فزورات ما قبل رمضان
إعداد عبد المهدي والمكصوصي
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
في الوقت الذي كانت أقلامنا تستعد بقوة لتقديم التهاني بمناسبة شهر رمضان الكريم تهاوت من أيدينا بنفس قوة الإنفجارات التي هزت بغداد صبيحة يوم 19/8/2009 فقد جاءت هذه العمليات الإرهابية لتعصف بكل الإدعاءات الرسمية حول تحسن الاوضاع الأمنية التي أطلقتها زمرة الشر الحاكمة إبتداءا من رئيس الجمهورية مرورا بالمالكي ووزرائه و إنتهاءا بقاسم عطا المكصوصي المسئول الأمني المباشر عن هذه العمليات الأرهابية التي نجم عنها أكثر من (600) شهيد وجريح والعدد مرشح للزيادة ليصل إلى ألف عراقي بريء. قلنا وقال غيرنا إن ثرثرة الحكومة العراقية بشأن تحسن الوضع الأمني هي جعجعة فارغة الغرض منها إعلامي لتحسين الصورة القبيحة للحكومة في الأوساط العربية والدولية، وليس بالطبع العراقية لأن العراقيين يعيشون المأساة كل دقيقة تمر من حياتهم التعيسة، إضافة إلى الضغط على الحكومات الأجنبية والعربية لغرض إعادة العراقيين في الخارج لتصفية ملفاتهم بأفضل طرق الإبادة البشرية.
أن هذه العمليات الجبانة إستهدفت الأبرياء من الشعب العراقي وليس ثوار المنطقة الخضراء كما يسميهم رمز العمالة وفيق السامرائي. نهر من الدماء لا يجف ويوم بعد آخر يرتفع مستواه كلما غيمت سماء امريكا و إيران والكويت والكيان الصهيوني ليمطر حقدهم على أرض العراق, ذئاب مفترسة تسيرها شهوة القتل ويفتنها منظر الدماء، لا تدرك بأنه سيأتي اليوم الذي ينقلب فيه السحر على الساحر وستفتح كل الملفات التي أغلقتها أو أتلفتها حكومة المالكي وسلفها، لأن النسخة الأصلية من هذه الملفات في عقول وضمائر الشعب العراقي, والشعب العراقي لا ينسى من وقف معه في الشدائد ولا ينسى أيضا من سبب بلواه, ويحتفظ بردة الفعل المناسبة للوقت المناسب بعد أن يجمدها لحينها دون أن تفقد صلاحيتها!
لم تمر على الحدث الإرهابي سوى سويعات قليلة حتى تفاجئنا بخروج تصريحين مثل خروج ريح البطن ازكمتنا جيفتها وكأن من الجيف في العراق ما لايكفي ليزيدوها علينا, التصريح الأول من النكرة قاسم عطا المكصوصي هيض الله جناحي ذله، وهو المسئول كما يفترض عن أمن العاصمة بغداد فقد كشف الفطحل الجهبذ بطريقة عبقرية فاقت إستنباطات المغفور له شرلوك هولمز عن الجهات التي تقف وراء العمليات الإرهابية بقوله" ان قيادة عمليات بغداد تحمل التحالف البعثي التكفيري مسؤولية تنفيذ العمليات الإرهابية بهدف التأثير على الوضع الأمني والنجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية" بربكم هل سمعم بمثل هذه الأستنباطات المهولة؟ ما المقصود ب(التحالفات البعثية التكفيرية) وكيف يتم مزج هذا التحالف المتباين في طروحات وتوجهات مكوناته؟ وأية جهة من هذا التحالف العريض تتحمل المسئولية حسب إدعاء المكصوصي؟
عندما يتهم مسئول أمني جهة ما وراء الفجيرات! أليس من الأجدر ان يقدم الدلائل والمستمسكات الجرمية ليكون كلامه موزون ويقنع السامعين, وهل يمكن فعلا إستكشاف المجرمين بمثل تلك السرعة التي توازي سرعة الضوء؟ لحد هذه الساعة لم تكشف لنا السلطات الأمنية الجهة التي تقف وراء تفجيرات العتبات المقدسة في سامراء - من وجهة النظر الرسمية- لأن العراقيين يدركون الجهة الصفراء التي ورائها, وكذلك الأمر بشأن إختطاف رئيس وأعضاء اللجنة الأولمبية ودائرة البعثات وآلاف الجرائم الأخرى رغم مرور سنوات عليها, فكيف تمكن جهابذة قيادة عمليات بغداد من كشف المجرمين بلك السرعة الفائقة؟ اليس من الأفضل التريث قليلا قبل إطلاق التصريحات الجوفاء على عواهنها، طالما أن التحقيقات أصلا لم تبدأ بعد بسبب إنشغال الجميع في إسعاف الجرحى وإنقاذ الضحايا تحت الإنقاض! الأغرب من هذا كله ان يصدر إعماما بأن توكل مهمة التصريح بقاسم عطا فقط في حين أن هذا الببغاء وميليشيا قيادة عمليات بغداد هم المتهمون الرئيسيون بهذه العملية الإرهابية حسب مسئوليتهم في حفظ أمن بغداد!
أن التصريح الذي أطلقه الميليشياوي المكصوصي يذكرنا بالقول" تمخض الجبل فولد فأرا" فأفضل طريقة لأبعاد التهمة عن نفسك هو أن تلصقها بغيرك وتتنصل من مسئوليتك عنها, ان هذه الجريمة أثبت ان ميليشيا قيادة عمليات بغداد وقائدها الهمام جديرا بأن يركنا في أقرب مياه صحية وإنزال السيفون عليهما ليتجانسا مع جنسهم والجو الملائم لهم. أما موضوع النجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية كما يدعي المكصوصي فأن هذه الحادث الإرهابي أكبر دليل عليها! لذا نهيب بكافة العملاء أن يخرسوا لاحقا ولا يتحدثوا عن ميتافيزيقيا تحسن الأوضاع الأمنية لأنه " إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
التصريح الأغرب من هذا هو ما جاء على لسان صاحب جنجلوتية مصرف الزوية نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي, وهذا الرجل الذي أختفى منذ مأساة المصرف وينتظر الجميع إستقالته بفارغ الصبر كأقل مطلب يداري به فضيحته النكراء، بعد أن إعترف المالكي بأنه رفض تسليم الجناة الى الجهات الأمنية فهربوا إلى جارة السوء إيران بإعبارها الحاضنة الرئيسية للإرهاب والمسئولة عن توجيه إنشطتهم الأجرامية في العراق.
لا أعرف فيما إذا كان عبد المهدي تصور نفسه معدا لبرنامج( فزورات رمضانية) ونحن على أبواب الشهر الكريم ليخرج لنا بتلك الإطروحة الفنطازية, أو إنه في سباق طفر الموانع مع المكصوصي للظهور على الشاشات, ورغم ان الفوز في السباق كان للمكصوصي الذي تجاوز كل الموانع الأخلاقية والوطنية بكفاءة عالية، فأن عادل بد المهدي جاء في المرتبة الثانية. بطل الزويه عبد المهدي- مع الإعتذار من الرياضي الرائع قاسم زويه- لم يأت بشيء جديد فقد أعاد تشغيل نفس الإسطوانة المشروخة التي أثقل المكصوصي إسماعنا بها" الجهة التي تقف وراء تفجيرات اليوم هي تنظيم القاعدة وأيتام النظام السابق فهم وراء التفجيرات الدموية التي ضربت العاصمة بغداد"! عجبا أية منهما تقصد بالضبط؟ انك تتهم عدة جهات متباينة في تنظيماتها وتوجهاتها وأيضا بلا دلائل ملموسة، إن توزيع التهم على الآخرين بدون أدلة إنما هي وسيلة الفاشلين لتشويه الصورة وقلب الحقائق ، وتدخل في خانة الهلوسات.
قبل هذا وغيره كيف يا ترى تمكن عبد المهدي من إكتشاف الجهة المنفذة إذا افترضنا أنه لم يستعر تصريح المكصوصي( لم نقل يسرق التصريح لأن البعض قد يفسرها بحسن نية بأننا نحاول أن ننوه عن دوره بسرقة الزوية)؟ ولماذا في هذه الجريمة فقط إنبرى عبد المهدي ليتحدث لنا عن الجهة المنفذة للعملية وتجاهل الآلاف من الجرائم التي سبقتها؟ وهل من مسئولية نائب رئيس الجمهورية أن يكشف السرقات والجهة التي تقف ورائها؟ أو يتحول لناطق بأسم ميليشيا قيادة عمليات بغداد؟ إذن لماذا لا تلغى وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني والأجهزة الأمنية ليحل عبد المهدي محلها طالما فقس العراق الجديد شرلوك هولمز جديد؟ وأن كان ذلك من صميم واجباته أليس من الأجدر به أن يحدثنا قليلا عن تفاصيل جريمة الزوية ويبرر تستره على الجناة ومساعدتهم للعودة إلى أحضان الجهة التي دربتهم ووجهتهم؟
ولنأتي إلى نقاط أخرى تثير الحيرة حقا! وهي كيف تفتحت عبقريات عبد المهدي ليتمكن من إكتشاف أو إختراع الجهة المنفذة بتلك الثقة والدقة والسرعة؟ هناك عدة تفسيرات بلا شك! أولهما: إن عبد المهدي يعرف الجهة الإرهابية فعلا ويحاول أن يداريها ويتستر عنها برمي الجريمة في شباك آخر لتحويل الإنظار عن المجرمين الحقيقيين! ومما يسهل تقبل هذا الرأي هو تسرع عبد المهدي في إطلاق تصريح لا يدخل ضمن تخصصه, وإنفراده من بين أقرانه المسئولين في الحديث عن العملية الإرهابية. كما ان محاولة إسدال الستار عن جريمة مصرف الزوية بجريمة أكبر منها تكشف ملامح اللاعب الرئيسي على المسرح. ولماذا يا ترى إنتهك عبد المهدي التوجيهات الحكومية التي حصرت التصريحات بالمكصوصي ومن المفنرض أن يكون أول من يلتزم بها؟
التفسير الثاني: هو أن عادل عبد المهدي" أراد أن يكحلها فأعماها" حيث أراد الخروج من مطب الزوية فوقع في مطبات أشد منه وعورة, فربما فكر في (New Look) عسى ان يشفع له ظهوره الجديد في جرف وإزاحة شوائب مصرف الزوية العالقة به, فيعيد لنفسه جزء من الهيبة المفقودة سيما أن الإنتخابات على قرب, وهو يدرك أن ورقته أحرقت بالكامل بسبب تلك الجريمة. التفسير الثالث: أن عبد المهدي إستعان بالسحر الأحمر أو بزايرجات السيد الطوخي سيما أنه من المؤمنين بهذه الخزعبلات فكشف له مارد الجن عن الجهة المنفذة فوافانا بها على الفورغير مأجور.
الإرهاب كما هو معروف ليس له هوية أو قومية أو جنسية أو دين أومذهب، أنه بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وضحاياه من جميع القوميات والأديان والمذاهب. لذلك فأن محاولة عبد المهدي بعزو الهدف من وراء العملية الإرهابية هو إعادة " البلاد إلى مربع الإقتتال الطائفي" أمريدعو إلى العجب العجاب, فالمقولة تصح لو كان العملية الإرهابية قد إستهدفت لا سامح الله حسينيات أو عتبات مقدسة للسنة أو الشيعة, أما أن تستهدف منشئات مدنية فيها المسلم والمسيحي والأيزيدي والصابئي، والعربي والكردي والتركماني والأشوري والكلداني والأرمني وغيرهم فأن الأمر يخرج عن نطاق الإحتراب الطائفي أو العنصري، اللهم إلا إذا كان في تصريح عبد المهدي شرارة لخلق فتنة طائفية جديدة، وهو أمرغير مستبعد لمن تتلمذ على أيدي عمائم الشر.
"إن كنت لا تستحي فإفعل ما تشاء" ونذيله بإضافة (وقل ما تشاء) من هذا المنطلق جاء قول عبد المهدي" إستعداد أبناء الشعب للتضحية من أجل حماية ما تحقق من إنجازات سياسية وأمنية وإجتماعية"! لا نريد أن نناقش الإنجازات السياسية والأجتماعية فنحن أدرى بشعاب مكة من غيرنا, ولكن أية صلافة تلك التي تجعل عبد المهدي يتحدث عن الإنجازات الأمنية وهو يشير في نفس التصريح لأكبر خرق أمني نجم عنه مئات الشهداء والجرحى إضافة الى الخسائر المادية؟
أما الفزورة الرمضانية الأخيرة فهي مطالبة عبد المهدي بتظافر كل الجهود الممكنة" لملاحقة ومطارة ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم البشعة"!!!
عجبا أمرك! تنصحون الناس وتنسون أنفسكم. لماذا لم تتظافر جهودك يا نائب الرئيس مع جهود الحكومة لملاحقة ومطاردة ومحاكمة حراس حمايتك الإرهابيين الذين اقترفوا جريمة مصرف الزوية؟ ولم آثرت عدم تسليمهم بل إخفائهم و تهريبهم الى جهة معلومة؟ أنت ونحن والعراقيين أجمعين يعرفونها جيدا.
فهل أعزائي القراء برأيكم كحلها عادل عبد المهدي أم أعماها؟ تلك هي الفزورة.