جمهورية الفنتـــازيا

د. محمد سالم سعد الله

جمهورية الفنتـــازيا

د.محمد سالم سعد الله

أستاذ الفلسفة والمنطق والفقه الحضاري / جامعة الموصل

الحمد لله الذي عزّ المؤمنين ، وأذلّ الكافرين ، والصلاة والسلام على من بيّنَ وفسّر ،  وجاهد وكبّر ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فإنّي أقدم مشاركة في إبداء الرأي ، ومحاورة الواقع ، ومناقشة ما يشاع وما يُقال ، حول ما ابتُليَ به بلد الصابرين ، وقبلة الممتحنين ، التي غدت جمهورية للفتنازيا بكل ما تحمله المفردة من دلالة ، فقد شاع الزيف بوصفه حقيقة ، وانتشر الظنّ بوصفه يقيناً ، وساد الرعب بوصفه ترسيخاً للأمن الغائب ، وأصبح الاشتباه بجدي وجدتي من أولويات ( البيت الأبيض ) ، وأركان الساسة الجُدد الذين انتقلوا من مرحلة سبات طويلة ، وصوم سياسي لم يُرجَ له تحقق واقعي ، لولا آلة الاحتلال التي استباحت الأرض والفكر والعرض بلا استئذان .

تثير الأحداث الحاصلة في العراق شجوناً عدة ، وتستبطن دلالات مشاعـة عن الوضع في العراق ، وأحب أن أستهل مقالتي بالقول : إنّ ما يحدث في العراق عصيّ عن الإعلام أولاً ، وبعيد عن الإدراك العام في ميادين الصراع العالمي ثانياً ، ولذلك أسباب عدة سنوجزها ـ على سبيل الإجمال ـ فيما يأتي :

1.التعتيم الإعلامي الرهيب الذي تفرضه قوات الاحتلال .

2.حملة الاغتيالات الواسعة التي تئد اللسان قبل النطق .

3.القنوات الفضائية العراقية التابعة ـ بشكل مطلق ـ للاحتلال التي لا تصور الواقع إلاّ بعينه ، ولا تتكلم إلاّ بلسانه .

4.اختلاط أوراق اللعبة السياسية العراقية ، وعدم الركون إلى أسلوب واحد في مجابهة الأحداث .

5.اكتواء المستوى الشعبي العراقي بنارين : نار الديكتاتورية التي عاش بظلها ، ونار الاحتلال التي أحاطته من كلّ جهة .

6.تعاضد أيادٍ عدة في تأجيج الداخل العراقي ، وضياع مفاهيم خارجه ، وقد أدى هذا إلى ضياع الغاية ، وتخبط الوسيلة .

7.تلون الأجندة السياسية لبعض الأحزاب العراقيـة حسب تداعـي الأحداث وتطورها ، لا حسب المبادىء .

والآن هل أسهمت النقاط السابقة في ولادة العراق المأزوم في ظلّ الاحتلال ، وهل نسجت خيوط المستقبل الذي لا يظهر إلا بلون أحمر تأكيداً أنّ ما سبق يُعد مقدمة وتوطئة للأحداث المتسارعة التي تعصِف ببلاد الرافدين .

 *بدعة تحرير العراق :

إنّ نظرة بنيوية لمدلول الخطاب الأمريكي الذي أشاع بدعة تحرير العراق ، تشير إلى دلالات الإيجاب الحاصلة في كلمة : ( تحرير العراق ) والواقع المعيش يعكس غير ذلك ، لأنّ فعل التحرير لا يتأتى إلاّ من خلال وجود محتل أولاّ ، وانعدام الاعتراف العالمي المطلق بالحكم السياسي القائم ثانياً ، وما كان يمثله صدام بنظامه ـ على كثرة علاته وسلبياته التي لا تعد ولا تحصى ـ حكماً يتسم بالشرعية المحلية والعالمية ، بدليل بقائه على كرسيّ الحكم لعقود ثلاثة ، وهذه الشرعية أعلنت عنها أمريكا نفسها ـ غيّر مرّة ـ في منتديات عالمية قُبيل أحداث الخليج ، وما لقاء رامسفيلد بصدام في بغداد في الربع الأول من العقد الثمانيني إلاّ مثالاً شاخصاً لما ذُكِر .

ثم من طلب من الولايات المتحدة دخول العراق واحتلاله ، هل فعل الشعب العراقي ذلك ، أم كان فعل أقطاب المعارضة ، هل تأتى الفعل من داخل العراق أم من خارجه ، هل انبثق الحدث من آلية شعبية آلت على نفسها تغيير الواقع الداخلي لما يُستقبل من الزمان ؟ .

إنّ تغيراً مفاجئاً كالذي حدث في العراق لن يكون بشكل من الأشكال في خدمة الشعب العراقي بالدرجة الأولى ، بل يصبّ بشكل أساسيّ في خدمة النُخب التي تلهف وراء الحكم السياسي، بعد تغييب طال عقود عدة ، ثم لم يكن لشعب لا زالت جراحه نازفة من : حصار امتد لثلاث عشرة سنة ، وقبل ذلك حرب شعواء قادتها الولايات المتحدة ، استخدمت فيها المسموح وغير المسموح تحت سمع المجتمع العالمي ونظره ، ثم قبل ذلك الحرب العراقية الإيرانية ، التي احتضنت ملايين القتلى والجرحى من الجانبين كلاهما ، حتى أنّك لا تجد بيتاً أو أسرة أو عشيرة ، إلاّ وقائمتها تطول من الشهداء والجرحى ، وما يتبع ذلك من أطفال يتامى ، ونساء أرامل وثكلى .

ثم إن كان الفعل تحررياً ـ كما يُزعم ويُشاع ـ فما آثاره في الساحة العراقية ، أجيب عن ذلك بالقول : إنّ آثاره أدهى وأمر من الواقع البغيض الديكتاتوري ، الذي كنّا نعيشه في عصر الطاغية ، الواقع الحالي واقع دم مستباح ، وأرواح رخيصة ، وأجساد مقطعة ، وسيارات لا تستخدم للتنقل ، قدر استخدامها بوصفها آلة للقتل والتخريب والتفجير ، فضلاً عن بنايات مدمرة ، وخزينة خاوية ، وخطاب سياسي متملق مرة ، ومداهن مرة ، وتابع مرات ، ثم قتل عشوائي للناس الساعين نحو لقمة العيش ، واغتيال منظم للعقل العراقي أساتذة جامعيين ، وأطباء ، وعلماء دين ، ومفكرين ومثقفين مناهضين للاحتلال ومرتزقته ، وساسة وطنيين ) ، ثم خطف ملفت للنظر للأطفال والفتيات ، وهدر يفوق الخيال للثروات المحلية ، ونهب متواصل للإرث التاريخي والأصيل لهذا البلد ، ونشر ثقافة الأوساخ ، على الصعيد الفكري ( إشاعة الفوضى ) ، وعلى الصعيد الواقعي ( إشاعة الفضلات الكونكريتية والأسلاك الشائكة ) .

هذه هي نتائج ما يشاع عن التحرير ، وإذا أردتم أن تستمتعوا بهذه النتائج ما عليكم سوى زيارة العراق ، والإقامة فيه ليومين حسب لتروا ( عظمة فعل التحرير ! ) ، الذي واصل قطع التيار الكهربائي في عصر العلوم والطاقة والتكنولوجيا ، لما يزيد عن عشرين ساعة تقريباً وبشكل يوميّ، ثم التقليل من حصص المياه العذبة في بلاد الروافد العذبة ، وازدياد هائل في قسائم (فواتير) الخدمات اليومية ، ومنع للتجوال الليلي ، حتى أنّ المواطن العراقي قد أيقن أنّ اليوم ليس أربعاً وعشرين ساعة ، إنّما اليوم العراقي في ظل الاحتلال يساوي : اثنتي عشرة ساعة حسب .

هل يمكن القول ـ بعد ذلك ـ أنّ الولايات المتحدة بعزّتها وجبروتها ، بعدّتها وعديدها ، قد ( حررت ) العراق ! ، وبالمناسبة .. لقد كان النظام العراقي قُبيل اجتياح القواتُ الغازيةُ العراقَ، مريضاً ، عاجزاً ، منعزلاً عن العالم ، وكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وكان من الممكن للشعب العراقي إذا تحرك هو بدافع وطني ، وليس بضغط خارجي ، أن يفعل شيئا قد يكون صوابا ، علينـا أن ندرك أن خلع نظام صدام لم يكن كرماناً لسواد عيون العراقيين ، ولم يكن هدفه خدمة الشعب العراقي ـ فأمريكا ليست جمعية خيرية كما نعلم ـ بل كان متعلقاً بمصالح المحتل أولاً وأخيراً ، والأدلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدا ، نذكر منها على سبيل التمثيل ـ لا الحصر ـ : حماية القوات الغازية ( سيئة الصيت ) لوزارة النفط العراقية ، ومنع المتسللين إليها ، وعدم السماح بالعبث بمحتوياتها ، مقابل فسح المجال وفتح الباب على مصراعيه لسرقة ممتلكات الدولة في كلّ الوزارات ، من خلال مجموعة من المرتزقة أو الفوضويين أو أفراد من مخابرات لديهم ثأر تاريخي للعراق ، ثم تدمير خزين الدولة المعرفي والعلمي والثقافي والحضاري ، تحت سمع قوات الاحتلال البربرية ونظرها ، من ذلك : سرقة وتدمير وتخريب كلّ المتاحف الوطنية الأثرية والثقافية .

إني أرى جازماً أنّ الولايات المتحدة لم تأتِ العراق لتحرره من نظام بعينه ، إنما جاءت لتحرر مصالحها ، وتعمل جاهدة على إنقاذ عجز في ميزانيتها بلغ بلايين الدولارات في نهاية العقد التسعيني وبداية الألفية الجديدة ، فضلاً عن توجه استراتيجي يقضي بفرض الهيمنة الغائبة زمناً عن منطقة الذهب الأسود ، ليكون هذا الوضع الجديد مطرقة جاهزة للضرب على أكثر من ميدان ، فالوضع الأمريكي المعاصر في منطقتنا أتاح لها فرصة تضييق الخناق على إيران من جهات أربع : ( أفغانستان ، والخليج العربي ، والعراق ، وتركيا ) ، ثم الفعل نفسه مع سوريا ، لكن من جهات ثلاث ، وجهة مسانـدة للمحتل : ( تركيا ، والعراق ، والخليج العربي ) والجهة المساندة هي الأردن ، ثم هدف إستراتيجي اقتصادي بعيد المدى ، هو : ضرب الوحدة الاقتصادية الأوربية في الصميم ، من خلال التحكم بأنبوب النفط الرئيس المغذي لأوربا العجوز : فرنسا وألمانيا ( اللتان عارضتا بشدة الحرب غير الشرعية على العراق ) .

إذن عملية اجتياح العراق ـ التي سُميت بعملية الصدمة والترويع ـ جاءت لتحرر أمريكا من عجزها الاقتصادي أولاً ، في مقابل هدم الجانب الاقتصادي العراقي ، فضلاً عن منحها موقعا متميزا في قلب العالم ، يسيطر ـ أو يضع اليد ـ على مساحات ساخنة في العالم ، وغنية بالثروات التي يحتاجها هذا الأخير باستمرار ، في مقابل التطاحن على مستوى الأفراد والجماعات ، الساسة والأحزاب في الساحة العراقية ما بعد الاحتلال .

*قيادة العراق الجديد :

لا بدّ من إدراك حقيقة معينة ، مفادها : أنّ المعارضة السياسية لأنظمة الحكم في الدول العربية تختلف جذراً وواقعاً ، سلوكاً وممارسةً ، عن واقع المعارضة السياسية لأنظمة الحكم في الدول المتقدمة ، من حيث اشتغال المعارضة الأولى في خارج دولها ، وتعاونها بشكل مباشر وغير مباشر مع العدو الظاهر أو الباطن لأقطارها ، وفي ذلك تهديد صريح وجلّي للبناء السياسي لتلك الدول ، بمعنى آخر إنّ المعارضة العربية هدفها الأساسي هو : الاستيلاء على كرسي الحكم ، دون النظر إلى الوسيلة التي يأتي بها هذا الكرسي ، ولذلك تضع المعارضة إمكانياتها المعلنة وغير المعلنة بيد الآخر ، لغرض منح الفرصة لها للوصول إلى سدة الحكم .

وهذا الواقع في مشهد المعارضة السياسية العربية يتباين مع المشهد المعارض لأنظمة الحكم في الدول الغربية ، إذ تشتغل هذه الأخيرة أمام الواقع السياسي المعين : مجادلةً ومناقشةً ،  محاورةً ومصححةّ ، مبيّنةً ومفسرةً ، دون اللجوء ـ في الغالب ـ إلى الخارج الذي يمتلك أجندته المحددة في التدخل لنصرة هذا الطرف أو ذاك ، وبمعنى آخر إنّ هذه المعارضة غرضها : تقديم النصح والإرشاد ، وتقييم القرارات ، ومناقشة أوضاع الدولة واحتياجاتها ، ومراقبة قنوات صرف الأموال ، فضلاً عن الحديث بشكل دائم عن طرائق تحسين دخل الفرد ، والقضاء على كلّ المعوقات التي تزعجه أو تقلّل من إنتاجه ، وكلّ هذا يصبّ في الأساس في خدمة الصالح العام للدولة وللأفراد ، وهذه المفردات تفتقر إليها المعارضة العربية ـ بشكل كبير ـ التي صبّت جلّ اهتمامها بالاستيلاء على مقاليد الحكم السياسي ، دون الاهتمام طبعا بالفرد أولاً وآخراً .

   إنّ زعامات العراق الجديد تنقسم على قسمين : قسم وطني يُعرف بمواقفه المعلنة الداعية إلى طرد المحتل ، وتخليص العراق من كلّ القوات الدخيلة والمتطفلة على أرضه ، والنهوض بواقع مستوى المعيشة والارتقاء بالفرد لما فيه تحسين لبنائه النفسي والمعرفي ، ومن الجدير بالذكر أنّ جلّ المنتمين لهذا القسم كانوا في داخل القطر ، وقد عاشوا مآسيه طيلة العقود الماضية ، وقسم آخر آل على نفسه الاشتغال مع المحتل بشكل أو بآخر ، ومجابهة واقع رفض الاحتلال من بعض صنوف الشعب العراقي ، ثم التحدث بلسان المحتل ، ومباركة أفعاله ، حتى وإن كانت على حساب الدّم العراقي ، وثروات أفراده ، والمنتمون إلى هذا القسم لا يرضون خروج المحتل ، ولا يقبلون الحديث عن أي شيء ينتسب إلى الرفض الشعبي لواقع الاحتلال ، ومن المهم ذكر أنّ هذا القسم والمنتمين له ، جاءوا مع الآلة العسكرية الأمريكية ، ودخلوا بحمايتها ، لذلك ارتبط وجودهم بوجودها .

ولهذا فإنّ قيادة العراق ستتجه نحو مستقبل ملؤه الغموض والضبابية ، وذلك لأنّ الاحتلال لا يعرف صديقاً دائماً أبداً ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يتضح أنّ الفرق بين القسمين السابقين هو : فرق أيديولوجي وعميق في التأثير والتفكير والسلوك ، لذا فإنّ فرص عقد التحالفات بين الجانبين يتسم بالفنتازيا ، أما فرص الصراع بينها أو التناحر ، فهي الأقرب للواقع المعيش ، وعليه فإنّ مستقبل العراق لن يكون زاهراً مطلقاً بوجود جنديّ واحد محتلٍ في أرض الرافدين ، وبوجود بعض الساعين وراء إملاء الجيوب الخاوية ، لأنّ فرص الازدهار والتقدم والنهوض والتنوير ـ وكلّ هذه المعاني ـ لا تولد أبداً في بيئة مفتقدة للاستقلال وفارغة من السيادة ، ولا تمتلك أسباب الحرية الحقيقية ، وهي غارقة في ظلّ فساد إداريّ وماليّ وفكريّ كبير جداً ، وعلى القِوى السياسية العراقية جميعاً ، إدراك مسألة واحدة هي : أنّ الاحتلال لن يدوم في ظلّ رفض شعبي متصاعد ، وعنف مستمر يؤجج مضاجع المحتل ، ولأنّ من يبقى آخراً هو : الشعب الذي سيلجأ ـ عاجلاً أم آجلاً ـ إلى الحكم بدقة عن موقف فلان ، وكيف كانت معطيات علان ونحو ذلك.

*المقاومة في العراق :

إنّ الحديث عن المقاومة في العراق يكتسب أبعاداً دلالية عدة ، يمكن تقسيمها على قسمين، الأول : نشأة المقاومة العراقية وطبيعتها ، والثاني : معطيات المقاومة وسلوكياتها .

يحيل القسم الأول إلى حالة صحية ، مكنونة في جميع الشعوب العالمية ، ألا وهي حالة الرفض للدخيل والوافد الأجنبي الذي يبغي التخريب والتدمير والاستغلال ، وسلب الثروات المحلية ، والشعب العراقي ليس بدعاً من هذه الشعوب التي تبغي السيادة والاستقلال والتمتع بثرواتها ، فضلاً عن أنّ حالة المقاومة تمنح الفرد حساً وطنياً ، وبعداً قومياً شمولياً ، بحماية البلد من المتطفلين ، وتخليصه من المرتزقة ، وتنقية أجوائه من العابث المحتل ، لذلك كانت نشأة المقاومة العراقية بعد الاجتياح الأمريكي حالة طبيعية ، ونتيجة مدرَكة للمعادلة الصعبة التي وُضِع العراق في سياقها ، وأتجهت هذه المقاومة في مرحلة ولادتها إلى حلول فردية أو جماعية مبسطة ، ثم ما لبثت أن تطورت في مرحلة فتوتها إلى نسق متناغم منظم ، والآن نجدها في مرحلة شباب لن يهرم على المستوى القريب ـ على الأقل ـ ، وهذه المرحلة أكسبت المقاومة تنظيماً جيداً ، وإيلاماً كبيراً في صفوف المحتل ، ونسقاً تراجيدياً غير مستخدم من قبل في استراتيجيات المقاومة التي قرأنا عنها في التاريخ .

إنّ المقاومة العراقية النقية اليوم ، تمتلك طبيعية قتالية شرسة ، لا تخشى المحتل وآلته العسكرية ، ولا ترضى بتدنيس المقدسات أو العبث بالثروات ، أو توجيه الإهانة لمن امتد جذره لأكثر من ست الآف سنة قبل الميلاد ، وقد منحت هذه الطبيعة المقاومة العراقية تجدداً مستمراً مع ازدياد الضغوط سواء أكانت : عسكرية تدميرية ، أم سياسية منحازة ، أو إعلامية مشوِهة ، وكلما مرت المقاومة بالضغوط السابقة ازدادت إيلاماً في صفوف المحتل ، ومنحت رجالاتها تمسكا بما يؤمنون به ، ويعتقدون أنه الأنجع في طرد المحتل .

أما عن معطياتها : فيمكن القول أنّ المقاومة العراقية النقية المتجه نحو المحتل وحسب ، قد أذهلت صُنّاع القرار السياسي في البيت الأبيض ، ورواد اليورانيوم في البنتاغون ، وجعلتهم يقفون حائرين ـ أحيانا ـ عن محاولة كسر شوكة أعمال المقاومة أو الحدّ منها أ و تقليل عملياتها ، مما دفعهم إلى استخدام أساليب النظام السابق في : العقوبة الجماعية ، أو القصف العنيف للمدن والأحياء السكنية ، وقد أشارت بعض التقارير السرية لوزارة الحرب الأمريكية ، التي سُربت إلى الصحف العالمية منها : ( الواشنطن بوست ، والنيوزيوك ، والإنتبنتنت ) وغيرها ، ذكرت أنّ القوات الأمريكية المحتلة تعيش اليوم في العراق أزمة عسكرية تفوق أزمة فيتنام ، وورطة فعلية تتجاوز ورطة الصومال ، ولا توجد هناك خطط سحرية ناجعة لتقديم الحلول ، وكلّ ما يستطيعه المحتل هو اللجوء إلى القوة العسكرية ، والعقوبة الجماعية التي عيبت على النظام السابق من قبل ، ثم القتل العشوائي ، والاعتقالات التي تطال الأفراد جميعهم على الإطلاق : صغيراً أو كبيراً ، رجلاً أو امرأة ، متعلماً وغير متعلم ، ... الخ .

هذا فضلاً عن أنّ المقاومة العراقية قد طوّرت أساليبها ، وابتعدت عن الفعل التقليدي في مجابهة المحتل ، وفي هذا السياق تحدّث المحللون السياسيون ، والخبراء العسكريون ، تحدثوا عن أنّ المقاومة العراقية تستخدم أساليب حداثية في مجابهة الآلة المتطورة والحديثة جداً للولايات المتحدة ، وبسبب ذلك دخلت توجهات شتى ـ من أطراف عدة ـ لغرض تشويه الفاعلية الكبيرة لهذه المقاومة ، فبدأت بعض الأحزاب ـ بمباركة المحتل ـ بتشويه صورة المقاومة النقية ، من خلال تفجير الأسواق ودور العبادة ، وخطف الشخصيات ، وقتل الأبرياء ، ونحو ذلك من الأفعال الشنيعة والمستنكرة والبغيضة ، فضلاً عن محاولات بعض دول الجوار تأجيج الداخل العراقي بممارسات عدوانية وهمجية وإرهابية تتجه نحو الفرد البسيط ، ولا ننسى دور المخابرات الأجنبية من : موساد و(CIA) وغيرهما ، في زرع الهوة بين طبقة القبول الشعبي للمقاومة ، وبين واقعها المتجه نحو المحتل ومرتزقته تحديداً .

أما فيما يتعلق بمصير المقاومة ، فالإجابة تكتنز بعداً استشرافياً لمستقبل الواقع السياسي في العراق ، وهو ذو شقين الأول : يتعلق بإمكانية خروج قوات الاحتلال بشكل نهائي من العراق ـ وهذا ما استبعده بشكل كلّي ـ ، ويتعلق الثاني : ببقائها في العراق إلى يوم القيامة ـ وهذا ما أرجحه شخصياً ـ ، فإن كان الأول فإنّ مسيرة المقاومة العراقية ستتجه نحو تشكيل جناح سياسي ضاغط ، محاور ومناقش ، مجادل ومخاصم ، تدعمه قوة ضاربة تُستخدم عند الضرورة بوجه من يكيد للبلد وأهله ، أو مَن يمنح العدو مكاسب على حساب الوطن وأمنه ، وفي هذا السياق يمكن أن يكتسِب الفعلُ المقاوِم ورواده هيبـةً تقف أمـام فسـاد الأحزاب ، وقوى السياسة العراقية الجديدة ـ المستشري الآن ـ أولاً ثم المشاركة في صياغة واقع النظام السياسي العراقي الجديد ثانياً ، فضلاً عن ضرورة تنسيق الجهود النقية للتعاون في إحياء ما دمرته الأحداث ، وبناء ما تهاوى في ظل الاحتلال ، وعليه فإنّ مصير المقاومة في هذه المرحلة ستتمثل ببعد سياسي حواري يمتلك أجندة لدخول البرلمان ، والمشاركة في الانتخابات ، والترشح للمقاعد الوزارية ونحو ذلك ، فضلا عن مراقبة سياسة الدولة وتوجهاتها ، وقد تلجأ المقاومة إلى جناحها العسكري إذا ما هُدِد البلد بخطر معين سواء أكان داخلياً من الميليشيات ، أو كان خارجياً من قوى الاحتلال ، أما إذا كان الافتراض الثاني ( بقاء قوات الاحتلال ) ، فإنّ المقاومة ستعمد إلى تطوير أساليبها ، وتنويع وسائلها ، ومواصلة العهد بتحقيق أشد أنواع الإيلام بالمحتل الغاصب ، وزعزعة صفوفه ، وفي هذا الواقع يكون مصير المقاومة مرهوناً بمدى الالتزام بقيم الصبر على مجابهة المحتل ، والأخذ بمعطيات النصر من : امتلاكٍ للأسلحة المتطورة ، وتطعيم الخبرة المحلية بالخبرة العالمية في هذا الميدان ، فضلا عن أنّ المقاومة في هذه المرحلة مطالبة بعقد تحالفات ـ من أجل البقاء ـ مع جهات مقاومة أخرى ، قد تختلف عنها فكراً ، عقيدة وأيديولوجيا ، لكنها تتفق معها سلوكاً وتوجهاً وهدفاً في التصدي للعدوان الخارجي أيّاً كان شكله وطبيعته .

*طوطم الزرقاوي :

إنّ ما يُشاع حول كون الزرقاوي هو رأس المقاومة في العراق ، مسألة تحتاج إلى تأمل كبير ، وينطلق هذا التأمل من قاعدة فكرية مفادها : ( لا براءة في الخطاب السياسي ) ، فعندما تريد أن تسلك نهج الابادة لشعب من الشعوب ، ما عليك إلاّ صناعة ( طوطم ) ، وابتكار ( رمز )  يصطبغ به الخطاب السياسي والإعلامي ، لتمرير واقع التجاوز الأخلاقي والقيمي والإنساني الحاصل في الميدان ، وهذا التوجه يُكسٍب المحتل شرعية في استباحة الدم ، وفتح كلّ القنوات والجبهات والتوجهات والفرضيات ، المتفقة مع التوجه الإنساني ، والمحترمِة لكرامته ، والمقدسة لإنسانيته ، أو الخارجة عن ذلك عرفاً وقانوناً وشرائع ، وعن كلّ ما تعارف عليه الإنسان أو بنى حضارته المعاصرة على أسسها في : الحرية والديمقراطية ، ثم الرأي والرأي الآخر .

ومن الجديـر بالذكـر : أنّ الطوطـم المعاصر ( الزرقاوي ) لا يختلف كثيراً عن طوطوم ( الهولوكوست ) ، ومذابح الأرمن ، وفنتازيا الإرهاب العالمي ، وحقوق الإنسان في دارفور ، وعناية السجناء في ( غوانتنامو ) ونحو ذلك ، فضلا عن أنّنا نجد أنّ طوطم ( الزرقاوي ) هو ابن شرعي لطوطم آخر لا يختلف عنه قصداً وتوجهاً ، وهو : طوطم ( الإرهاب ) ، لذلك فإنّ مسألة حصر المقاومة العراقية بشخصية وهمية ، لا تجد لها وجوداً إلاّ في الخطاب الإعلامي الموجه بدقة وقصدية ، أما على صعيد الساحة العراقية المعاصرة فإنّ العراقيين لا يؤمنون بالخرافات أولاً ، ولا يتقنون صناعة الدّجل السياسي ثانياً ، ولا يحسنون فنّ النفاق الإعلامي ثالثاً ، هم أناس واقعيون يتعاملون مع الواقع كما هو ، ويعيشون في الحياة كما هي ، ويتكيفون مع الوقائع كيفما كانت ،   دون تزويق أو تزييف أو افتعال ـ وما صبرهم على الحصار الاقتصادي إلاّ شاهد على ذلك ، إذ يمكننا القول جازمين أنّ هذا الحصار لو أصاب دولاً عربية أخرى لأعلنت الحِداد من السنة الأولى ، ولأشهرت الرايات البيض ، ولأعطت كلّ التنازلات في سبيل رفع هذا الوباء ـ .

إنّ من يرسم لوحة المقاومة النقية هم العراقيون أنفسهم ، الذين اصطبغت دماؤهم بلون النخيل الأخضر ، ونسجوا أكفانهم من القصب والبردي ، وأهدوا أرواحهم نبيلة ورخيصة لتحملها الطير في سماء العراق الصافية ، ثم ما لبثوا أن عانقوا ترابه بصيحات ملؤها الإعلان عن العبودية لله تعالى أولاً ، ثم الولاء للوطن ثانياً .

إنّ المتابع الجيد لحركة الخطاب السياسي الهجومي الأمريكي ، يدرك أنّ الأخير بحاجة بشكل دائم ومستمر إلى عدو ـ وإن كان وهمياً ـ لتمرير بعض التوجهات ، فبالأمس واجهت الولايات المتحدة الأمريكية عدواً ـ لا يمتلك أسباب بقائه ـ أطلقت عليه ( العدو الأحمر ) ، وبعدما جفت ينابيع هذا العدو ، وتغير لونه إلى الأبيض ـ كناية عن الاستسلام بعد الحرب الباردة ـ احتاجت أمريكا إلى مجابهة أخرى ، تسهم في إعلان قطبيتها ، وتحولها ـ من ثَّم ـ إلى إمبراطورية تمتلك حقّ التدخل في سياسات الشعوب وقراراتها ، ولذلك ظهر العدو الوهمي الجديد ، الذي اكتسب تسمية رمزية لونية أخرى ، وهنا تحولت المجابهة من العدو الأحمر الممثل بالنهج الشيوعي ، إلى العدو الأخضر الممثل بالنهج الإسلامي ، ولذلك سخرت الولايات المتحدة قواها من سلاح عيني مباشر، وسلاح خطابي إعلامي غير مباشر، إلى تجنيد الكلمة والفعل ـ على حدّ سواء ـ في مواجهة فلسفة الحدث اللوني المتمثل بالسلوك الإسلامي: فكراً وعقيدة ، ممارسة ومقاومة.

إنّ العدو المحتل المعاصر لا يريد تكرار مسلسل تفاخر الشعوب بحركاتها المقاومة ، ولا يجنح ثانية لصناعة توجهات محلية تدين العدوان وتتصدى له ، فقد وعى الاحتلال الدرس ، وعمد إلى ثقافة صناعة الشك في الشعوب لتبرير سياساته الهوجاء من خلال تحويل مسار العنف الموجه ضده ، ومن ميزات الشعب العربي رقة القلب وبراءة النية والتصديق بكل ما يقرأ ، والتحدث بكلّ ما يسمع ، لذلك فقد وصلت إليه مسالك التشويه الموجهة ضد المقاومة التي تبغي طرد المحتل ، وتحرير الأرض ، عن طريق الخطاب الإعلامي المؤدلج تارة ، وعن طريق عمليات إرهابية تطال المدنيين باسم المقاومة النقية تارة أخرى ، كلّ هذا سحب التوجه الإعلامي العربي والعالمي إلى الحديث عن المقاومة العراقية بوصفها مقاومةً تشتاق إلى سفك الدماء دون وجه حقّ ، أو كونها جزءاً من يتامى النظام الديكتاتوري أو تبعاً له .

وفي هذا المقام علينا تأكيد حقيقية واحدة تتعلق بأتباع النظام السابق ، الذين قد يُظن بهم أنهم وراء بعض عمليات المقاومة المسلحة في العراق ، نقول : إنّ هذا الزعم يحتاج إلى أدلة دامغة ، لأنّ أتباع النظام السابق قد انقسموا على قسمين بعد سقوط بغداد ، القسم الأول : آثر الهروب من العراق والذهاب إلى المجهول ، وبناء حياة جديدة بعيدة عن الداخل المتأزم والوضع المحتقن ، والقسم الثاني : آل على نفسه البقاء في الداخل والبراءة من أفعال حزبه السابقة كلّها ، ثم عمد إلى قطع لسانه ، والركون إلى بيته ، والتوجه نحو اكتشاف باب جديد للرزق ، وهذه حقيقة مرتبطة بحقيقة أخرى مفادها : أنّ أتباع النظام السابق كانوا ( هم أول المنتفعين ، وآخر المضحين ) ، وبسبب هذا الوصف سقطت بغداد الحبيبة في ساعات محدودة .

ما نريد قوله هو: أنّ ربط المقاومة العراقية النقية بطوطم الزرقاوي ، أو بفنتازيا أتباع النظام السابق ، هو أمر متخيل لا يمتلك حقيقة في الواقع ، وما يحدث في العراق أو في بعض مناطقه ، هو حالة صحية طبيعية رافضة للاحتلال ، وداعمة لكلّ التوجهات التي تهدف إلى طرده ، وتنقية الأجواء من براثنه .

*العنف في العراق :

إذا أردت أن تجابه شخصاً لا تعرف سرّ قوته ، ما عليك إلاّ تشويه صورته ، والجنوح نحو أبادة القيم الموضوعية التي نشأ منها ولأجلها ، فالمقاومة العراقية ذات صنوف وفرق ومجاميع عدة ، تحمل بطاقات شرعية لمجابهة المحتل وطرده ، ونظراً لتعدد تلك المجاميع وانتشارها وكثرتها ، لم يستطع المحتل والموالون له من معرفة سرّ قوتها ، لذا عمدوا إلى القيام بأعمال تخريبية تحمل اسم المقاومة ، غرضها التشويه والتحريف ، وتحويل الأنظار من ممارسات جنود الإحتلال الـ( لا إنسانية ) ، كشاهد سجن ( أبي غريب ) ، وسجن ( بوكا ) ، وسجن ( المطار )  ونحو ذلك ، إلى ممارسات العمليات التخريبية التي تطال المدنيين باسم المقاومة ، والمتابع الفطن لعمليات التفجير والمجازر الحاصلة ضد المدنيين العُزل ، يُدرِك أنّ وراءها جهات عدة هي :

1. قوات الاحتلال بالدرجة الأساسية .

2. الميليشيات التابعة للأحزاب التي دخلت العراق مع الدبابة الأمريكية ، أو الميليشيات التي أعانت المحتل على استباحة العراق .

3. فرق أمنية خاصة تابعة لبعض أجهزة الدولة الجديدة ، وهي مدربة بشكل جيد .

4.المخابرات الأجنبية لبعض الدول المجاورة منها : الكويت وإيران ، والغربية منها : ايطاليا واستراليا وبريطانيا .

5. جهاز الموساد الذي وجد في سقوط بغداد فرصة سانحة لدخول العراق ، والعمل على تخريبه .

ولم تقف المجازر التي تقوم بها الجهات الخمس السابقة عند حدود المدنيين العزل البسطاء وحسب ، بل شملت طرائق عدة هدفها تفتيت البنية التحتية العقلية للمجتمع العراقي ، فبدأت عمليات الاغتيال بشكل واسع وملفت للنظر ، واتخذت طريقين لها هما :

الأول : اغتيال علماء الدين .

الثاني : اغتيال المفكرين والباحثين وأساتذة الجامعات .

إنّ الخطين السابقين يضران بالمقاومة بشكل كبير ، ويقدمان مكاسب مهمة لأهداف المخابرات الأجنبية في وأد العقل العراقي ، وقتل إبداعه ، الذي اعترف به القاصي والداني ، ثم إفراغ الميدان الجامعي الأكاديمي من التخصصات المهمة والنادرة ، وحسبنا الاستئنـاس في هذا المقـام بتصريحات رئيس رابطـة التدريسين الجامعيين الدكتور : ( عصام الراوي ) الذي ذكر في مقابلـة في جريدة ( دار السلام البغدادية العدد 91 /17/ آذار/ 2005 ) : إنّ الهدف من قتل علماء العراق ومفكريه هو إفراغ البلد من الإبداع والفكر ، وأنّ المئات من كودار التخصصين اغتيلوا بطريقة أو بأخرى ، مما دفع كثيرا منهم إلى ترك العراق والهجرة أولاً ، أو ترك الميدان الجامعي ، والتفرغ لأعمال أخرى ثانياً ، فضلا عن إغلاق ( 156 ) قسماً من أقسام الدراسات العليا في الجامعات العراقية ، وعندما سُئِل ( الراوي ) عن الجهة المسؤولة عن هذه الأحداث قال : أنّ وراء هذه الاغتيالات سلطات الاحتلال ، فهي الجهة الأولى المستفيدة من ذلك ، لغرض إضعاف القدرة العلمية والتقنية في هذا البلد ، خدمة لإسرائيل من ناحية ، والسماح لدخول عصابات الجريمة المنظمة من ناحية أخرى .

*النظام السياسي للعراق :

إنّ النظام السياسي الذي يصلح لواقع العراق ومستقبله ، ويكون قريباً من حلّ الأزمات التي يمرّ بها ، ويسعى إلى لملمة صفه ، وجمع شتاته ، والاحتفاظ بثرواته ، واستغلال الإمكانيات المهمة ، والطاقات البشرية في هذا البلد الجريح ، هو : النظام الملكي الدستوري ـ مع أنّي لست من مناصريه ـ ، لان هذا النظام يكتسب سمة الشرعية الكلية من أطياف المشهد السياسي العراقي جميعهم ، فضلا عن أنّه لا يمثل جهة طائفية على حساب جهة أخرى ، فهو خيمة تلف الشعب كلّه، وتحتضن التوجهات كلّها ، ولا ننسى أنّ التوجه الملكي يكسب البلد استقراراً سياسياً ، وأمناّ متواتراً ، حتى وإن تغير الكادر البرلماني أو الوزاري أو نحو ذلك ، ولنا أن نشير إلى أنّ النظام الملكي الذي ندعو إليه ، يجب أن يتمثل النُظم الملكية الناجعة في بعض الدول مثل : النظام الملكي البريطاني أو الإسباني ، وليس كالنظم الملكية العربية القابعة على صدور شعوبها كالنظام الملكي الأردني والسعودي .

*هل هناك حلّ ! :

إذا أردنا إيجاد فرص الحلول الناجعة للواقع المتأزم الذي يعيشه العراق ، علينا التوجه إلى تجارب الشعوب العالمية التي مرت بمشهد يسير مما نمرّ به الآن ، ثم تمحيص نتائجهم التي توصلوا إليها ، وجعلوها ميدان تطبيقيهم العملي .

على الجهات المسؤولة في العراق الجديد إتاحة الفرصة للألسن جميعها ، للتعبير عن مخاوفها وخلجاتها ، وعدم التعاطي مع قضية سياسية على حساب أخرى ، ثم العمل بشكل جاد على وضع جدول زمني لخروج المحتل ، الذي أذاق ويذيق الشعب صنوف الذل والهوان والقتل والأسر غير الإنساني ، ثم حل الميليشيات المتعددة ، وضمّها بشكل وطني ـ لا حزبي مقيت ـ إلى الجيش العراقي الجديد ، الذي من المفترض أن يحمل سمة العراق واسمه ، ويتعهد بحماية الوطن لوحده ـ وليس حماية المحتل ومرتزقته ـ هذا فضلا عن توسيع رقعة الحوار السياسي ، وإشراك فصائل المقاومة العراقية النقية ، التي قدّمت شيئا كثيراً محترماً ، وكبلت المحتل وأعوانه جروحاً لن تندمل إلاّ أن يشاء الله .

وفي الختام : يتعظ العاقل بتجارب غيره ، وينساق الغافل وراء سادته ، وأنّ شعباً كشعب العراق ، لن يرضى لنفسه أبداً أن يكون ( شماعة ) للمحتل ، أو جزءاً ضمن مخططات الآخرين .