الدائرة تدور وحكام العرب لا يدركون

الدائرة تدور وحكام العرب لا يدركون

                                                         بقلم: د.عصام عدوان

[email protected]

جامعة القدس المفتوحة – فلسطين

لم يأْن الأوان بعد، وربما لن يأت ليدرك حكام العرب أن الأرض تدور والكواكب تدور والإلكترون يدور والنيترون يدور والحياة الطبيعية على الأرض تسير في دورات متكاملة، فمن دورة الماء إلى دورة المادة إلى دورة الغازات، وغير ذلك، وكذلك حال الحضارات والدول فهي في دوران مستمر لم ولن يتوقف حتى قيام الساعة، ولو كانت الدنيا باقية لأحد لبقيت لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولو بقي حكم لأحد لبقي لأبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب، ولو بقي حكم وراثي لبقي لبني أمية، أو بقي لخلفاء الدولة العباسية، ولو بقي حكم جبري دكتاتوري لأحد لبقي لجمال عبد الناصر.

لقد قضت سنّة الله أنه ما من شيء باقي إلا وجه الله؛ الذي يغيّر ولا يتغير؛ القائل سبحانه: "كل يوم هو في شأن" [الرحمن 29]، وقد فهمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بأنه كل يوم يرفع أقواماً ويخفض آخرين.

إن من يتدبّر التاريخ يدرك أنه لا يقف عند نقطة معينة، وأنه حتماً متغير في دورات متداولة، فمن هو بالأمس في أعلى الدائرة أصبح اليوم في أسفلها، ومن هو اليوم في أسفلها سيصبح غداً في أعلها، وهكذا دواليك، بلا توقف حتى قيام الساعة.

لكن هذه البديهيات قد غفل عنها حكام العرب اليوم وظنوا كما ظنّ من سبقهم من الطواغيت أن الأرض خالدة لهم أو لأبنائهم، ولم يرغبوا أن يعتبروا من التاريخ، بل ظنوا أن التاريخ ألعوبة بأيديهم يصَرِّفونها كيفما شاءوا، وما ذلك إلا الغرور الذي يقتل صاحبه، وفي الوقت الذي فيه يتكلمون ويحكمون، تفعل سنن الله وسنن التاريخ فعلها وتتحرك عجلة التاريخ بهؤلاء الحكام وهم لا يستشعرون، فتميل بهم رويداً رويداً، حتى إذا مالت بهم بزاوية 90 درجة لم يعودوا يسيطرون على توازنهم، فتتسارع حركة الدوران لتختصر ال 90 درجة التالية في أقل من عُشْر المدة السابقة، فلا ينتبهون إلا كانتباهة فرعون حين أدركه الغرق، فأدرك حينها أنه مهزوم فقال: "آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" [ يونس 90]، فلم ينفعه ذلك حيث لا ينفع الندم في لحظات الهزيمة الساحقة حيث أجابه الله رب العالمين: "آلآن وقد عصيتَ قبلُ وكنتَ من المفسدين" [يونس 91]، وهذا بالضبط ما يحصل اليوم –كما حصل دائماً من قبل- مع حكام العرب.

إن ما يجري اليوم في مصر مؤشر واضح على أن حكام مصر لا يدركون سنن التغيير، ويظنون أن التاريخ متوقف عند عام 1954م عندما حظر عبد الناصر جماعة الإخوان المسلمين، التي أوصلته إلى الحكم، ومنذ ذلك التاريخ وقطاع عريض من الشعب المصري وقدراته الفذّة معطَّل ومحظور عليهم أن يكونوا بشراً إلا إن أرادوا أن يسبِّحوا بحمد النظام كما فعل الحزب الوطني الحاكم. وقد تحمّل الإخوان ما لم تتحمله جماعة أو حزب بمثل حجمهم وقوتهم في العالم بأسْره، ورفضوا أن يكون التغيير وتداول السلطة وفق أسلوب الانقلابات؛ فلم يُشهروا سلاحاً، ولا يداً، وفعلوا فعلهم السلمي في المجتمع المصري متحَدين كل العراقيل وقوانين الطوارئ إلى أن جاء اليوم الذي يتزحزح فيه النظام الحاكم 90 درجة عكس عقارب الساعة، فحرّكوا الشارع وشكّلوا حركة (كفاية)، وخاضوا بكل جرأة مظاهرات عارمة في شوارع مصر، وهتفوا بملء الفيه: "لا لمبارك".لكن النظام المصري الذي ظن –كعادة الحكام الذين لا يدركون سنن الله – أن الحكم مستتب له، وما عليه إلا أن يلعب نفس اللعبة السابقة، من اعتقال رجالات الحركة، وتلفيق الاتهامات لهم، والتشديد على حظْرهم، وملاحقتهم في مصدر رزقهم، وأمنهم ليشْغَلهم بأنفسهم عن نفسه. لكن رياح التغيير قد دخلت مصر ودبّت في أوصالها ولم يعد بالإمكان العودة لما كان.

لقد مضت خمسون عاماً على حظر وكبت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وإذ بالنظام الحاكم يتزحزح عن موقعه ويميل 90 درجة ويختلّ توازنه، ومن الواضح أنه سينجح في تأخير سقوطه لفترة وجيزة، لكنه حتماً سيسقط، وأعتقد أنه سيسقط في غضون خمس أو ست سنوات قادمة، هي عُشر المدة السابقة، ولعلها هي فترة الرئاسة القادمة، حيث تتسارع عجلة الدوران في ال 90 درجة المتبقية لإتمام سقوطه، كما أسلفنا.

إن ما حصل في مصر، حصل بأشكال ودرجات متفاوتة في العديد من البلدان العربية، كالوجود السوري في لبنان، وتقدم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين في انتخابات البلدية ومن المتوقع في التشريعية أيضاً. وكذلك الحال في بلدان أخرى. وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل، بأن الكل يتغير ويتبدل. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [يوسف 21].