الإخوان المسلمون والشيعة.. في فهم العلاقة
محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة
كان الجو العام في العقود الأولى من القرن الميلادي المنصرم لا يساعد الشيعة على الظهور بحقيقتهم دون تقية، بل كان كثير من الشيعة في الأوساط السنية لا يحبذون الظهور بصفتهم شيعة؛ ليس بسبب الاضطهاد الديني أو السياسي، فقد كانوا هم وأهل السنة في هذا سواء، ولكن بسبب النظرة المجتمعية التي تزدري من يَعتبر القرآن الكريم مُحرّفاً، ومن يُكذِّب تبرئة الله تعالى لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويتهمها بما لا تفعله حرة مشركة عند العرب فضلاً عن زوجة خير نبي مرسل، وهذه النظرة المجتمعية زادت الشيعة تكتماً وتقية، إلى درجة أن علماء المسلمين في المناطق التي لا تعرف وجوداً شيعياً يُذكر - كسوريا ومصر والأردن وفلسطين وبلاد المغرب العربي - كانوا يظنون أن هؤلاء الشيعة الغلاة الذين يَذكرهم العلماءُ القدامى كابن تيمية والشهرستاني والبغدادي وابن حزم .. باتوا في حكم المنقرضين كما انقرضت الفرق الغالية لدى الخوارج، وأن من تبقى من الشيعة هم أقرب إلى الزيدية والاعتدال منهم إلى الإمامية والغلو، وهذا ما تحدث عنه الشيخ الدكتور مصطفى السباعي وغيره من علماء الإسلام في تجارب مثيرة لهم مع الشيعة.
بل إن الشيخ علي الطنطاوي والذي يُعتبر أميلَ فكرياً إلى السلفية، لم يجد غضاضة في الاحتفاء بالناشط الشيعي الإيراني "نواب صفوي" إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر وسوريا، خاصة مع شعور الطنطاوي بأن "صفوي" كان يتقبل الحق إذا سمعه .. والله أعلم إذا كان ذلك من باب التقية! وذلك في زيارة "نواب صفوي" زعيم ما يسمى بحركة "فدائيان إسلام" التي كانت تناوئ حكم الشاه في إيران، والذي أعدمه الشاه سنة 1955م.
الخلاصة .. أن علاقة الرعيل الأول من الإخوان المسلمين مع الشيعة كانت قائمة على حُسن نية .. ساهمت في تكريسها تقية الشيعة وتكتمهم على مذهبهم، بل إن المفكر الشيعي الأصل حسن العلوي يَذكر أنه خرج إلى بلدة عراقية سُنيّة وصار يحدثهم عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، ويقول إنها بلدة لم تلتق بشيعي قبله على ما يظن؛ لأن بعضَهم كان يسأل عن الشيعة وكأنهم من أهل الأمازون!! وهذا في العراق الذي يشكل الشيعة فيه نسبة لا بأس بها .. فكيف ببلدان أخرى لا تعرف عن الشيعة إلا ما تذكره الكتب القديمة؟!
ولابد من الإشارة إلى موقف الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي جاء على خلفية التدخل الطائفي الإجرامي الإيراني العراقي اللبناني في سوريا إلى جانب بشار الأسد، والذي اعترف فيه صراحة - شأن العلماء المخلصين - بأن علماء السلفية الكبار كانوا أبصر بحقيقة إيران وتشيّعها الطائفي، مع ما يمثله الشيخ القرضاوي من مرجعية كبرى لجماعة الإخوان المسلمين في كافة أنحاء العالم.
أما ما قد يكون من علاقةٍ سياسية بين الشيعة وبين الإخوان المسلمين أو غيرهم بعد أن تكشفت أوراق الشيعة إلى الحد الذي أزكم الأنوف، فهو - من وجهة نظري - لا يختلف عن العلاقة السياسية مع الكيان الصهيوني .. سواء بسواء، فإن جاز الأول في فقه السياسة فلم يمتنع الأخير؟! فكلا الكيانين "إسرائيل وإيران" يحتل أرضاً عربية "فلسطين والأحواز" .. وكلاهما تحدوه الأطماع التوسعية في الأرض العربية.