هرولة العرب للتطبيع مع إسرائيل
هرولة العرب للتطبيع مع إسرائيل
محمد فاروق الإمام
لا أعتقد أن ما تناقلته وكالات الأنباء من قرب اتفاق أمريكي إسرائيلي بشأن الاستيطان تلتزم بموجبه إسرائيل بتجميد البناء الاستيطاني بشكل مؤقت، مع استخدام كلمة (تأجيل بدل تجميد) مقابل خطوات عربية باتجاه التطبيع.. لا أعتقد أن ما تناقلته هذه الوكالات جاء من فراغ.. بدليل ما صرح به ميغيل أنخل موراتينوس وزير الخارجية الأسباني خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المصري أبو الغيط في القاهرة مؤخراً، حيث دعا الدول العربية إلى (تحسين علاقاتها مع إسرائيل مقابل وقف الاستيطان الإسرائيلي).
الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة أوباما التي عقد عليها العرب الآمال الكبيرة في تغيير البوصلة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل مئة بالمئة نحو قليل من العدل والإنصاف باتجاه القضية الفلسطينية وحل هذه المعضلة التي مضى عليها ما يزيد على ستين عاماً والعرب والعالم يدفع فاتورة حروبها من دمائهم وعرقهم وقوت يومهم واستقرارهم وأمنهم.
عقلاء العرب والواعين لحقيقة ما يجري في كواليس البيت الأبيض لم يستغربوا مواقف الإدارة الأمريكية المتذبذبة.. لأن أي إدارة تتقلب على الحكم في الولايات المتحدة لا تملك رسم السياسات الإستراتيجية التي هي من اختصاص الكونجرس الأمريكي الذي تسيطر عليه حفنة من الصهاينة اليهود الذين عملوا لأكثر من قرن حتى يكون هذا الكونجرس أداة طيعة بأيديهم يحركون بوصلته أنّا وجدوا في ذلك مصلحة لدولتهم الأم (الكيان الصهيوني) حتى ولو كان في ذلك تعارض لمصالح الولايات المتحدة وضرب لها، ومهما كلفها من حروب وانهيارات اقتصادية متلاحقة، والدليل تخبط السياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين لثلاث إدارات متلاحقة (إدارة بوش الأب، وإدارة كلينتون، وإدارة بوش الابن، وإدارة أوباما اليوم).. وكل هذه الإدارات تقر بأن لا استقرار في منطقة الشرق الأوسط، بؤرة الصراع العالمي، إلا بإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، ولكنها مع كل هذا اليقين لا تستطيع فعل أي شيء أمام (فيتو الكونجرس) الذي تسيطر عليه شبكة العنكبوت الصهيونية.
ليس ما يحزنني أنني لن أجد البلسم لعلتي عند أعدائي في واشنطن والغرب وتل أبيب.. بل ما يحزنني هذا الذي نحن فيه من هرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي اغتصب أرضي في رابعة النهار وأمام مرآى ونظر العالم كله لقاء سراب لا ماء فيه ولا حياة!!
تطبيع لقاء تجميد أو وقف الاستيطان على أرضي التي ورثتها عن آبائي وأجدادي.. أي أعطي كل شيء مقابل وقف نزع ملابسي.. كل ملابسي التي يريدني العدو الصهيوني والغرب وأمريكا نزعها طواعية للغاصب الذي احتل أرضي، دون تأفف أو تبرم أو اعتراض.. تسليم بقدر صنعته الهزيمة في أنفسنا وأطفأت دخانه سُرج عقولنا وكبلت أصفاده إرادتنا!!
العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية والغرب يريدون منا أن نسلم بما سلم به (عبد الله الصغير) يوم ودع غرناطة بدموع تستحي النساء سكبها على أرض لم يحسن الرجال الدفاع عنها بعد ثمانية قرون!!