ديكتاتورية حكم العسكر
ديكتاتورية حكم العسكر
بين قهر الشعوب وأسباب السقوط !
بقلم : عبد الله خليل شبيب
إن النظم التي تخاف من تجمع أو مظاهرة أو كلمة حرة أو بضعة أشخاص يجتمعون على رأي مخالف . إن دولاً كتلك لاشك أنها حكمت على نفسها " بوجوب الزوال " بأية وسيلة .. ، لأنها تثبت بذلك أنها خارج التاريخ ولا تصلح للبقاء في عالم الإنسان .. ، تلك : [سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا] الأحزاب : 62 ، [وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا] الإسراء / 58 . [وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا] الإسراء / 16 ... [وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون] هود / 117 ، [وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون] القصص / 59 .
وفي الوقت الذي ينشغل أولئك بشعوبهم والكيد لها ، ومحاولة إطالة أمد عهودهم إحكام قبضتهم ـ ولا يكادون يجمعون أو يجتمعون على قضية خير ـ بالرغم من كثرة دواعي الاجتماع وعناصر اللقاء بينهم ـ .. في الوقت نفسه يحرص اليهود ودولتهم على حشد التأييد والأنصار لباطلهم وعلى اختراق صفوف أعدائهم ـ بأية وسيلة ـ وبالرغم من أية ظروف أو مواقف .
فهاهم قد استقدموا رئيس روسيا ووثقوا علاقاتهم معه ضد الإسلام والمسلمين ، ووجدوا أكثر من سبيل للتفاهم والتعاون .
وها هو رئيس تركيا " المسلمة " وذي الخلفية الإسلامية " صلى وزوجته المحجبة في الأقصى " ـ وهو يمثل بلداً إسلامياً عريقاً كان لدهر طويل شوكة في حلوق الغزاة والطامعين ولطالما ردهم على أعقابهم خاسرين .. حتى إذا ما نجحت المؤامرة الصهيو ـ صليبية في إسقاط دولة الخلافة " التي آلت إلى التخلف والشيخوخة أخيراً " ، فانقضت ذئاب الغزو الصليبي والصهيوني تنهش أشلاء العالم الإسلامي الذي أصبح يتيماً بلا دولة تدافع عنه ولا رسالة يتبناها ينقذ بها نفسه والآخرون ، كما حدث من قبل أيام الغزو المغولي والصليبي ..
ها هو ممثل الشعب التركي العريق .. يهرع بزيارة دولة العدو والالتقاء بأكابر مجرميها وإعلان التعاون معهم ، ومن ذلك صفقة تحديث المقاتلات التركية بنحو " 500 مليون دولار" .. والاتفاق على ما يسمى " بمحاربة الإرهاب " ، وغير ذلك من الأمور ...
ولا عجب .. فقد جاء وفوق رأسه عصا العسكر " الحكام الحقيقيين لتركيا .. من فلول يهود الدونمة والماسون والطوائف الضالة والزنماء الكماليين " ؛ والكل يعرف أنه بدون إثبات عداوة التوجه الإسلامي .. لن يثبت أهلية للحكم ولن يدوم ولو اقتضى الأمر إحداث انقلاب ـ كما حصل سابقاً في أكثر من مرة ومن مناسبة ـ !
وباستعراض أوضاع الشعوب ورعاتها من المحيط إلى المحيط ما أكثر ما يصطدم المراقب بما يضحك ويبكي في آن مما أنطق شاعرنا " المتنبي " قبل أكثر من ألف عام بقوله :
وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبـكـا
وإكراماً لشاعرنا الفذ ، وذكرياته المرة مع مصر.. ، نبدأ " بمصر المحروسة " أم العرب ، ومعقل التنوير والعلم والأدب ، لنرى هنالك أعجب العجب ، ! فلطالما تعاقب عليها الفراعنة وتشبثوا بعرشها مدى الحياة .. ولكأن لكرسيها سحراً عجيباً فريداً .. ولسان حال أكثرهم يقول قولة فرعون الأول " أليس لي ملك مصر ؟ " ، ثم يحاول استقطاب التأييد بالترغيب والترهيب " وهذه الأنهار تجري من تحتي " ، وتهوين شأن المعارضة والخصوم [أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين]الزخرف / 52 ، ففي مصر نظام جمهوري ثوري مزمن يكاد يكون وراثياً .. مع أن الرئيس تكرم وأصدر أمراً ل " مجلس الشعب " فأصدروا قانوناً يسمح بتعدد المرشحين ـ وربما بالاقتراع المباشر.. ، ولكنه واثق من الفوز ما دام " حزب الهتيفة والمصالح " يمسك بقبضة الحكم وكل الأجهزة بيد الرئيس وهي موظفة عنده ولخدمته .. ، فكيف يسمح " لنجاح " غيره ولو اقتضى الأمر التزوير والإقصاء ، كما كان يحصل في العهد الناصري ، وكما هو حاصل كذلك في تونس ؟!
وهكذا يفرغ القانون من مضامينه ـ بكل سهولة ـ ويبدو الرئيس والنظام وكأنه فعل كل ما عليه وألقى المسؤولية على كاهل الشعب والأقلية الجريئة !
ويجلس " الرئيس " أمام الكاميرا نحو سبع ساعات يعدد مآثره ويبين سياسته وينسى من ذلك الكثير : كقانون الطوارئ وما يرتكب باسمه وفي ظله ، وإهمال أغلبية الشعب التي يمثلها التيار الإسلامي الذي لا تزال الدولة تحاول تجاهله " كمن يريد تغطية الشمس بكفه أو بالغربال " .. ولعل سيادته نسي أو تناسى " بطولاته الفذة "، حينما كان قائد سرب في القوات الجوية ـ في العهد الناصري ـ وكان ممن أبلى بلاءً بارزاً في قصف " جزيرة أبا " في السودان أيام حكم المهديين هناك !
أما " تطبيقات الديمقراطية " في السجون ومراكز التعذيب والاعتقال .. وتضاعف المديونية وجوانب التخلف والتراجع والفقر والبطالة والجوع والأمراض المزمنة ، التي يعاني منها الشعب المصري الأمرين وتتفاقم يوماً بعد يوم ..، ومسامحة قتلة أبناء مصر ـ منهم ـ " وما حصل في سيناء من قمع جماعي شنيع خير دليل " ... أما ذلك كله وغيره مما هو معروف معلوم للقاصي والداني ، ومما مللنا الحديث عنه لكثرته وشهرته ، فكله من المآثر التي لا تنسى ولا تنكر..، ولكن تم نسيان كل ذلك !
فإذا انتقلنا إلى أقصى المغرب في موريتانيا مثلاً واجهنا نظاماً " رمزاً للتخلف والإذعان وتقبيل أقدام الصهاينة كما يحاول كذلك في ليبيا أو المغرب ، حيث عرف القوم أن " للرضا الأمريكي " بابين لا بد من ولوجهما : " مواجهة التيار الإسلامي وتحجيمه وتشتيته ، ونوال رضى الدولة الصهيونية بالعلاقات معها بأية وسيلة " . هذا إضافة إلى فتح الأبواب على مصاريعها أمام جواسيس : أمريكا ودولة اليهود " وحمايتهم بكل قوة ويقظة وحماسة وحرص ، كما يحصل في بعض دول الاعتراف والتطبيع والجوار ، التي تحاكم كل يوم مجموعة " حرة " كانت تنوي الثأر لضحايانا والاقتصاص من القتلة وحماتهم بطريقة أو بأخرى ؛ ثم يجري تهديد المحكمة العرفية العسكرية لبعض المحامين ، لأنهم قالوا في مرافعاتهم بأن " مقاومة الاحتلال حق مشروع ومقدس !" ، مع أن بعض أولئك المحامين يتمتعون ـ لا بالحصانة القضائية التي يجب أن يتمتع بها كل محام فحسب ـ بل وبالحصانة النيابية أيضاً !
فهذا " الإرهابي شالوم : وزير خارجية المعتدين الصهاينة " يدنس أرض موريتانيا .. ولا يبالي لا هو ولا النظام الموريتاني المتخلف باحتجاج أغلبية الشعب ، وخصوصاً طبقاته الواعية من الطلاب والمثقفين والمتدينين وعامة الشعب المسلم .. على تلك الزيارة المشبوهة وإدانتها بكل المقاييس .. بل ويلجأ النظام لاعتقال كثير من العناصر الوطنية والإسلامية والتنكيل بها " لأجل عيون شالوم .. وإن كانت لا تبصر كثيراً .. وخصوصاً مدى السخط الشعبي الذي تجابه به " ، حيث يهم هؤلاء الصهاينة اختراق " النخب الحاكمة ، والمحكمة قبضتها على رقاب الشعوب المغلوبة على أمرها تحت سياط الجلادين الديمقراطيين ".. ثم يأبى حكام موريتانيا ـ أو بالأحرى حاكمها ـ إلا اللحاق بالركب الصهيوني والغربي والدخول في لعنة السبت ، فيصبح من " أصحاب السبت " ، الذين جعلوه عيداً أسوة باليهود .. [كما لعنا أصحاب السبت] النساء / 47 ، وزاد على ذلك بإلغاء عطلة الجمعة وإبدالها بعطلة الأحد كما كان عليه العمل أيام الاستعمار والمستعمرين !
أما في تونس فالمصيبة أعظم ، حيث يصر الحاكم على تدنيس أرضها بزيارة " الإرهابي الأقذر شارون " في الوقت الذي يرفض فيه الشعب كله ذلك التحدي الوقح والإهانة البالغة لمشاعره ومشاعر الأمة كلها !
ويهدد كثير منهم بحمامات دم إذا حصل ذلك " المحظور" . في نظام من وكلاء الاستخبارات الأمريكية التي تعتبر الإسلام خطراً محظوراً وستر النساء خطيئة ومخالفة وحزبية تستوجب العقاب والحرمان !
وفي بلد آخر من بلاد المواجهة " سوريا " ، حيث تصر طائفة من الأقليات سيطرت على البلاد في ظروف مريبة ونتيجة مؤامرات وصفقات خفية معينة ، وجعلت البلاد مزرعة لها وأمسكت على الوضع بقبضة من حديد وقبضة من دم وعضت عليه بكل نواجذها ، فهي ترفض أن يخرج أمر ما عن طوعها مما أدى إلى عزل معظم الشعب والتنكيل لصفوتهم الرافضة لمثل ذلك العبث الذي سموه حيناً " بعثاً ".
ونال الإسلاميون نصيب " الأسد " من التنكيل باعتبارهم من طلائع المنافحين عن الوطن ضد أعدائه ومستغليه من الداخل والخارج ، وباعتبارهم كذلك أصحاب منهج إصلاحي واضح يتعارض مع الأطماع الشخصية والفئوية والخارجية وأساطينها ، فشنت عليهم الطائفة المسيطرة حرباً لا هوادة فيها ، ونكلت بهم أشد تنكيل وقتلت منهم الآلاف داخل وخارج السجون وبدون محاكمات أو إدانة ، حتى سنت قانوناً بإعدام كا من انتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين ـ ولو لم يفعل شيئاً ـ ! وهرب كثير منهم خارج البلاد فاراً بدينه وعقيدته إلى بلاد الغرب ، وبعد أكثر من عشرين عاماً وبعد ما قيل إنه عهد جديد " لم يغير شيئاً ـ أعلن السماح لمن يريد العودة لبلده ـ وله الأمان ـ فعاد بعض السذج " المصدقين " من أضناهم الحنين للوطن والأهل .. فكان مصيرهم السجون والتعذيب ، الذي أدى لوفاة البعض ..
ـ وتخشى " الطائفة المهلهلة " أن يفلت الأمر من يدها ويقع في أيدي آخرين ربما يكونون الإسلاميين أو من لا يضمرون خيراً لدولة اليهود ـ وباعتبار أن الفئة الطائفية قد احترقت أوراقها ، ولا يؤتمن بقاء الوضع في يدها من أن يتغير ، فلما أحست بقرب التغيير زادت شراسة وتمسكاً .. حتى أنها لم تعد تحتمل تحرك حتى ولو كان تجمع طلابي بسيط بريء في جامعة نائية استجاب لدعوة تلفزيونية سليمة من " عمرو خالد " ، فأنشأ مجموعة من " صناع الحياة " مما أثار حفيظة " صناع الموت والتخلف والطائفية والأحقاد " فقبضوا عليهم وأودعوهم السجون ـ كان الله في عونهم ـ !
وفي بلد " ديمقراطي " آخر مجاور للعدو كالأردن تنتزع من بعض الشهود على قضايا وطنية ـ اعترافات قسرية ـ تحت التعذيب ـ لتفصل الأحكام الرادعة لكل من يفكر في إيذاء " أولاد العمومة أبناء إبراهيم " ثم إذا واصل الشهود أمام القاضي العسكري ظنوا أنهم في أمان فباحوا بالمكنون ، وأكدوا أن الاعترافات المزعومة أخذت منهم بالقوة ووقعوا ـ قسراً ـ على ما لا يعلمون ما هو ـ وبعضهم أمي لا يقرأ ولا يكتب ـ وبصم على ما لا يدري ما هو ! ثم إذا بالقاضي بدلاً من إنصافهم ـ والمدعي العسكري ـ يأمر بمحاكمتهم كشهود زور ، حيث اختلفت شهاداتهم في أقبية المخابرات تحت التعذيب عن إفادتهم أمام القضاء ! وهذا أسلوب جديد سيفتح الباب واسعاً لكل نظم القمع ، ويعلمهم في هذا الباب فناً جديداً لا يسمح لشاهد أن يغير شهادته التي كانت تحت الضغط والإكراه ـ خلافاً لما جرى عليه العرف حتى في أعتى البلاد قمعية ..
هذه إحدى " الطرائف الديمقراطية " ـ وما أكثرها ـ في بلد تقيد فيه الصحافة بنحو " 24 قانوناً " ، وتكاد تكمم الأفواه فالاجتماعات مقيدة ومرصودة وكل شيء تحت " السيطرة الديمقراطية " .
وهكذا يجب أن تدرك النظم المهددة بالزوال " بحجج الإصلاح ونشر الديمقراطية " أن ضمانتها الوحيدة للبقاء والاستمرار ، هو عند شعوبها لا عند أمريكا .. فلتعط شعوبها حرياتها الحقيقية ولتشركها في الحكم والمال والرأي قبل أن يزول عن الجميع كل شيء .. ولات ساعة مندم .. هذا إذا قبلت الشعوب أن تغفر ونسيت المآسي وسامحت الجناة .