تحديات جديدة للحكم
تقرير مجلس الأمن القومي
مشروع عام 2020
تحديات جديدة للحكم
ستبقى الحكومة الوطنية الوحدة السائدة للنظام العالمي، ولكن العولمة الاقتصادية وانتشار التكنولوجيا، بخاصة تكنولوجيا المعلومات، ستضع أعباء هائلة على الحكومات. فالحكومات التي كانت قادرة على إدارة تحديات التسعينات قد ترزح أمام تحديات عام 2020. ستكون هناك قوى متناقضة تتصارع، والأنظمة الدكتاتورية ستواجه ضغوطاً جديدة من أجل التحول للديموقراطية، ولكن قد تحتاج الديموقراطيات الجديدة الهشّة قدرة على التكيّف من أجل البقاء والتطور.
·ومع زيادة الهجرة إلى عدة أماكن حول العالم من شمال افريقيا والشرق الأوسط إلى اوروبا، ومن أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي إلى الولايات المتحدة، وبشكل كبير من جنوب شرق آسيا إلى المناطق الشمالية، فإن كثيراً من الدول ستصبح متعددة الجنسيات ومتعددة الاديان، وستواجه تحديات لدمج المهاجرين في مجتمعاتها مع احترام هوياتهم العرقية والدينية.
توقف التقدم تجاه التحول الديموقراطي
يستطيع النمو الاقتصادي العالمي أن يشجع التحول الديموقراطي، ولكن هناك احتمال واضح لتراجع كثير من البلدان التي كانت تعتبر جزءاً من "الموجة الثالثة" عن التحول الديموقراطي. وبحلول عام 2020 يمكن للتحول الديموقراطي أن ينتكس جزئياً، بخاصة في دول الاتحاد السوفييتي السابق وفي جنوب شرق آسيا، ذلك لأن بعضها لم تتبن الديموقراطية في الأصل. يبدو أن أنظمة الحكم في روسيا ومعظم آسيا الوسطى تتراجع نحو الاستبداد، وليس من الممكن أن يوقف النمو الاقتصادي العالمي وحده هذا التراجع. وسيكون من الجوهريّ تطوير مصادر اقتصادية متنوعة في هذه البلدان، وهو أمر لا مفر منه، من أجل دعم نمو طبقة متوسطة تقوم بدورها في دفع عملية التحول الديموقراطي.
·على حكام آسيا الوسطى المعمّرين (كبار السنّ) الذي يواجهون من قبل تفاوتاً اقتصادياً شديداً أن يتصدوا لمشكلة جيل شبابي كبير بشكل غير طبيعي ينقصه الفرص الاقتصادية الواسعة. من المحتمل أن تكبح حكومات آسيا الوسطى المعارضة وتلجأ إلى الاستبداد لحفظ النظام مما يعرضها لتنامي التمرد.
سيواجه القادة الصينيون مأزقاً تجاه القدر االذي يوائم بين الضغط الشعبي وتخفيف القيود السياسية، أو المخاطرة بمواجهة ردة شعبية في حالة رفضهم القيام بهذه المواءمة. وعلى بكين أن تقدّر أيضاً وزن طموحها في لعب دور عالميّ كبير يمكن أن يتعزّز إذا سار حكامها نحو الإصلاح السياسي.
يمكن للصين أن تتبع "منهجا آسيوياً" في الديموقراطية الذي يمكن أن يتضمن على انتخابات على المستوى المحلّي وعلى آلية استشارية على المستوى الوطني، بينما يمكن للحزب الشيوعي الاحتفاظ بالسيطرة على الحكومة المركزية.
·إنّ القادة الصينيين الشباب الذين يمارسون التأثير من قبل كمحافظين ومسؤولين إقليميين قد تدربوا في جامعات قائمة على النمط الغربيّ ولديهم فهم جيد للمعيار الدوليّ في الحكم.
·ومع هذا يعتقد الخبراء في مؤتمرنا الإقليمي أن القادة الحاليين والمستقبليين لا يكترثون لمسألة الديموقراطية وهم أكثر اهتماماً بتطوير ما يعتبرونه أكثر نماذج الحكم فعالية.
يمكن للنمو الديموقراطي أن يحرز تقدماً في بعض بلدان الشرق الأوسط الرئيسة التي استُبعِدت من العملية الديموقراطية من قِبَل أنظمة حكم قمعية. إنّ النجاح في إقامة ديموقراطية معقولة في العراق وأفغانستان وتثبيت الديمواقراطية في اندونيسيا سيقدم مثالاً للدول المسلمة والعربية مما يخلق ضغوطاً من أجل التغيير.
ولكن دراسة أجريت عام 2001 من قبل "بيت الحريّة" أظهرت فجوةً مثيرة ومتزايدة في مستويات الحرية والديموقراطية بين البلدان الإسلامية وبقية العالم. وإنّ عدم وجود نمو اقتصادي في الشرق الأوسط خارج قطاع الطاقة هو أحد العوامل الرئيسة الهامة لتباطؤ هذا التحول. ولا يأمل كثير من الخبراء الإقليميين في أن يكفي التحوّل في الأجيال وحده لدفع الإصلاح الديموقراطي.
·مدى نمو الإسلام الراديكالي وكيفية رد فعل الأنظمة لضغوطه سيكون له أيضاً مضاعفات بعيدة المدى على التحول الديموقراطي ونمو مؤسسات المجتمع المدني، رغم أنّ الراديكاليين يمكن أن يستخدموا صندوق الاقتراع للوصول الى السلطة.
·ستسمح فترة أطول لأسعار بترول عالية للأنظمة أن تتفادى (ضغوط الحاجة) لإصلاح اقتصاديّ وماليّ.
ضغوط التكنولوجيا العالية (High-Tech) على الحكم. يملك مستخدمو الكومبيوتر الشخصي اليوم مقدرة أكثر مما كانت تملكه ناسا في استخدامها الكومبيوتر في الرحلات الأولى الى القمر. والاتجاه نحو استخدام المزيد من المقدرة والسرعة والامكانية والحركة سيكون له نتائج سياسية هائلة. أعداد هائلة من الافراد والجماعات الذين لم يتيسر لكثير منهم في الماضي مثل هذه القدرة، لن يتمكنوا من الاتصال ببعضهم فحسب بل سيخططون ويعبّئون وينجزون مهمّات أكثر نجاحاً في تحقيق نتائج فعّالة مما تستطيع حكوماتهم فعله. ومن المؤكد أنّ هذا سيؤثّر على علاقات الأفراد بحكوماتهم ونظرتهم لها وسيضع ضغطاً على بعض الحكومات من أجل السرعة في الاستجابة.
·حسب معلومات اتحاد الاتصالات الدولية تعتبر الصين ضمن البلدان التي تحظى بأسرع معدلات النمو في استخدام الشبكة الالكترونية والتليفون الجوال، وتمثّل السوق الرئيس في اتصالات الموجة العريضة (broadband) .
·التقارير التي تتحدث عن الاستثمار المتزايد من قبل كثير من حكومات الشرق الأوسط في تطوير بنية تحتية للمعلومات السريعة، ورغم أنها لا تتوفر بشكل واسع للناس ولا ترتبط بشكل جيد بالعالم الكبير، تظهر مقدرة واضحة في انتشار الأفكار الديموقراطية وغير الديموقراطية.
·ستسعى بعض الدول للسيطرة على الشبكة الالكترونية ومحتوياتها، ولكنها ستواجه تحديات متزايدة بسبب ما تقدمه الشبكات الجديدة من وسائل متعددة للاتصالات.
إنّ التواصل المتنامي سيكون مصحوباً أيضاً بتزايد جاليات ذات اهتمام مشترك عبر الحدود الوطنية، وهو اتجاه يمكن أن يعقّد قدرة الدولة والمؤسسات العالمية على إيجاد إجماع داخليّ وعلى فرض القرارات، بل يمكن أن يتحدّى سلطتهما وشرعيتهما. فالجماعات القائمة على ولاءات دينية أو ثقافية أو عرقية أو غير ذلك يمكن أن تتنازعها ولاءاتها الوطنية وولاءات اخرى. وهناك احتمال كبير أن تحثّ مثل هذه الجماعات على اتخاذ قرارات سياسية وطنية بل حتى عالمية حول عدد واسع من القضايا التي تعتبر عادة من صلاحية الحكومات.
إن شبكة الانترنيت بالذات ستحفّز على إيجاد حركات عالمية يمكن أن تبرز كقوة نشطة وقوية في مجال الشؤون الدولية. فيمكن مثلاً لاتصالات مشتّتة حول العالم تستعين بالتكنولوجيا وبواسطة لغات وطنية أن تساعد على الحفاظ على اللغة والثقافة أمام تزايد الهجرة والتغيير الثقافي كما تستطيع أن توجد قوة سياسية واقتصادية.
ومن المحتمل أن تبرز شعارات شعبية كقوة سياسية اجتماعية ممكنة، بخاصة أنّ العولمة تخاطر بزيادة الانقسامات الاجتماعية وفق خطوط اقتصادية وعرقية. ففي بعض مناطق امريكا اللاتينية بخاصة يمكن أن يغذّي فشل النخبة في التكيّف مع تنامي الطلب بالسوق الحرّ والديموقراطية عودة الشعارات الشعبية ويدفع الحركات الأهلية التي سعت حتى الآن للتغيير بالوسائل الديموقراطية لأن تلجأ الى وسائل أكثر عنفاً للحصول على ما تعتبره "حصّتها العادلة" من السلطة السياسية والثروة.
·على كل حال، كما هو الحال مع الدين ليس بالضرورة أن تكون الشعارات الشعبية معادية للتطور السياسي بل يمكن أن تفيد في توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية. هناك القليل من الخبراء الذين يخافون من ردة فعل عامة ضد الحكم العسكريّ في امريكا اللاتينية.
إنّ بلدان أميركا اللاتينية التي تتكيف بكفاءة مع التحديات تبني مؤسسات ديموقراطية أكثر قدرة على تطبيق سياسات أكثر شمولاً واستجابة كما أنها تعزّز ثقة المواطن والمستثمر. ويبدو أن الشعور بالتقدم الاقتصادي والأمل في استمراره ضروريّ من أجل الثقة على الأمد البعيد في النظم الديموقراطية.
إنّ تصاعد الوطنية والاتجاه نحو الشعارات الشعبية سيطرح تحدياً للحكومات في آسيا. فكثير من هذه الدول مثل لاوس وكمبوديا وبورما غير قادرة على أدا المطالب الشعبية المتزايدة وستخاطر بأن تصبح حكومات فاشلة.
·يلاحظ الخبراء أن هناك جيلاً جديداً من القطاع الخاص يظهر في إفريقيا. وهؤلاء القادة أكثر تناغماً مع الديموقراطية من سالفيهم، ويمكن أن يعطوا حيوية داخلية أكثر للديموقراطية في المستقبل.
سياسات الهوية (الولاء)
بعض الضغط على الحكم سيأتي من أشكال جديدة لسياسات الهوية (الولاء) المرتكزة على المعتقدات الدينية والولاءات العرقية. خلال الخمسة عشر سنة القادمة من المحتمل أن تصبح الهوية الدينية عاملاً مهماً بشكل متزايد في كيفية تعريف الشعب بنفسه. إن النزعة نحو سياسات الهوية يرتبط بالحركة المتزايدة والتنوع المتنامي للجماعات المعادية داخل الدول وانتشار تكنولوجيا المواصلات الحديثة.
·أولوية الهويات الدينية والعرقية تزود أتباعهما بجالية معدّة مسبقاً وتعمل "كشبكة امان اجتماعية" وقت الحاجة وهي مهمة بشكل خاصة للمهاجرين. وتزود مثل هذه الجاليات شبكات يمكن أن تؤدي الى وجود فرص عمل.
رغم أنه ليس لدينا معلومات شاملة حول عدد الناس الذين انضموا الى معتقد ديني أو تحولوا من معتقد الى آخر في السنوات الماضية إلا أنه يبدو أن الاتجاه يدلّ على نمو في عدد المتحولين دينيا وعلى التزام ديني عميق من كثير من االموالين دينياً.
·فمثلاً، المسيحية والبوذية والديانات والممارسات الأخرى تنتشر في بلاد مثل الصين مع تراجع الماركسية، وهناك ازدياد في عدد المعتنقين للبروتستانية في بلدان أمريكا اللاتينية التي تعتبر تقليدياً كاثوليكية.
·بحلول عام 2020 سيكون في الصين ونيجيريا بعض اكبر الجاليات المسيحية في العالم. وهذا تحول سيعيد تشكيل المؤسسات المسيحية التي بنيت تقليدياً على اساس غربي، بما يمنحها وجهاً افروآسيوياً أو بوصف عام وجه العالم النامي.
·تقف أوروبا الغربية بعيدة عن هذا النمو الديني العالمي فيما عدا الجاليات المهاجرة من إفريقيا والشرق الاوسط. وكثير من الأعمال الكنسية التقليدية كالتعليم والخدمات الاجتماعية أصبحت من مهام الدولة. ولكن مزيداً من العلمانية الاحتوائية الملحّة قد لا تدعم القبول الثقافي من قبل المهاجرين المسلمين الجدد الذين يعتبرون الحظر الذي تفرضه بعض بلدان اوروبا الغربية ضد مظاهر الالتزام الديني تمييزاً.
كثير من اتباع الديانات، سواء كانوا هندوساً وطنيين أو بروتستانت في أمريكا اللاتينية أويهوداً أصوليين في إسرائيل أو مسلمين راديكاليين قد أصبحوا من الناشطين. لديهم وجهة نظر عالمية تدعو لتغيير المجتمع وميلٌ نحو تمييز مانويّ (المذهب الزرادشتي) دقيق بين الخير والشر ونظام ذو معتقد ديني يربط الصراعات المحلية بصراع أكبر.
عدد الاتباع الدينيين في الفترة 1900-2025
جدول
كانت هذه الحركات المبنية على الدين عامة في السابق في أوقات الاضطراب الاجتماعي السياسي، وكانت في أحيان كثيرة قوة من أجل التغيير الإيجابي. فيرى العلماء مثلاً أن نمو البروتستانتية في أمريكا اللاتينية يزود الستأصَلين والمحرومين عرقياً والمجموعات الفقيرة غالباً بما فيهم النساء "بشبكة اجتماعية لاتوجد في غير هذه الحال...وتزود الأعضاء بمهارات يحتاجونها من أجل العيش في مجتمع سريع التطور....وتساعد في تشجيع تطور مجتمعي مدني في المنطقة".
وفي الوقت ذاته، فإن رغبة الجماعات لتغيير المجتمع تؤدي غالباً الى اضطراب اجتماعي سياسي أكبر، يكون بعضه عنيفاً. ومن المحتمل على وجه الخصوص أن يكون هناك احتكاكات في الجاليات المختلطة عندما يحاول الناشطون كسب متحولين من الجماعات الأخرى او بعض المؤسسات الدينية القائمة سابقاً. ومن أجل الالتزام بالمعتقدات الدينية الصارمة لكثير من هذه الحركات يحدد الناشطون هوياتهم (ولاءاتهم) بما يتعارض مع الذين هم خارجها مما قد يشجع الصراع.
الإسلام الراديكالي. معظم الديانات التي تحظى بمكاسب من الناشطين الدينيين لديها ايضاً انتفاخات (زيادات مميزة) في عدد الشباب. وقد قرن الخبراء بين هذه المكاسب والشبابية منها بالذات بالعدد العالي للأتباع الراديكاليين بما في ذلك المسلمين المتطرفين.
·من المتوقع أن تكون الانتفاخات الشبابية حادة بخاصة في بلدان الشرق الأوسط وغرب إفريقيا على الأقل حتى 2005-2010، ولكن الآثار ستبقى لمدة أطول بعد ذلك.
·زيادة قوة الإسلام الراديكالي في الشرق الأوسط يعكس النفور السياسي والاقتصادي لكثير من الشباب المسلمين من حكوماتهم التي لا تستجيب لمطالبهم ولا تمثلهم وما يتصل بذلك من فشل كثير من الدول ذات الغالبية المسلمة من جني مكاسب هامة من العولمة.
وسيكون لانتشار الإسلام الراديكالي اثر عالمي كبير حتى عام 2020، وسيحشد جماعات عرقية يائسة وجماعات وطنية بل قد يوجد سلطة تتجاوز الحدود الوطنية. وجزء من نداء الإسلام الراديكالي هو الدعوة لعودة المسلمين الى جذورهم السابقة عندما كانت الحضارة الإسلامية في مقدمة التغيير العالمي. ومن غير المحتمل أن يتبدد الشعور الجماعي بالاستبعاد والتغريب الذي يعتمد عليه الإسلام الراديكالي حتى يظهر الإسلام من جديد بأنه أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي.
وسيبقى الإسلام الراديكالي يروق لكثير من المهاجرين المسلمين الذين يجذبهم الغرب الأكثر رفاهاً وذلك من أجل فرص العمل ولكنهم لا يشعرون بالارتياح وسط ثقافة يرونها غريبة عليهم.
المناطق الرئيسة لنشاطات الإسلام الراديكالي منذ عام 1992
خارطة
تشير الدراسات الى ان المهاجرين المسلمين يندمجون عندما تكون بلدان اوروبا الغربية أكثر شمولية، ولكن الكثيرين من المهاجرين من الجيل الثاني والثالث ينجذبون الى الإسلام الراديكالي عند مجابهتهم عقبات امام الاندماج الكامل وحواجز تجاه ما يعتبرونه من الممارسات الدينية العادية.
وستساهم الفروق الدينية والعرقية في مواجهات مستقبلية، واذا لم يجر التصدي لها فقد تتسبب في صراع إقليمي. والمناطق التي قد يتطور الاحتكاك فيها الى صراع أهلي واسع تشمل جنوب شرق آسيا حيث خطوط الانقسام المسيحي المسلم التاريخي تمر عبر كثير من البلدان بما فيها غرب إفريقيا والفليبين وأندونيسيا.
·والانقسامات داخل الديانات ورغم كونها تاريخية ومستمرة إلا أنها يمكن أن تؤدي أيضا الى صراع في هذه الحقبة التي تنمو فيها الهوية (الولاء) الدينية. فعراق يسيطر عليه الشيعة من المحتمل أن يشجع نشاطاً شيعياً اكبر وسط الاقليات الشيعية في بلدان اخرى من الشرق الأوسط مثل العربية السعودية وباكستان.
الاتحاد الأوروبي: النسب المقدرة والمتوقعة للمسلمين مقارنة بالعرقيات الأوروبية، 1985-2025
رسم بياني
-- ------------------------------------------------
البلدان الأوروآسيوية: هل تسير في اتجاهات مختلفة؟
شعر الخبراء الإقليميون الذين حضروا مؤتمرنا أن تطور روسيا السياسي منذ سقوط الشيوعية كان معقداً بسبب سعيها الدائم في البحث عن هوية وطنية بعد زوال الاتحاد السوفييتي. فقد لجأ بوتن بشكل متزايد للوطنية الروسية، ولجأ في بعض الاحيان إلى فكرة الخوف من الأجانب، من أجل تحديد الهوية الروسية. ويمكن لخلفائه أن يحددوا الهوية الروسية بإبراز ماضي روسيا الاستعماري وسيطرتها على جيرانها حتى عندما يرفضون المبدأ الشيوعي.
وبحسب وجهة نظر الخبراء، فإن دول آسيا الوسطى ضعيفة وفيها قابلية كبيرة لصراع عرقيّ ودينيّ خلال الخمسة عشر سنة القادمة. وقد يكون للحركات العرقية والدينية أثر في زعزعة الاستقرار في المنطقة بكاملها. من المحتمل أن تتمايز أوروبا رغم أن القوى الديموغرافية المتعارضة، مثل ندرة القوى العاملة في روسيا وغرب أوراسيا ووفرتها الزائدة في آسيا الوسطى، قد تساعد في تعاون المنطقة معاً. ويمكن أن تتعاون روسيا وبلدان آسيا الوسطى ايضا في تطوير ممرات لنقل مصادر الطاقة.
وقدّر المشاركون أن من بين البلدان الغنية بالمصادر تملك روسيا أفضل الفرص لتوسيع اقتصادها إلى أبعد من مجرد إنتاج الثروة بأن تصبح أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي. ومن أجل تنويع مصادر اقتصادها تحتاج روسيا للقيام بتغييرات بنيوية وإقامة حكم القانون الذي بدوره قد يشجع الاستثمار الأجنبي المباشر خارج قطاع الطاقة. وبما أن موسكو تدرك أن أوربا يمكن أن ترغب في صياغة "علاقة خاصة" أقوى اقتصادياً مع روسيا، فمن المحتمل أن تكون أكثر تساهلاً في اقتراب دول الاتحاد السوفييتي سابقاً من أوروبا. وإذا فشلت روسيا في تنويع مصادر اقتصادها فقد تواجه ظاهرة الدولة البترولية ذات التطورالاقتصادي غير المتوازن، والتباين الضخم في الدخل، وهروب رؤووس الاموال إلى الخارج وزيادة المشاكل الاجتماعية.
وكان الخبراء أقل ثقةً في قابلية حصول تنوع اقتصاديّ مهم في البلدان الغنية بالثروة الأخرى في آسيا الوسطى ودول جنوب القوقاز خلال الخمسة عشر سنة القادمة، وبخاصة في كازاخستان وتركمنستان وأذربيجان. أما في البلدان الأخرى ذات المصادر الطبيعية المحدودة مثل أوكرانيا وجورجيا وكيرجستان وتاجيكستان وأوزبيكستان فإن التحدي يتمثل في تطوير صناعات مشاريعية وخدماتية فعّالة تتطلب إدارة جيدة.
تواجه دول آسيا الوسطى كازاخستان وكيرجستان وتاجيكستان وتركمنستان وأوزبيكستان تحدياً شاقّاً في الحفاظ على السلام الاجتماعي في ظلّ نمو سكّانيّ عالٍ وشعب فتيّ نسبيّاً وامكانات اقتصادية محدودة وتأثير إسلاميّ راديكاليّ متزايد. إنّ السماح لمزيد من الهجرة قد يساعد في تخفيف هذه الضغوط على بلدان آسيا الوسطى. تستطيع روسيا أن تستفيد من هذه الهجرة كوسيلة لتعويض خسارتها البالغة مليون شخص سنوياً حتى عام 2020. ولكن روسيا تعوزها الخبرة في دمج المهاجرين من أصحاب الثقافات الأخرى، والوطنية الروسية في ازدياد نتيجة لازدياد التوتر العرقي داخلياً. ويرى خبراؤنا أن أي جهد لتوسيع سياسات الهجرة ستستغلّ من قبل السياسيين الوطنيين.
ومن السخرية أن خبراءنا تنبّأوا بوجود وحدة أكثر إذا تدهورت الظروف الاقتصادية عالمياً وأصبحت أوراسيا معزولة. لأنه في هذه الحالة سيتجه البعض إلى روسيا الراكدة لتقوم بحفظ النظام على طول الحافّة الجنوبية لأنّ بعض بلدان آسيا الوسطى- تركمنستان وطاجيكستان وكيرجستان- ستواجه احتمال الانهيار.
التغير المناخي ومضاعفاته حتى عام 2020
من المحتمل ان تتشكل السياسات المتعلقة بتغير المناخ بصورة بارزة في العلاقات المشتركة، وستواجه الولايات المتحدة بشكل خاص ضغوطا على مستوى ثنائي من أجل تغيير سياساتها المناخية المحلية وأن تتولى القيادة في الجهود العالمية المناخية. يوجد إجماع قويّ في الوسط العلميّ بأن تأثير التدفئة (greenhouse) أمر حقيقيّ وأن معدل درجة حرارة سطح الارض قد ارتفع خلال القرن الماضي رغم عدم التأكد من أسبابه وعلاجاته الممكنة. ولقد رأى مؤتمر للخبراء عقد برعاية مجلس الأمن القومي بأن القلق سيتزايد باستمرار حتى عام 2020 بخصوص الغازات التي تسبب هذه التدفئة والتي تعتبر الصين والهند من أكبر منتجيها. قد تقع كثير من الحوادث المتعلقة بالمناخ والتي ستربط خطأً أو صواباً بازدياد درجة الحرارة الكوني. وقد يقود أحد هذه الحوادث الى دعوات واسعة للولايات المتحدة، بوصفها أكبر منتج لغازات التدفئة لاتخاذ خطوات مثيرة من أجل الحدّ من استهلاك زيوت الوقود.
وسيواجه صانعو السياسة مأزقاً: فنظام مناخيّ قائم بالكامل على حوافز اقتصادية لن ينتج تقدماً تقنياً كافياً لأن الشركات ستتردد في تمويل الأبحاث عندما يوجد شكّ كبير حول الأرباح المنتظرة. وعلى الجانب الآخر، فإنّ نظاماً قائماً على اساس التنظيم الحكوميّ سيكون مكلفاً وغير مرنٍ. ومن العقبات المتعددة أمام عمل مشترك مقاومة بلدان الأوبك التي تعتمد على دخل الوقود الزيتيّ ووجهة نظر الدول النامية بأنّ التغير المناخي مشكلة صنعتها الدول الصناعية ولا تستطيع بالتالي معالجتها في ظلّ قيودها الاقتصادية وحاجتها الماسّة للتحديث التكنولوجيّ من أجل زيادة الكفاءة في الطاقة.
ومن ضمن الأسباب التي تبشر بالأمل أن المشتركين قد لاحظوا أن العالم جاهز ومتشوّق لقيادة الولايات المتحدة وأنه لا حاجة لمؤسسات مشتركة جديدة لمعالجة هذه القضية. ومما يسهّل صياغة سياسة للحدّ من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الجوّ أن الدول الثلاث: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، مسؤولة عن إطلاق نصف الكمية المنبعثة من ثاني أكسيد الكربون في الجوّ. وإنّ اتفاقية تشمل هذه الدول الثلاث إضافة الى الاتحاد الروسي واليابان والهند ستغطي ثلثي غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث.
أمريكا اللاتينية عام 2020 : هل ستتسبّب العولمة في تجزئة المنطقة؟
أكّد الخبراء الذين استشرناهم في أمريكا اللاتينية بأن التغيرات العالمية خلال الخمسة عشر سنة القادمة يمكن أن تعمّق الانقسامات وتزيد في تفتيت أمريكا اللاتينية بناءً على السياسات الاقتصادية والاستثمار والتجارة. في الوقت الذي يستميل المخروط الجنوبي بخاصة البرازيل وتشيلي شركاء في آسيا وأوروبا، يمكن لأميركا الوسطى والمكسيك والبلدان الأندية (نسبة الى جبال الأنديز في غرب القارة اللاتينية) أن تتخلف وتبقى تعتمد على أميركا وكندا كشركاء مفضّلين في التجارة وتقديم المساعدات.
إن عدم كفاءة كثير من الحكومات في أمريكا اللاتينية هو المسؤول جزئيا عن عدم تحقيق الاستفادة الكاملة اقتصاديا واجتماعيا من التكامل الأكبر في الاقتصاد العالمي في القرن الفائت. فبدلاً من ذلك ازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين الممثَّلين والمستبعَدين من العملية السياسية. ومن المتوقع في الخمسة عشر سنة القادمة أن تكون تأثيرات النمو الاقتصادي والتكامل العالمي غير منتظمة ومتقطعة.
ويتنبأ الخبراء الإقليميون بزيادة خطر صعود قادة جماهيريين شعبيين، وهو أمر معروف تاريخيا في المنطقة، بحيث يستخدم هؤلاء القادة الهموم الشعبية حول التفاوت بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وذلك في الدول الضعيفة في أمريكا الوسطى والبلدان الأندية وأجزاء من المكسيك. وفي الدول ذات الضعف البالغ وبخاصة تلك التي يبرز فيها تجريم المجتمع والدولة ، وقد يكون لهؤلاء القادة توجهٌ استبداديٌ وشديد المعارضة لأمريكا.
وكان للخبراء الملاحظات التالية تجاه الاحتمالات الإقليمية في قضايا أخرى:
·سياسات الهوية (الولاء). هناك اجزاء متزايدة من المواطنين تصف نفسها بأنها شعوب محلية (السكان الاصليون) ولا تطالب بأن يكون لها صوت فقط بل ميثاق اجتماعي. يرفض الكثيرون العولمة بالشكل الذي ظهرت فيه في المنطقة ويعتبرونها قوة تفرض التجانس الذي يقوض ثقافاتهم الخاصة ونموذجاً اقتصادياً ليبراليأً جديدأً امريكياً، يعتبر التوزيع غير العادل لثماره متجذّراً في استغلاله للعامل والمناخ.
·تكنولوجيا المعلومات. سيساعد الانتشار العالمي لاستخدام الشبكة الالكترونية، سواءً كإعلام جماهيري أو وسيلة اتصال بين الافراد، على تثقيف وتحريك وتقوية أولئك الذين كانوا من المسَتبعَدين عادة.
مخطط
خيالي: خلافة جديدة
يبين المخطط الخيالي الموصوف أدناه مثالاً لظهور حركة عالمية تغذّى بالهوية (الولاء) الدينية الراديكالية. يجري الإعلان وفق هذا المخطط عن خلافة جديدة قادرة على عرض مبدأٍ معارض قويّ يحظى بقبول واسع. وقد وصف هذا المخطط على شكل رسالة نظرية/افتراضية من حفيدٍ مفترض لابن لادن الى قريب له عام 2020. يصف في الرسالة الصراعات التي يخوضها الخليفة وهو يحاول اخذ السلطة من الأنظمة التقليدية وكذلك الصراع والارتباك الذي ينشأ داخل العالم الإسلامي وخارجه بين المسلمين والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين. فبينما يتفاوت نجاح الخليفة في تعبئة الدعم، هناك أماكن بعيدة خارج قلب العالم الإسلامي في الشرق الأوسط، اي في إفريقيا وآسيا، تضطرب نتيجة لنداءاته. ينتهي المخطط قبل أن يستطيع الخليفة تأسيس سلطتيه الروحية والدنيوية على الأقاليم التي كانت من قبل خاضعة للخلافة السابقة. وفي نهاية المخطط نستخلص بعض الدروس.
سعيد محمد بن لادن
بسم الله الرحمن الرحيم
3 يونيو 2020
كان أبي سيشعر بالخيبة، لأن الإعلان عن الخلافة لم يبد انه الخلاص لنا. فكما تعلم يا اخي، كان جدي يؤمن بالعودة الى عهد الخلفاء الراشدين عندما حكم قادة الإسلام امبراطورية كحماة حقيقيين للدين. كان يتصور أن الخلافة ستحكم مرة أخرى العالم الإسلامي وستستعيد البلدان المفقودة في فلسطين وآسيا وستجتثّ نفوذ الكفار الغربيين أو العولمة كما يصرّ الصليبيون على تسميتها. وسيكون العالم روحياً ودنيوياً في طاعة واحدة لإرادة الله، رافضاً فصل الكنيسة عن الدولة الذي يراه الغرب. وفي النهاية، وكما نرى، فإن الإعلان عن الخلافة لم يتغلب بعد على هذا الفصل (بين الدين والدولة) رغم أن مجيء الخلافة قد القى الخوف من الله في قلوب القوى الصليبية (وهذا أمر كان سيفرح به جدي). لقد فقد التغريب فعلاً جاذبيته لدى كثير من المسلمين، وشتّتت الخلافة عدداً من الدول الوطنية التي صيغت وفق أهواء المستعمرين.
وعندما أفكر في الأمر ثانية لا أدري كيف قصّرنا في تصور ظهور الخليفة الشابّ، ولكننا نفاجأ جميعاً بذلك، المؤمن منّا والكافر. أصبح للخليفة الشاب أتباع على مستوى العالم. وحتى قبل أن يعلن عنه كخليفة، خليفة للرسول، عليه السلام، كان يحظى بالاحترام من المؤمنين. ربما لأنه لم يكن القاعدة ولم يقد حركة سياسية مثل جدي. بدا اكثر ما يكون روحيّاً. لم يتلطخ بقتل الأبرياء المؤسف الذي سواءً اعترف به جدّي أم لم يعترف قد منع البعض من دعم القاعدة. ولقد تدفقت مظاهر الولاء والمال من البلدان الإسلامية من على بعد نصف الكرة الارضية من الفليبين واندونيسيا وماليزيا وأوزبيكستان وافغانستان وباكستان. وقد تابعه أيضا بعض الحكام من النخبة آملين تقوية قبضتهم المرتجفة على السلطة. أما في أوروبا وأمريكا فالمسلمون الذين لم يكونوا يمارسون دينهم استيقظوا ليجدوا هويتهم الحقيقية ودينهم الحق، وفي بعض الحالات، تركوا خلفهم آباءهم المتغّربين المذهولين وعادوا لبلادهم الاصلية.حتى بعض الكفار تأثّروا بروحانيته.فالبابا مثلاً حاول بدء حوار بين الأديان معه. والمعارضون للعولمة في الغرب ولهوا به. وخلال فترة قصيرة بدا واضحاً أنه لا بديل عن الاعلان عما كان الكثيرون يتوقون اليه الا وهو خلافة جديدة.
آه! أي ارتباك شهدناه فيما يتعلق بالصليبيين؟ كلمة كادت أن تُنسى عادت الى المعجم الغربي، وتاريخ الخلفاء الأوائل ظهر فجأة ليصبح من أفضل المبيعات على موقع أمازون. كوم. لقد كانوا معتدّين بانفسهم كثيراً عندما ظنّوا أنّ علينا أن نسلك نفس الطريق من بعدهم في سبيل العلمانية إذا لم يكن ممكناً تحويلنا مباشرة الى ما يسمى نظام القيم اليهودي النصراني. هل تستطيع أن تتخيل النظرة التي على وجوههم كرياضيين مسلمين في الألعاب الأولومبية وقد تخلّوا عن ولاءاتهم الوطنية وأعلنوا بدلاً من ذلك عن ولائهم للخلافة؟ قد جرى تحطيم كل شيء: نفس المؤسسات التي زخرفها الغرب ليسجننا فيها بحسب نظرتهم العالمية-الديموقراطية والدول الوطنية ونظام عالمي يسيرونه بانفسهم _ كل ذلك يبدو أنه قد انهار.
وكان البترول أيضا في ذاكرتهم، ولقد سيطرنا عليهم كما لم يحدث من قبل. وباشتداد الشكوك في الاسواق انتشرت الشائعات عن احتلال الولايات المتحدة أوالناتو لحقول النفط من أجل حمايتها من استيلاء الخلافة عليها. وسمعنا فيما بعد أن الولايات المتحدة لم تستطع أن تقنع حلفاءها للقيام بتدخل عسكري، وأن واشنطون كانت نفسها قلقة من إحداث ردة فعل اسلامية على مستوى العالم.
وعند هذه النقطة بدأ العنف مع الشيعة، ربما بسبب سوء الظن، مما زاد الارتباك. شكّ الخليفة أن ايران تثير المشاكل، فقد كانت ايران منزعجة منذ أن أُعلنت الخلافة، وكانت المنطقة الشرقية في السعودية حيث يوجد اكبر عدد من مواطنيها الشيعة وحيث توجد حقول النفط منطقة غير آمنة. ولعب حكام دول الخليج دورهم أيضاً.
ثم شككنا أن العراق الذي يسيطر عليه الشيعة ومن خلفه الولايات المتحدة ووكالة الاستخبارات المركزية هي التي تغذي المشاكل. ولكن اذا الكفار الأمريكان هم وراء ذلك، وهو ما أعتقده، فلقد قطفوا ثمار أعمالهم. فالسلام الهش الذي حبكته الولايات المتحدة بكل عناء داخل العراق تهاوى بإعادة إشعال المقاومة السنية فجأة. فقد أعلن الثوار هناك انهم الخلافة الحقيقية وهاجموا من جديد المواقع العسكرية الشيعية والامريكية.
كان هذا تحدياً صعباً للخليفة، فالخلافة تمثل الجميع ولكنّا نخشى رؤية تحلل الخلافة اذا لم يجر التغلب على الانقسام السنّي الشيعي القديم. وبوصفي سنّياً عربيأ لا يجوز أن أبدي أي تعاطف مع الانقسام الذي أحدثه أتباع عليّ لدار الإسلام منذ قرون طويلة. ولكن تبين أن عدم التعامل مع هذا الانشقاق حينئذ كان غلطة. فبعض مفكريهم الجدد ينضمون الى أمثالهم من الإصلاحيين من أبناء السنة ويحظون بتقدير ودعم الكفار. وإن إيجاد أي علاقات تعاونية، حتى لو لم تكن دافئة، بين الفرس والأمريكان سيكون خطراً علينا.
وشعبنا يغرَون أيضاً بالأنماط المادية الغربية. فعلى الشبكات الالكترونية يضع الشيطان أمامنا الخلاص والفخّ. فالشبكات هي التي تقرب الخليفة من الحصول على كامل السلطة بنشر نداءاته واسعاً. ولكنها أيضا أسلحة يستخدمها أعداؤنا. فكثير من المؤمنين تتزايد رؤيتهم لكيفية معيشة الآخرين في الغرب ويريدون الحصول على مثل هذه الأشياء دون أن يدركوا الرذيلة التي تصاحبها.
بدأ هذا بجانب العنف السني الشيعي في إرباك الطبقة المتوسطة. بدأوا يحاولون مغادرة بلادهم المقدسة.
ومن السخرية أن هذا الأمر أدى الى إزعاج القوى الصليبية في أوروبا وأمريكا. فهم لا يمانعون في رؤية الخلافة تعاني المشاكل، ولكن كان قبول مليون لاجئ أو أكثر، معظمهم اعتاد على مستوى عالٍ من العيش، مسألة أخرى. أصبحوا أمام ورطة كبيرة. فوجود مسلمين أكثر بينهم يمكن أن يثير الكراهية
بينما رفض قبولهم يمكن أن يؤكد نفاقهم مرة أخرى.
ويسود الارتباك في أماكن أخرى، فقد كان متوقعاً عندما أعلنت الخلافة أن تتهاوى الأنظمة حالاً.
ولكن ذلك لم يحصل. بدلاً من ذلك يوجد جيوب مؤيدة للخلافة ولكنها لم تستطع بعد في إسقاط الأنظمة. نحن قريبون جداً من ذلك في آسيا الوسطى واجزاء من باكستان وافغانستان حيث تحتدم حرب أهلية. تنهمك روسيا في محاربة المقاومة وفي إسناد الأنظمة الاستبدادية في آسيا الوسطى.
ومن المفارقات أن الولايات المتحدة أصبحت حليفة لروسيا في هذا الوقت. فبدلاً من إمداد المجاهدين بالمال لقتال السوفييت يقوم الأمريكان بمساعدة السوفييت في قتال المجاهدين. يوجد في بعض البلدان سلطتان لا تملك أي منهما السيطرة الكاملة. أعلنت سلطة في باشتونستان ولكنها لم تؤسس سلطتها بالكامل بعد.
بدأ ذلك كله في ردع الصليبيين من استغلال ثرواتنا. فليس هناك مد لأنابيب البترول الآن وبعضها الآخر تعطل عن العمل. لقد تضررت آسيا الثائرة بسبب توقف بناء خطوط البترول الجديدة. تجنبت الصين الحصول على أي مساعدة من الولايات المتحدة ولكن تزايد قلقها من دعوة البرجوازية المسلمة التي تعيش فيها للتحرر والوحدة مع باقي الأمة.
تكاد جنوب شرق آسيا وأجزاء من من شرق وغرب إفريقيا تسير في نفس المسار. شجع إعلان الخلافة المتمردين، ولكن حتى هذه اللحظة كان أكبر أثرها هو دفع إسفين داخل الدول وخلق جيوب تحكم فيها الخلافة والشرع. ومع هذا فإن الآسيويين صعبو المراس، فهم يظنون أنهم اكتشفوا طريقة (حكم) آسيوية.
ويستمر الصراع أيضاً في فلسطين رغم إنشاء دول فلسطينية. لا يزال الصهاينة يحتلون أرضاً إسلامية ويشاركون في السيطرة على القدس. ظنّ الأوروبيون أنهم قادرون على تفادي صراع بين الحضارات ولكنهم يرون الآن أن أعداداً متزايدة من المسلمين الذين يعيشون وسطهم يتجهون (في ولائهم) نحو الخليفة. يوجد في أمريكا أيضا كفار يوالون الخليفة بما في ذلك ابنة سيناتور. وجدت الولايات المتحدة نفسها وسط المعمعة، فهي تحاول أن تسترضي أولئك الذين يؤيدون الخلافة من أجل تهدئة السنة في العراق ولكن لا تريد أن تنفّر اسرائيل.
هناك كثير من الاضطراب والارتباك، ولكن ذلك جيد لنا. في البداية ومع إعلان الخلافة تناقص عددنا وتوقفت القاعدة الأم عن العمل. ولكن بدأت صراعات كثيرة جديدة. نستطيع القتال لاستعادة البلاد الإسلامية حتى ولو أدار الخليفة ظهره لبعض الصراعات ويُخشى أن يصبح ليّناً. توصلنا الى اتفاقات مع القادة العسكريين المحليين مستغلين حسن ضيافتهم أو بدفع مالٍ، وهكذا تُركنا بصورة كبيرة أحراراً نعمل كما نراه مناسباً. وآمل....
الدروس المستفادة
لا تحتاج الخلافة ان تنجح بالكامل كي تفرض تحدياً جدياً للنظام العالمي.يؤكد هذا المخطط بروز الحوارالمبدئي عبر الثقافات الذي سيشتد مع نموّ الهويات ( الولاءات) الدينية.
·من المحتمل أن تزيد الثورة في تكنولوجيا المعلومات الصراع بين العالمين الغربي والإسلامي.
·سيختلف الإعجاب بالخلافة من قبل المسلمين من منطقة لأخرى، مما يدعو الدول الغربية لاتخاذ مواقف مختلفة في مواجهتها.فالمسلمون في مناطق تستفيد من العولمة مثل أجزاء في آسيا وأوروبا يمكن أن يترددوا بين فكرة خلافة روحية والمنافع المادية للعولمة العالمية.
·لن يقلل الإعلان عن خلافة احتمال الإرهاب. ومن خلال إثارة صراع أكثر فإنه قد يشجع جيلاً جديداً من الإرهابيين يرغبون في مهاجمة أولئك الذين يعارضون الخلافة داخل وخارج العالم الإسلامي.