والنظام البعثي كليهما ديكتاتوري ومستبد .

وبداية أشكر للزميل نورالدين قراءة موضوعاتي ، فقد نشرت قبل أيام غير بعيدة موضوعاً عن الإخوان المسلمين والديموقراطية ، كما أشـكر له الاهتمام بقضية الإخوان بشكل عام ، وأشكر له أسلوب الحوار الديموقراطي الذي بدأه معي ، وأتمنى أن يتجذر أسلوب الحوار بين السوريين كي نفهم  بعضنا ، ولايستمر بين السوريين حوار الطرشان الذي استمر عقوداً من الزمن .

وأشكر موقع ( مرآة سوريا ) وأخص الأستاذ ( أيهم ) الذي يهتم بموضوعاتي ، وأسأل الله عزوجل أن ينمـو أسلوب الحوار الديموقراطي الوطني بين السوريين .

وأرجو أن يسمح لي القراء الكرام بالتعبير عن رأيي الخاص ، وأنا أحاول أن أكون باحثاً معاصراً في الحركة الإسلامية بشكل عام ، والسورية بشكل خاص ، ورأيي يعبر عني فقط ، ولا ألزم بـه أحداً ، حتى ولا جماعة الإخوان المسلمين في سوريا .

1 ـ الديموقراطية أصل ثابت وقديم عند جماعة الإخوان المسلمين السورية ، وليست طارئة ، ولم يترك الإخوان السوريون ( العنف ) ليتحولوا منه إلى الديموقراطية ، كما يظن الكثيرون ، لأن الإخوان السوريون لم ينهجوا أسلوب العنف أبداً ، وأرجو أن يميز الباحثون بين الإخوان المسلمين السوريين وبين الطليعة المقاتلة .

وقد جربت أن أطرح هذا الفكرة أمام رجالات الإخوان من الأعمار ( 50 ـ 65) سنة والفكرة أن الإخوان عادوا إلى الديموقراطية ، فاعترض عليّ هؤلاء ، وأكدوا قناعاتهم وهي أن الإخوان لم يسلكوا طريقاً غير الديموقراطية ، وهم بريـئون من طريق العنف الذي اتهمتهم السلطة بـه .

ومن أقوى الأمثلة على ذلك :

اسهم الإخوان السوريون في المجالس النيابية السورية في الخمسينات ، وكان مراقبهم العام الأول الدكتور مصطفى السباعي نائباً لرئيس المجلس ، كما كان رئيساً للجنة وضع الدستور السوري ، وقد اقترح مادة تقول : دين الدولة الإسلام ، فلم يوافق المجلس عليها ، وأبدلها بمادة : دين رئيس الجمهورية الإسلام ، فوافق السباعي يرحمه الله على ماوافق عليه المجلس مع أنه خلاف رأيه ، وقد سمعت بأذني هاتين من بعض العلماء من غير الإخوان المسلمين ينتقدون السباعي على موافقته تلك .

 2 ـ الإخوان المسلمون السوريون لايطالبون بدولة إسلامية تقوم في سوريا ، ولايريدون الانفراد بدولة وحدهم ، وهذه نقطة استراتيجية جداً ، مازال الآخرون لاينتبهون لها ، وقد عرض العقيد صدقي العطار على الأستاذ عصام العطار عام (1962م) قبيل انقلاب البعثيين بأشهر فقط ، عرض عليه أن يقوم مجموعة من الضباط الدمشقيين بانقلاب عسكري ، يسلمون الحكم للإخوان المسلمين ، فرفض الأخ عصام ، وكان رفضه معبراً عن غالبية قرار أهل الحل والعقد في الجماعة ، أكرر الأغلبية وليس الإجماع ، وقال الأستاذ عصام : الحكم الذي تأتي بـه دبابة تأخذه دبابة أخرى ...

 الأخوان المسلمون في سوريا وغيرها يطرحون مبدأ المشاركة في حكم تسهم فيه جميع القوى الوطنية في البلد ، وقد أقر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مبدأ المشاركة في الحكم وليس الاستئثار بالحكم منذ مطلع التسعينات ، ووصى التنظيمات الإخوانية في العالم بهذا المبدأ ، حتى صار استراتيجية مؤكدة لدى تنظيمات الإخوان في العالم .. إذن الإخوان يريدون المشاركة في حكم تقرره صناديق الاقتراع الحـر والنزيـه .

وقد سبق أن طرحت الحركة الإسلامية في الجزائر أميرها الأخ محفوظ النحناح يرحمه الله في انتخابات رئاسة الجمهورية ، في منتصف التسعينات ، ولم يتوضح مبدأ المشـاركة بعد لدى الكثيرين من الإخوان ، لذلك انتقد إخوان المشرق هذا الموقف ، وقالوا : كيف يحكم الأخ محفوظ الجزائر في هذه الظروف الحرجة ، وفي معادلة مستحيلة الحـل . ولما طرحت عليه هذا السؤال يرحمه الله أجاب بثبات واطمئنان قال :   لو نجحت سـوف أحكم الجزائر بالمشـاركـة , وليس بالاستئثار بالسلطة ، سأدعو جميع القوى الوطنية في البلاد كي تشارك معنا في الحكم ، وأضع الجميع أمام هذه المسؤولية ، وعندما يسهم الجميع سنجد حلاً لهذه المعادلة المستحيلة .

والإخوان المسلمون في سوريا منذ بداية الثمانينات شكلوا التحالف الوطني للشعب السوري ، ليكون نواة حكومة ائتلافيـة تحكم سوريا ، يسهم فيها جميع القوى الوطنية ، ولايقصى أحد ، ولايستأثر الإخوان أو غيرهم بالسلطة لأنفسهم ، لأن الإخوان ينظرون إلى الحكم على أنـه غـرم وليس غنمـاً .

 3 ـ أكبر مشكلة تواجه المثقفين السوريين هي عدم الفصل بين جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، والطليعة المقاتلة ، التي نفت عن اسمها مصطلح الإخوان المسلمين فقد كان اسمها : الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين عندما نفذت مذبحـة مدرسـة المدفعيـة التي استنكرها الإخوان في يومها . ثم عدلوا اسم تنظيمهم إلى ( الطليعة المقاتلـة ) عندما آل أمـر الطليعة إلى عدنان عقلـة [ انظر كتاب : الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا لعمر عبد الحكيم ] هذا الكاتب الطليعي الذي يشتم الإخوان المسلمين ، ويهدر دم عدد من قادتهم . يقول كاتبه أنه فرغ منه عام (1987م) .

ونظرة إلى تاريخ سوريا المعاصر نجد النقاط التالية :

 1.    منذ استلام البعثيين للسلطة صاروا يشتمون ويتوعدون الحركة الإسلامية تحت اسم الرجعية ، ومما أكدوه أن القضاء على الرجعية أهم من القضاء على اسرائيل .

2.    بناء على ذلك انفجر الشباب المسلم ( بعضهم من أبناء الإخوان الذين استطاع مروان أن يسحبهم من تنظيم الجماعة ، وأكثرهم من أبناء المسلمين الآخرين ) وتمكن مروان حديد يرحمه الله من تجميع هؤلاء الشباب بعد أن انشق عن الإخوان منذ (1968م) على وجه التقريب ، وبنى منهم الطليعة المقاتلة . وقد كان النظام هو السبب الأول الذي دفع مروان إلى ذلك [ أرجو قراءة مقالاتي : مسجد السلطان ، والسلطة تجبر الشباب على القتال ، وحقيقة ماجرى في سوريا ] تجدها في عدة مواقع منها مركز الشرق العربي ، باب مشاركات .

3.    تدل حادثة تدمير مسجد السلطان على أن السلطة هي التي قلبت منهج مروان حديد يرحمه الله من العمل السياسي إلى العمل العسكري .

4.    تدل أحداث السبعينات على أن السلطة هي التي أجبرت شباب الطليعة على القتال دفاعاً عن أرواحهم ، بعد أن مات من أسـر منهم تحت التعذيب مثل ( عصفور ) و ( زلف ) .

5.    حتى في مجزرة حماة الكبرى (1982م) أجبرت السلطة شباب الطليعة بقيادة الأخ عمر جواد يرحمه الله على القتال ليموتوا في الشوارع بدلاً من الموت تحت ركام العمارات التي صارت السلطة تفجرها على ساكنيها من شباب الطليعة .

 4 ـ نقبل مايقبل بـه الشعب ليس قولاً عاماً أو غائماً أو غير واضح ، بل هذه هي الديموقراطية وهذا هو جوابي على كل سؤال طرحته عليّ ، ولو طرحته على أي أخ مسلم سيجيبك بهذا الجواب ، لأن هذا هو موقف الديموقراطي ، نقبل مايقبل بـه الشعب ، ولو قبل الشعب بقرار يخالف قناعاتنا فإننا نقبلـه وفقاً للقاعدة الديموقراطية الذهبية وهي الخضوع لرأي الأكثرية ... وعلي ّ أن أعمل وفق القنوات التربوية والإعلامية والسياسية كي أجعل قناعة الشعب تتوافق مع قناعاتي ، لذلك الإخوان المسلمون يريدون أن يسمح لهم الآخرون بحرية الكلام مع الشعب ، الكلام الشفوي والتحريري والالكتروني بشتى أنواعه ، وبعد ذلك ، وقبله أيضاً نقبل ما يقبل بـه الشعب ، والذي لايعجبـه هذا الكلام لايفهم الديموقراطية .... وأرجو أن تكونوا واضحين أيها الزملاء الذين تنتقدون الإخوان بهذا الأمـر ... لماذا تخافـون ما يوافق عليه الشـعب !!!؟  أما الإخوان فلايخافون منـه أبداً لأنهم يعرفون شعبهم معرفة جيدة ، كما أنكم تعرفون شعبنا وتعرفون ماذا يريـد ....!!!

 5 ـ الإخوان أعلنوا على لسان مراقبهم العام الأستاذ علي صدر الدين البيانوني أنهم مستعدون لمحاكمة عادلة من جهة محايدة تحاكم ماجرى في سوريا ، ومستعدون لتقبل نتيجة الحكم ، أما أن نضع الجلاد والضحية في مرتبة واحدة فهذا ظلـم لايقبلـه أحـد ، كيف نسـوي الجلاد بالضحيـة ، ونقول لو تمكنت الضحية لكانت جلاداً ، أما نحن فقد عرفنا كم لقي رسول الله r من أهل مكـة ، ثم مكنه الله من رقابهم ، فقال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقـاء .. نحن دعاة إلى الله ، يهمنا بالدرجة الأولى هداية الناس وطاعتهم لله عزوجل ، يهمنا إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، يهمنا إبعاد الناس عن جهنم ، إبعادهم عن جحيم الدنيا ، وجحيم الآخرة  وسبيلنا لذلك : هي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن .

ومن المواقف الراسخة في أذهاننا معشر الإسلاميين ، كيف كانت حالة رسول الله r الذي ذهب إلى الطائف يبحث عمن يحميه ليبلغ رسالة ربـه ، بعد أن يئـس من قومـه في مكة ، فقابله أهل الطائف أسوأ مقابلة ، وأغروا بـه صبيانهم وسفهاءهم حتى رمـوه بالحجارة فأدمت قدماه r ، وبعد أن لجأ إلى حائط ( عتبة ) ، وانصرف عنـه الصبيان ، وفرغ من الذود عن نفسـه ، دعـا ربـه [ ... اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، .... إن لم يكن بك  غضب  عليّ فلا أبالي .... ] فأرسل الله عزوجل إليه ملك الجبال يقول له : هل تريد أن أطبق عليهم الأخشبين ( الجبلين ) على أهل مكة والطائف ، فيقول r : لا ، لاأريد ، عسى أن يبعث الله من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله .  هذا هو موقف الداعية الذي يجب على الأخ المسلم نهجـه والالتزام بـه ... وإنا بـه ملتزمون إن شاء الله تعالى ..

 

           

* كاتب سوري في المنفى