المعركة الأخرى في القاهرة

د. هاني العقاد

شهر وغزة في قلب الموت تصبح على دم وتمسي على دم ,تدفن اشلاء شهدائها في كل وقت ولم تتراجع , رحل نصف سكانها من وجه المدافع والدبابات الصهيونية ولم تتراجع , البيوت مسحت عن الارض والمزارع حرقت على طول الشريط الحدودي بعمق اكثر من 2 كيلو متر واصبحت المناطق التي تقع على الحدود بلا معالم بشرية ولم تتراجع, تغيرت الجغرافيا وتاهت الشوارع عن امتداداتها ولم يرفع عابروها الا شارات النصر , اكثر من 18000 طن متفجرات القيت على غزة  ولم تستسلم , طائرات الحرب الصهيونية طالت اكثر من عشرة الاف من المنازل والمساجد في كل مكان ولم ترفع الراية البيضاء, الشهداء زاد عددهم عن 1900 واكثر من عشرة الاف مصاب ولم تصرخ من الوجع  سوي صرخاتها  في وجه العالم  ليفهم ويقدر حجم الجريمة,  ليري جرائم اسرائيل  ويعرفها كجرائم حرب ارتكبت مع سبق الاصرار والترصد دون خجل او حياء من القانون الانساني.

هدنه لمدة ثلاث ايام في اول وقف حقيقي لإطلاق النار , عادت الدبابات الاسرائيلية الى داخل الشريط الحدودي ,سافرت الوفود الى القاهرة لتضع طلبات تثبيت وقف اطلاق النار على الطاولة, اتحد الفلسطينيين بوفد برئاسة منظمة التحرير الفلسطينية في اول ظهور وطني و تمثيل وطني موحد منذ اكثر من عقدين من الزمان , ادرك الجميع ان المقاومة الفلسطينية انتصرت على الارض برغم الكارثة التي احدثتها الالة العسكرية الصهيونية بين المدنيين, ادرك الجميع ان المقاومة قالت كلمتها في المعركة حتى الدقيقة الاخيرة وأوصلت صواريخها الى تل ابيب وحيفا والقدس وكافة البلدات الاستيطانية على طول حدود قطاع غزة  , ادرك الوفد المفاوض ان ظهره مسند الى مقاومة منتصرة لم تفلح كل الآلات الحرب الصهيونية من النيل منها , لهذا قال الوفد أن طلباته لتمديد وقف اطلاق النار كلها ثوابت لا يمكن التراجع عنها لأنها اقل ما يمكن تحقيقه لشعب غزة المكلوم .

قد تكون معركة البنادق والصواريخ والعمليات الفدائية خلف خطوط العدو توقفت مؤقتا و استراح المقاتلين ليتنفسوا هواء نقيا بعيدا عن غبار المعركة و يذهبوا في استراحة مقاتل . لكن معركة اخري اكثر ضراوة تدور رحاها في القاهرة بصوت فلسطينيي واحد وراية فلسطينية واحدة وتبنى مصري كبير لطموحهم الوطني , هذه المعركة تثبت ان ارادة الفلسطينيين لم ولن تكسر وأن النصر في الميدان يقود الى نصر سياسي , على طاولة المفاوضات تحاول اسرائيل عبر وسطاء التفاوض أن تستخدم اساليب الابتزاز مرة والمقايضة مرة اخري , فبعد أن وصلت الورقة الفلسطينية المصرية الى الإسرائيليين الذين وصلوا القاهرة رد الإسرائيليين بمحاولة طلب عدم الموافقة على اعادة اعمار غزة الا بنزع سلاح المقاومة أي تدمير هذا السلاح الذي اوجع اسرائيل والذي تعتقد اسرائيل انه سيبقي سيف على رقبتها كلما حاولت التعرض للشعب الفلسطيني الا أن هذا الطلب قوبل بالرفض الشديد ولم يقتنع به أي من الاطراف الراعية سوي الامريكان الذين يحاولا حشد دولي لهذا الطلب  

تعرف إسرائيل ان الفلسطينيين لن يوقفوا اطلاق النار اذا لم يرفع الحصار بالكامل وتفتح المعابر ويعيش اهل غزة كباقي الشعوب ويتصلوا ويسافروا الى العالم ,لذلك قد يكون الوفد الاسرائيلي وافق مبدئيا على استحقاقات وقف اطلاق النار الاولية لكنه مازال يراوغ فيما تبقي من شروط تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين من صفقة شاليط الذين أعيد اعتقالهم بعد الحملة العسكرية الاخيرة على الضفة وكذلك اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسري القدامى والذين توافقت عليها الولايات المتحدة مع اسرائيل ,كما ترغب اسرائيل تأجيل الميناء والمطار والممر الامن لمرحلة  قادمة يهيئها الامريكان تبحث كافة قضايا الحل نهائي للصراع   وكل هذا لا يرضي الفلسطينيين ويجعل المفاوضات عرضة للانهيار,  انها معركة الانتصار الأخرى التي تجري في القاهرة فلولا نصر المقاومة بالميدان ولولا شعور القادة الإسرائيليين بأنهم خسروا المعركة ولم يحققوا شيئا على الارض سوي المجازر والمذابح التي ستجعل حكومات العالم الحر تطاردهم للاعتقال والمحاكمة على خلفية هذه المعارك لما قدموا الى القاهرة ليخففوا من حقد العالم عليهم ويخففوا من صدمة العالم من تلك المشاهد البشعة لحجم جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الحرب ,انها معركة اخري سينتصر فيها الفلسطينيين بعد أن تلبي اسرائيل كل طلبات وشروط واستحقاقات الفلسطينيين وتحقق  المقاومة النصر بالكامل وتتلوا بيان النصر على الملاء ,انها المعركة الأخرى التي يكون فيها الدرس الاخير لقادة اسرائيل بأن لا يجربوا انفسهم وقوتهم مع الفلسطينيين في غزة وأن يبتعدوا عن تعميق جراح الفلسطينيين وتفتيت وحدتهم  وتقسيم  صفهم  وأن يتأكدوا أن المقاومة وسلاحها باق وفي ازدياد  وتقوي طالما لم ينهوهم الاحتلال الجاثم على ارض فلسطين ويعيدوا الحقوق التي اغتصبت ويعترفوا بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.