مظاهر نصر الفلسطينيين ضد الصهاينة
معمر حبار
مقدمة الشاهد على الانتصار: طيلة 51 يوما من الإبادة المنظمة، التي تعرّض لها الفلسطينيون، جرّاء القصف الصهيوني لكل ماهو حجر وبشر، ورغم إفتقار الفلسطيني للوسيلة المكافئة لرد العدوان، إلا أنه بقي الصامد في وجه آلة نارية وحشية، دون ركوع ولا خضوع، وأبهر العدو في طرق المواجهة التي باغتته ونشرت في صفوفه الرعب والفزع.
إذن ماهي مظاهر الانتصار لدى الفلسطيني. هذه الورقة، تجيب على التساؤل، لمن أراد أن يتابع ويضيف، وهي..
عدم الضجر والتأفف: لم أسمع طيلة متابعاتي اليومية للفضائيات الفلسطينية والعربية والعالمية، المؤيدة منها والمعارضة للفلسطينيين، من يتأفّف ويتهم الفلسطينيين، أنهم السبب في الدمار والإبادة، التي أحدثها الصهاينة، أو يثور على قادته، ويطلب منها الاستسلام، والرجوع، بل بالعكس لاتسمع ولا ترى غير الثبات والصبر، والحثّ على المواصلة، من مختلف وسائل الإعلام.
الجيش المقهور: إنهيار نظرية الجيش الذي لايقهر، فتحول إلى جيش .. ينسحب، ويطلب وقف إطلاق النار، ويرجو الهدنة، وتهاجم ثكناته، ويأسر جنوده، ويقصفون، وترمى دباباته، ويهرب جنوده من المعركة.
كذب الصهاينة بشأن الصواريخ والأنفاق: الصهاينة قالوا، دمرنا منصات إطلاق الصواريخ والأنفاق، إا بالصواريخ تزور المغتصبات وتطرد منها مغتصبيها، والأنفاق بقيت على حالها لم يصبها سوء.
عدم المكوث فوق الأرض: لأن الحروب تكسب بمكوث الجندي فوق أرض المعركة، وهذا لم يحدث مع الفلسطينيين، بل الجندي الصهيوني انسحب وطلب الهدنة ووقف إطلاق النار.
الطائرة لاتحسم المعركة: لم يستطع الصهاينة حسم المعركة، رغم تفوقهم الواضح في الجو والبحر. مايدل أن الطائرة لوحدها، والبارجة بمفردها، لايمكنهما حسم المعركة لوحدهما.
الإنتصارإعلاميا: أصبحت الفضائيات الفلسطينية مرجعا موثوقا به فيما يخص المعلومة والصور. فلم يستطع أحد أن يتهمها بالكذب والتلفيق والتضخيم. ورغم الدمار الهائل الذي لحق بالمؤسسات، والتشويش الكبير الذي تتعرّض له باستمرار، إلا أنها بقيت تبث بشكل عادي، وبطريقة أفضل وأحسن من فضائيات عربية لم تعرف إلا الرغد من العيش والسلام والأمن طيلة حياتها.
فرض توازن الرعب: كان الصهيوني لوحده يفرض الرعب في المنطقة دون أن يصده أحد، والآن أصبح الفلسطيني يفرض توازن الرعب، ويقيم له الصهاينة ألف حساب، فلا يغامرون بدباباتهم وبوارجهم، ولا يتقدمون بجنودهم. ضف لها رعب أسر الجنود ، وقنصهم، وضرب العمق الصهيوني، الذي جعل الصهاينة ينزحون في الداخل والخارج .
سمو الجندي الفلسطيني: الجندي الفلسطيني، لايقتل الأطفال، ولايمسّ الشيوخ، ولا يعتدي على النساء، بل هدفه هو أسر الجندي الصهيوني إن استطاع، وقنصه إن لم يستطع أسره، وضرب المنشآت العسكرية، وسلب السلاح من الجندي المقتول إن استطاع، والمأسور كذلك، وضرب الدبابة العسكرية، ومايحتمي به الجندي الصهيوني من آلة ووسيلة عسكرية. فالجندي الصهيوني أماه خيارين .. أسر أو قتل.
إقدام الجندي الفلسطيني: الفلسطيني ينافس زميله في الإقدام، ودخول المعركة. ويقاتل من مسافة الصفر، بينما الصهيوني يتحاشى المواجهة، خوفا من الأسر أو القتل.
صاحب البداية وصاحب النهاية: قال الفلسطينيون .. بدأنا المعركة بصاروخ أصاب حيفا، وأنهينا المعركة بصاروخ أصاب حيفا. إذن الفلسطينيون، أصحاب المبادرة في البدء وفي وقف إطلاق النار، وهذا لايفعله إلا قوي منتصر.
زوال أسطورة الغزو البري: الصهاينة أعلم من غير باستحالة التفكير من جديد في الغزو البري، لأنهم جرّبوه وشربوا علقمه. ولم يعد الفلسطيني يخاف الغزو البري، فقد أعدّ له عدّته.
رغم تفوق الصهاينة: إن الذي يملك F16، والأباتشي، والماركافا، والبوارج الحربية، ثم يطلب بإلحاح شديد طلب الهدنة ووقف إطلاق النار، لهم نصر للفلسطيني الذي لايملك معشار مايملكه الصهيوني، إلا أنه يملك إيمانه بربه، وثقته بخالقه.
النقلة النوعية: الفلسطينيون أبدعوا في طرق المواجهة والقتال.. أسر وقنص، وقتال من خلف خطوط المواجهة، وقتل صهاينة من داخل المحميات العسكرية الداخلية المحصنة ، وفوق ذلك تصوير للمشاهد التي أرعبت العدو وأحرجته كثيرا.
إنهزام الخيانة: واضح جدا، أن الصهاينة لقوا صعوبات كبيرة في نشر جواسيسهم ، باستثناء العملية التي تم فيها إغتيال القادة الثلاثة. ولم يستطع الصهاينة أن يتحصلوا على معلومات دقيقة وسهلة، كما كانوا يفعلون من قبل. ولعلّ إعدام 18 خائن فلسطيني، الذي قدموا المعلومات للصهاينة، تدل على فطنة الفلسطيني، وأن الميدان ليس مستباح للصهاينة.
تغيير شكل الهدنة: تمّ إعادة 100 مرة ، إعادة صياغة هدنة وقف إطلاق النار، مايدل أن الفلسطيني لم يوقع على الصيغة الأولى للهدنة، لما فيها من إذلال وإحتقار. ومعلوم أن القوي المنتصر، هو الذي يغيّر ويحذف ويضيف.
للتذكير، كانت الاتفاقات الماضية، عبارة عن إملاءات من الصهاينة، توقع وتنفذ في الحين.
أضرار القادة: في بداية الإبادة الصهيونية، كانت الفكرة السائدة، أن الدمار مسّ بيوت الفقراء والمساكين دون القادة، فتبيّن فيما بعد أن الصهاينة احتفلوا بتدمير بيوت القادة الفلسطينيين واعتبر فعلهم ذلك نصرا. وحين يفتخر العدو ، بتدمير بيت عدوه، فإن ذلك من تمام النصر للفلسطينيين، لأنه يبيّن أن القمة والقاعدة يعيشون معا مرارة الهدم، وضراوة النسف.
ليست الأخيرة: إتّفق الجميع على أن وقف إطلاق النار هذا، ليس الحل النهائي، وأن ماقام به الفلسطينيون لا يعتبر المعركة الأخير، بل مازالت معارك أخرى تحدّد المصير. وحين يدرك المقاتل طبيعة الحرب مع عدوه، وأنها ليست الأخيرة، ويستعد لما بعد، فهو النصر والمنتصر.
إستسلام وصمود: الصهاينة أرادوا من الفلسطينيين، عبر الدمار المنظم والوحشية المبرمجة، أن يستسلم الفلسطينيون، حين سماع دوي الانفجارات، وصوت المدافع وهي تدك البيوت على رؤوس ساكنيها، وتنسف المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والمصانع، لكن الفلسطيني صمد، وجعل من الخراب معلما، يقسم فيه صلاته، ويعلّم فيه أبناءه، ويلتقط له صورا أمامه، وهو حامل لشارة النصر.
صمود في وجه العالم أجمع: رغم الحصار المضروب منذ سنوات على الفلسطينيين، والدعم الأمريكي والأوربي للصهاينة، ورغم التفوق الصهيوني في الجو والبر والبحر، إلا أن الفلسطينيين لم يستسلموا، بل قاموا وأصابوا العدو بإصابات في جنده وآلاته وعمقه.
الإنتصار مقابل التعادل: لايستطيع الصهاينة أن يعلنوا إنتصاراهم على الفلسطينيين، لأنهم لم يستطيعوا تحقيق ماأعلنوا الحرب لأجله. بينما النصر الفلسطيني، ذكره العدو قبل الصديق وصاحب الشأن، فهو ظاهر جلي في أسر الجنود الصهاينة، وقتلهم، وإدبارهم، ونزوح الصهاينة، والملاجئ، وتعطيل الحياة المدرسية والرياضية.
نقل الفلسطينيون عن الصهاينة ، قولهم .. في أحسن الأحوال تعادلنا.
النصر عنوة: المتتبع لجغرافية فلسطين، يجدها تفتقر للجبال التي تحمي الجندي. ضف لها غلق الحدود، وكسر خطوط الإمداد، وإخضاع فلسطين للتنصت اليومي الدائم، ووسائل المراقبة الصهيونية، ناهيك عن العملاء في الداخل والخارج، والإبادة الجماعية التي تعرّضوا لها قبل العدوان وأثناءه وبعده.. ورغم ذلك لم يستسلم الفلسطيني، ولم يرضخ لشروط الصهاينة، وواجهوا وانتصروا.
التفاوض باسم الزناد: لأول مرة في تاريخ الحروب مع الصهاينة، يدخل الفلسطيني طاولة المفاوضات، وهو ضاغط على الزناد، كما يقول أحد الأساتذة الفلسطينيين، ودون التخلي عن مكتسباته كالخنادق، ودون أن يرمي السلاح.
إذن هناك فرق شاسع، بين أن يذهب المفاوض وهو منزوع الإرادة مجرد من كل الأسلحة، وبين المفاوض الذي يعلو الطاولة، وهو يحمل معه سلاحه وعزيمته وقوته وتوكله على ربه.
قال أستاذ فلسطينيون، أن الانتصار الفلسطين واضح للعيان، لأن هناك خلل في ميزان القوى، والمجتمع الفلسطيني مكشوف الظهر، ضف لها تحالف عربي وإقليمي ودولي ضده، باعتراف الصهاينة.
ثم يقول الأستاذ.. ليست الجيوش العربية التي واجهت، وليست فلسطين التي حاربت، بل مدينة صغيرة جدا، تعتبر من ناحية المساحة حي من أحياء دولة عربية. وهذا بحد ذاته نصر للفلسطينيين.
إنهيار أسطورة الصهاينة: إنهار الجيش الذي لايقهر، وأسر جنود النخبة، وقتل جنود النخبة، وفرار جنود النخبة من المعركة، واختفى شعب الله المختار. وتبيّن أن الجيش الذي يعرف كل شيء، أمسى لايعرف أيّ شيء عن الفتية الذين يحاربونه ويواجهونه من منطقة الصفر.
توقيع تحت الظلام: ضربات الفلسطينيين، أجبرت الصهاينة على التوقيع على الهدنة بطلب منهم وبسعي حثيث منهم، دون أن يمرروها على البرلمان الصهيوني، لعلمهم أنها تحمل الهزيمة، ولا تحمل إشارات النصر، فاكتفوا بالتوقيع عليها ليلا، دون إظهارها وإعلام البرلمان بذلك.
أصبح الفلسطيني يهاجم بعدما كان يدافع، ولم تعد هناك سياحة صهيونية، ولا حسم معارك في 06 ساعات. لقد كبر أطفال الحجارة وأمسوا سادة قادة، يقرّرون مسار المعركة، ويفرضون على العدو نتائجها. ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، حيث الذل والهوان.
فرض الهدنة بالقوة: الهدنة لاتحقّق كل الأهداف، لكن يكفيها نصرا، أنها فرضت بالقوة، وأن الفلسطيني يمكنه أن يعود للمعركة أنّى شاء، إذا أخلف العدو وعده وهو يخلفه دوما. والقوة التي أسرت جنود النخبة، وأجبرت الصهاينة للاختباء إلى الملاجئ، هي نفسها التي تحمي وقف إطلاق النار، وتفرضه.
خاتمة: هذه بعض مظاهر النصر التي جسّدها الفلسطيني في مواجهة وحشية الصهيوني. وإن الفلسطيني وحده دون غيره، هو الذي يحدّد مظاهر النصر وأسبابه. وهو الذي من حقّه أن يعلن هل انتصر؟، أم لا؟.
بقيت الإشارة، أن المعارك دوما تنتهي بالخراب والدمار، وأن الفلسطينيين تعرّضوا لدمار لايمكن تصوره، ويحتاجون لأموال وسنين وتكاتف، لإصلاح ماأحدثه الصهاينة. لكن السؤال المطروح، هل الفلسطينيون استسلموا ورضخوا. ومادامت الإجابة لدى العدو قبل الصديق بالنفي القاطع، فإنه .. النصر في أبهى صوره.