الحوار الفلسطيني – الفلسطيني : ليس كذلك
الحوار الفلسطيني – الفلسطيني : ليس كذلك !
أ.د. حلمي محمد القاعود
لماذا لم ينجح الحوار الفلسطيني – الفلسطيني حتى الآن ؟
سؤال يردده العرب والمسلمون في كل مكان ، حيث يتوقون إلى وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الغزو النازي اليهودي لفلسطين وقدسها ومسجدها الأقصى المبارك !
إنهم يعرفون الإجابة مقدماً ، ولكنهم يحاولون إقناع أنفسهم أو إيهامها بأن المصالحة في القاهرة ممكنة ؛ بين مليونيرات " رام الله " ، وبقية الشعب الفلسطيني وطلائعه المقاومة في حماس وفتح والفصائل الصغرى .
الناس يعلمون جيداً أن مليونيرات " رام الله " خاضعون تماماً للإرادة النازية اليهودية الغاصبة ، وملتزمون بمطالبها في تصفية المقاومة والاعتراف مقدما بالكيان النازي اليهودي الغاصب ، والتنازل عن القدس وحق العودة والمياه والتعويضات والهوية المستقلة .
كما يعلم الناس أن مليونيرات " رام الله " واثقون تمام الثقة ، أن المفاوضات مع اليهود الغزاة ، المعتدلين منهم والمتشددين ، لن تثمر ثمرة واحدة ، وقد نفذوا كل ما أراده الغزاة القتلة ، دون أن يستطيعوا إقناعهم برفع حاجز واحد في الضفة الغربية ، أو فتح معبر واحد بصفة دائمة في قطاع غزة .
ومع ذلك ، يصرّ مليونيرات " رام الله " على عدم التصالح مع بقية الشعب الفلسطيني وفصائله ، إلا بعد تصفية المقاومة تماماً وموافقة قادتها على التنازلات التي سبق أن وافق عليها المليونيرات الأشاوس ..
ولأن ذلك ضد المنطق ، وضد التاريخ ، وضد الجغرافيا أيضاً ، فلن يوافق الشعب الفلسطيني على ما يريده المليونيرات أو بالأحرى ما يريده الغزاة النازيون اليهود الغاصبون ، لأنه يعنى عملياً تحويل الفلسطينيين إلى مجرد رقيق لدى النخاس اليهودي ، يتخلص منه بالترحيل ( الترانسفير ) ، أو التهويد بطريقته الخاصة 1
ثمة نقطة أخرى مهمّة ، وهى أن العدو الصهيوني حريص ألا تكون في فلسطين فكرة أو عقيدة تسمى " الإسلام " يعتنقها الشعب الفلسطيني ويجعلها دستوره وقانونه ومنهجه وتصوّره في مواجهة محنته التي يعيشها . فالأمر عندئذ يعنى الوجود اليهودي الاحتلالي نفسه ، وبقاء جذوة الوجود الفلسطيني مهما كانت ضئيلة أو ضعيفة أو خافتة ، مما يؤدى في المدى البعيد إلى قيامة الشعب المظلوم مرة أخرى .
والإيمان بالتصوّر الإسلامي لدى الشعب الفلسطيني لا يمثل عقدة للعدوّ النازي الغاصب وحده ، أو العالم الاستعماري الصليبي الذي زرعه في فلسطين ويمده بالسلاح والغذاء ، ولكن يشاركه في ذلك عدد من الحكومات العربية الشقيقة ، التي تتوجس خيفة من الإسلام ، وتراه كما صوره لها الغرب الاستعماري خطراً ساحقاً ماحقاً على استبدادها وطغيانها وديكتاتوريتها وفاشيتها ، فضلاً عن وجودها الاستثنائي ، ومن ثم يحدث التطابق بين العدوّ الصهيوني وبعض الحكومات العربية في الموقف من الشعب الفلسطيني المتوجه نحو الإسلام والشهادة ! ولم يكن غريباً أن يكون هناك هجوم إعلامي وسياسي خسيس يشنه بعض العرب المسلمين على المقاومة الفلسطينية وأهل غزة يتعرضون للموت والدمار ، ولم يكن غريباً أن يكون هنالك تأييد ضمني من جانب بعض العرب المسلمين للعدو النازي اليهودي وهو يواصل القتل والتخريب وذلك بتحميل المقاومة سبب العدوان الصهيوني ، ولم يكن غريباً أن يكون مليونيرات " رام الله " في الاتجاه ذاته مع أن الذي يموت ويدمّر هو شقيقهم الفلسطيني !
الحوار الفلسطيني – الفلسطيني إذاً ليس كذلك ، ولكنه حوار بين مليونيرات " رام الله " المؤيَدين والمؤيِدين للعدو النازي اليهودي وبعض الحكومات العربية ومنها ما يسمى بالممانعة من ناحية ، وبين الشعب الفلسطيني المسلم الذي ارتضى الإسلام عقيدة وقيمة وشهادة من ناحية أخرى ! ومن ثم ، فإن اتفاق المصالحة المأمول لن يتم حقيقة على أرض الواقع ، وإن تم أمام الكاميرا أو عدسات التلفزة وميكروفونات الإذاعة . ولك أن تقرأ تصريحات أو مقولات أو أفكار قادة رام الله بدءًا من مولانا صاحب الفخامة أبى مازن عباس ، إلى صاحب الفضيلة العقيد دحلان ، مروراً بالرفيق المناضل صاحب الحنجرة الذهبية ياسر عبد ربه ، لترى ما يقولونه عن أحبابهم اليهود الغزاة ، وما يقولونه عن ذويهم من شعب فلسطين ؟
لقد ظل مليونيرات رام الله يفاوضون طويلا أحبابهم على ما يسمونه " الحد الأدنى " من المطالب الفلسطينية ، ولكن أحبابهم رحلوا ، وجاء آخرون لا يوافقون على ما يُسمى " الحد الأدنى " بل يعرضون ما يسمى سلاماً اقتصادياً يهودياً أو حكما ذاتيا صامتا لا أثر فيه للهوية الفلسطينية المستقلة ، مقابل سلام عربي شامل ! واختفى من قاموسهم ما يسمى بحل الدولتين ، وحاول بعض المعتدلين من دول الطوق أن يكون أكثر سلاماً وإنسانية ، فعرض تطبيعاً إسلامياً شاملاً من جانب سبع وخمسين دولة إسلامية ، مقابل وقف الغزاة النازيين اليهود للاستيطان وتجميداً للمستوطنات الحالية !!
وتصوّر الناس أن السفاح نتينياهو سيقدم جديداً في زياراته إلى شرم الشيخ أو العقبة أو واشنطن ، ولكنه لم يقدم شيئاً ، بل خرج يقول للناس إن هناك تطابقاً بين الموقف العربي والموقف الصهيوني من إيران بوصفها خطراً أكبر على الجميع ؟!
إذاً المشكلة الآن هي مواجهة إيران الشيعية المسلمة التي تسعى للهيمنة على المنطقة (!!) وتتدخل في الشئون الإقليمية ، وتصدر الثورة إلى البلاد المجاورة وتحكم العراق من الباطن الأمريكي ، وتنشر التشيع في العواصم السنية ! أما الغزاة النازيون اليهود بقنابلهم النووية وطائراتهم العسكرية الفائقة وصواريخهم القاتلة ودباباتهم التي تمثل قلاعاً متحركة فلا يمثلون خطراً ولا يحزنون ، ولا يحتلون فلسطين ولا الجولان ولا القدس العتيقة ، ولا يشردون ستة ملايين لاجئ فلسطيني ولا يحاصرون أربعة ملايين في الضفة والقطاع بما فيهم مليونيرات " رام الله " الذين يتحركون بأوامر عريف صهيوني من جيش الدفاع !
وبالطبع فإن لقاء نتنياهو وأوباما في واشنطن ، لم يخرج عن فكرة التطابق بين الرؤية العربية والرؤية الصهيونية في مواجهة الخطر الإيراني القادم من الشرق . ولأن هذه الفكرة هي المسيطرة على دول الاعتدال والمليونيرات في رام الله والسادة في واشنطن ، فلن يكون هناك اتفاق فيما يسمى الحوار الفلسطيني – الفلسطيني ؛ مع فكرة المقاومة التي يتبناها الشعب الفسلطينى بأغلبيته الساحقة ، خاصة بعد أن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن العدوّ النازي اليهودي الغاصب لا يسلّم بأدنى حق ما لم يكن مرغماً عليه أو يجد في التنازل عنه فائدة مضاعفة !
وبالمنطق البسيط الساذج : لماذا أتنازل عن المقاومة أو السلاح الذي في يدي مقابل وعد مجهول لا أدرى هل يتحقق أو لا يتحقق ؟
كل حركات المقاومة في العالم لم تضع سلاحها إلا بعد أن وقعت على اتفاقات واضحة محددة مضمونة دولياً . ولكن متى وقع العدوّ اتفاقاً مضموناً دولياً ؟ اللهم إلا إذا ضمنته دول يستطيع أن يقنعها بالتخلي عن ضماناتها عند اللزوم ؟
ثم لماذا هذا العذاب والعناد والتمزق من أجل سلطة هشة لا قيمة لها اسمها " سلطة الحكم الذاتي المحدود " ؟ يا مليونيرات رام الله حلّوا هذه السلطة وعودوا إلى قواعد المقاومة أو قواعدكم المالية خارج فلسطين ، واتركوا الشعب الفلسطيني يخطط لمستقبله بطريقته الخاصة .