الجار والجَرّار وصانِعُ الجرار !
الجار والجَرّار
وصانِعُ الجرار !
مصباح
الغفري
" ما زالَ جبريل يوصيني بالجـار ، حتى
ظننت أنه سَيُورثـه"
( حديث شريف )
حدّثنا أبو يسار الدمشقي قال :
رن جَرَسُ الهاتف في الصباح ، قبل أن
تبدأ الدِيَكَة بالصياح . رفعت السمّاعَة
بارتجاف ، فإذا بصوت معروف الإسكاف .
قال هل سَمعت الأخبار ، يا أبا يسار ؟
تغيّرَت الجغرافيا
والخرائط ،
أصبح الأميركان جيراننا الحائط
بالحائط . والله أوصى بالجار ، إلى
سابع دار . فما بالك بالجار المُجانب ، إنه
اليوم من الأقارب لا الأجانب !
قلت : هذا
والله أعْجب العَجَب ، فهل أصبحت ميامي
قرب حَلَب ؟ أم لعلّ معرة النعمان ، انتقلت
إلى ديترويت أو ميتشيغان ؟
قال : الأمر جَدّ لا هَزل ، أكلمُكَ وأنا
بكامل الأهليّة والعقل . هذا كلام
وزير الخارجيّة ، في الجمهوريّة
الوراثيّة . فقد صَرّحَ سيادته أن
الأميركان ، أصبحوا الآن من الجيران .
وعليهم مراعاة حرْمَة الجوار ، فما رأيُكَ
يا أبا يسار ؟
قلت : ليس في الأمر غرابة ، بل هو عَزف
على الربابَة ! فلكي يضمنَ الرجُلُ
الوزارة ، لا بُدّ من إرسال إشارة . هذا
فاكس لا تصريح ، ولا يحتاج إلى شرح أو
توضيح . هذه رسالة إلى من يهمه الأمر ، أن
سيادته لن يخرج على وليّ الأمر .
قال : لكن الجامعة العربية ، لم تمنح
مجلس الحكم " الشرعية " ، بحجة تعيينه
من قبل القوات الأميركية . فكيف يعترفون
بالإحتلال كجارٍ لهُ حُرمة ، ويرفضون
الإعتراف بمجلس يمثل الشعب والأمة ؟
قلت : تلك مسألة التفريق الدقيق ، أيها
الصديق ، بين النظرية والتطبيق . وبين
المكروهات ، والمُحَرّمات .
زعموا أن
أعرابيّاً زنى بجاريَة
جميلة ، فحملت منه وليس في اليد حيلة . ولما
عَلِمَ عَمّه بالفضيحَة ، صاحَ به :
ـ لو عَزلْت يا ابن القبيحة !
أجاب الشاب ، غير وجلٍ ولا هيّاب :
ـ بّلّغني أن العَزل مكروه !
استشاطَ العم من الغضب ، قال له يا
قليلَ الدين والأدب :
ـ بلَغكَ أن العَزل مكروه ، ولم يبلُغكَ
أن الزنى حَرام ؟
الوزير لا ذنب
له في التصريحات ، فقد بَلَغه أن الاعتراف
بمجلس الحكم من المكروهات
، ولم يبلغه أن مضاجعة الجيران من
المُحَرّمات !
في جمهورية الورثة من الأرامل والأيتام
، عَيْنٌ على تل أبيب وعَينٌ على العم سام .
والوزير إما جَرّار ، أو مُغازلٌ
للجار ، أو أنه يعمل في صناعة الجرار !
ضحِكَ معروف الإسكاف ، وصاح : يا خفيّ
الألطاف ، نجنا مما نخاف .
وأنشد :
أطَرْطَرا
تطَرطَري تقدّمي
تأخري
مُزمِنة
كَمُصطفى عاطِرَة
كالعُطَري!