عن الرئيس و الحكم المباركي.
أ.د/
جابر قميحةلو كنت مكان الرئيس حسني مبارك لاكتفيت برياسة الجمهورية مدة ، أو مدتين على الأكثر ، وتركت الحكم بعدهما ، انطلاقا من حب مصر، وتقديرا لشعبها ، وتحقيقا لوصف مصر بأنها " ولادة " ، ودفعا لشبهة أنها عقمت ، فلم تعد تنجب رجالا قادرين على الحكم .
ولكن سيادته مد الله في عمره متمسك باستمرار مسيرته حاكما لمدة خامسة ، وربما جدد لمدة سادسة ... إلى ماشاء الله .
وأمام هذه الحال الغريبة تلطمنا الحقائق الآتية :
1- لسيادته في الحكم حتى الأن 28 عاما ، في الدورات الخمس الآتية في الأعوام: 1981 و 1987 و 1993 و 1999 و 2005 .
2- الحكام السابقون على سيادته كانت مدة حكمهم كالآتي :
حكام أسرة محمد على باشا
· محمد على باشا:( 1805- 1848) .................................. 44 سنه
· إبراهيم باشا بن محمد على:(1/9/1848- 10/11/1848) ..... شهرين
· عباس حلمي باشا الأول :( 1848-1854). ....................... 7 سنوات
· محمد سعيد باشا:( 1854 - 1863). ............................... 10 سنه
· إسماعيل باشا:( 1863-1879) .................................... 17 سنه
· الخديوي توفيق:( 1879- 1892). ................................ 14 سنة
· الخديوي عباس حلمي الثاني:( 1892- 1914).................. 23 سنة
· السلطان حسين كامل:( 1914- 1917)............................. 4 سنوات
· السطان ( الملك ) فؤاد:( 1917-1936) ......................... 20 سنة
· الملك فاروق الأول:( 1936- 1952).............................. 17 سنة
· الرؤساء بعد قيام الثورة :
· محمد نجيب : أول مرة (18/6/1953- 25/2/1954).......... قرابة سنة
· جمال عبد الناصر:رئيس مجلس قيادة الثورة (25/2/1954- 27/2/1954).
· محمد نجيب: المرة الثانية(27/2/1954-14/11/1954).
· جمال عبد الناصر:رئيس مجلس قيادة الثورة(1954-1956) ثم رئيسا للجمهورية: . ( 1956- 1970)...................................... قرابة 15 سنة
· أنور السادات: رئيسا للجمهورية(17/10/1970- 6/10/1981).... 12 سنة
· الرئيس الحالي محمد حسني مبارك:(14/10/1981- الآن)حتى الآن 28 سنة
***********
وباستثناء مدة حكم محمد على باشا لا نجد واحدا من أسرة محمد على ، ولا واحدا من رؤساء مصر في عهد الثورة يماثل أو يقترب من مدة حكم السيد المبجل محمد حسني مبارك حتى الآن .
ومن المفارقات العجيبة أن مدة حكم نبارك تقارب مجموع مدة حكم آخر ملكين في تاريخ مصر : الملك فؤاد ، والملك فاروق .
وتكاد تساوي مدة حكم الرؤساء الثلاثة في عهد الثورة الميمونة .
***********
3 يتمتع مبارك بسلطات واسعة لم يتمتع بها أي ملك أو رئيس أو حاكم من قبل ، ومن هذه السلطات :
·· أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة.
· يعين وزير الدفاع وأعضاء هيئة الأركان وقادة الأسلحة والقطاعات المختلفة .
· وله الحق أن يعين أو لا يعين نائبا للرئيس الذي يصبح بدوره الرئيس القادم بشكل مؤكد ويصرف النظر عن الشكليات .
· ويعين رئيس الوزراء ويقيله وقتما شاء دون النظر إلى نتائج الانتخابات الشكلية للبرلمان, وبعض الوزراء يتبعونه بشكل مباشر مثل الدفاع والخارجية والإعلام والداخلية .
· يرأس ما يسمي بالحزب الحاكم .
· ويحل البرلمان ويدعو إلى الانتخابات وقتما شاء, وهو الذي يدعوه للانعقاد
· يرأس المجلس الأعلى للقضاء, والمجلس الأعلى للشرطة . ويعين النائب العام, وشيخ الأزهر والمفتي, والمحافظين ونوابهم, ورؤساء وأعضاء مجالس إدارات الشركات الحكومية والقطاع العام والقطاع العام ذي الصفة الخاصة, ورؤساء تحرير الصحف, والهيئات بأنواعها مثل قناة السويس والسكك الحديدية والنقل والبريد والاتصالات والبترول والبنوك العامة والمخابرات العامة وجهاز مباحث أمن الدولة .
· ويعتمد تعيين السفراء, وأحكام المحاكم الاستثنائية بكافة أنواعها.
· وله الحق في تحويل أي قضية إلى أي قضاء أو حفظ التحقيق والتقاضي أيا كان بدواعي الأمن القومي دون تفسير.
· ويملك تعطيل الدستور والقوانين وإصدار قرارات لها قوة القانون طبقا للمادة 73 من الدستور (أعلنت أحكام الطوارئ منذ 22 سنة وحتى الآن ) ويتخذ منفردا قرارات التسليح دون الخضوع لأي مراجعة. إلخ ...
**********
4 ومبارك يشعر بمتعة
حقيقية إذ يزاول هذه السلطات الواسعة التى لا يحدها حد
ولا يرضى بأقل منها .
ففي لقائه له مع مندوب صحيفة الفيجارو الفرنسية سأله المندوب السؤال التالى .
* المعارضة تدعو الي خفض السلطات الرئاسية والحد من فترة الحكم؟
الرئيس: في حالة انتخاب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر, فإن الحد من فترات
الحكم ستكون بمثابة عائق أمام رغبة الشعب أما بالنسبة للحد من سلطات الرئيس, فإن
ذلك سيعني إعطاء الرئيس دورا شرفيا, إن رئيس الجمهورية هو الضمان لتحقيق
الاستقرار.
( نشرته الأهرام 25 3 2005 )
**********
5 و في عهد مبارك تحولت الدولة إلى ( دولة بوليسية ) ، لا مكان للقانون فيها ، بل الرأي الأول للداخلية ، وقادة الأمن في كل مجال ، في حماية مليون ونصف من "عساكر" الأمن المركزي . والقرار النهائي لسيادة وزير الداخلية ، وأصبح من الأمور العادية أن يحكم لمتهم حكما نهائيا بالبراءة ، ولكن يصدر قرار باعتقاله ، فيلقى مع الآلاف الذين يختنقون في سجن وادي النطرون ، أو غيره من السجون . وأصبح من الأمور العادية تحويل المدنين إلى القضاء العسكري .
إن
قانون الطوارئ يأخذ بخناق المصريين ، وهو في واقعه لم يفرض إلا لضرب أصحاب الفكر
الحر والقيم الإسلامية ، وخصوصا " الإخوان المسلمين " . ومع ذلك نجد سيادة الرئيس
عندما تلقى السؤال التالي من مندوب الفيجارو الفرنسية :
* لماذا لا يمكن إلغاء قانون الطوارئ الذي يعمل به في مصر ؟
كان جوابه :
إن قانون الطوارئ شرع من أجل مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات.. إننا لانستخدم إلا المواد المتعلقة بالإرهاب. إنه خطر نتعامل معه بجدية ، ويجب أن نأخذ حذرنا كما تفعل الدول الاخري ففي مصر, فقط الإسلاميون هم الذين يطلبون إلغاء هذا القانون, ولكن لن أسمح أبدا بانتشار الفوضي.
( الأهرام بتاريخ 25 3 2005 )
وأكرر القول بأن الإخوان المسلمين هم الذين يستهدفهم هذا القانون ، فسيادة الرئيس يؤمن إيمانا جازما بأنهم خطر على الأمة والسلام الاجتماعي ، بل هناك من رجاله من صرح بلا حياء بأن الإخوان أخطر على شعب مصر والأمة العربية من إسرائيل ذاتها .
**********
6 والمؤسف حقا أن ما يسمى بالسلطة التشريعية ، أو مجلسي الفارسين
" سرور والشريف " ... مجلس الشعب ومجلس الشورى يتكونان من أغلبية
مزورة مدعاة ؛ لذلك نراهم مع السلطة دائما أبدا ، على حد قول الشاعر :
هـاهم كما تهوى فحركهم دُمى إنـا لـنـعـلم أنهم قد جُمِّعوا بالأمس كان الظلم فوضى مهملا | لا يـفتحون بغير ما ترضى لـيـصفقوا إن شئت أن تتكلما والـيوم صار على يديك منظما | فما
وكبت أصحاب الرأي الحر ، مهما كان علمهم ومكانتهم العلمية والفكرية ، والمؤسف المخزي موقف هؤلاء من الدكتور أحمد الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي وقف شامخا بشجاعة يعلن بالأرقام الصحيحة الحاسمة إهدار ثروة مصر بالمليارات ، فنسمع من كبار المباركيين من يقول : هذا رجل يطمع في الوزارة ، وبعضهم يقول : إنه رجل من بتوع الحسابات ولا يعرف شيئا في سياسة الدولة .
وأكثر من ذلك رأينا واحدا ممن يسيرون في ركاب السلطة يكتب في صحيفة أخبار اليوم تحت عنوان " الملط وعدم دستورية قانونه " عبارات ساقطة منها الكلمات الآتية : " ... وعلى ذلك فإن قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنه 1988 غير دستوري عندما قرر في مادته الثانية اختصاص الجهاز في الرقابة على الأداء الحكومي . وهنا سؤال للدكتور نظيف لماذا لا يتم تعديل القانون طالما هو غير دستوري ، وسؤال للمستشار الملط : سيادتك قمة في القانون لماذا الإصرار على مخالفة الدستور ، وتدخل عش الدبابير في بحر عالم الدستورية وتغرق "
(نبيل لوقا بباوي عضو مجلس الشورى ( المعين ) .أخبار اليوم 12 / 2 / 2009 )
وهي كلمات غير مسئولة وساقطة لأنها تضمنت المعاني الرديئة الآتية :
أ التعسف والتعنت في التفسير .
ب الحرص على إرضاء السلطات .
ج السخرية من قانوني عالم هو الدكتور الملط بعبارات سوقية مثل " الدخول في
عش الدبابير " والغرق الذاتي .
د تحريض رئيس الوزراء على الرجل الذي هو في حقيقته أعلم منهما كليهما ، ويعبر بضمير حي ، وولاء حقيقي لمصر وشعبها .
***********
7 ونسي أو تناسى سيادة الرئيس محمد حسني مبارك أن تركيز السلطة بهذه الصورة الواسعة في يد واحدة يترتب عليه نتائج بشعة يتلخص أهمها فيما يأتي :
· اختلال..- بل احتراق- قائمة القيم الأخلاقية النبيلة التي كان يعيش عليها - وبها - المواطن.
· فقد الثقة بين الحاكم والمحكوم, واتساع رقعة التباعد بينهما, وقد يترتب علي ذلك صراع بينهما يخسر فيه الوطن الكثير والكثير.
· اختلال «المعايير التقييمية» إلي درجة الوصول إلي طرفي النقيض: فيحكم علي الدكتاتورية بأنها حكمة وحزم وبعد نظر, وعلي الرشوة بأنها إكرامية وهدية وحوافز, وعلي الحماقة أو التهور بالشجاعة. وعلي تبلد الشعور بالوقار والرزانة والاتزان, وعلي الإسراف والتبذير بأنه كرم وسماحة, وعلي الاستسلام بأنه نبل وسلام .
وعصر الرئيس مبارك هوعصر الاختلال والتناقضية ، فالرئيس محمد حسني مبارك ، يعلن دائما أنه حريص على السلام وكرامة الشعب الفلسطيني وسلامته ضد الاحتلال الصهيوني ، وهي بلا شك ولو في ظاهرها مقولة تعبر عن إخلاص لفلسطين المحتلة ، والأمة العربية ، ولكننا نرى في الواقع ما يناقض ذلك ، والحالات أكثر من أن تحصى وأكتفي بمثال واحد نشرته الصحف ووكالات الأنباء العالمية :
فتحت عنوان : مبارك يهنئ بيريس بمرور 60 عاما علي قيام اسرائيل
10/05/2008 : ومما جاء تحت هذا العنوان .
احتفلت اسرائيل امس الأول بالذكري الستين لقيامها وفق التقويم العبري فيما بدأ الفلسطينيون إحياء فعاليات الذكري ال60 لنكبتهم حيث تم تهجيرهم من وطنهم علي يد العصابات الصهيونية عام 1948 لإقامة دولة إسرائيل....
....
وأكدت مصادر اسرائيلية أن
الرئيس
المصري حسني مبارك بعث الي رئيس الدولة في اسرائيل شمعون بيريس رسالة تهنئة
بمناسبة مرور 60 عاما علي قيامها.
...
وفي
برقية التهنئة التي أرسلها لبيريس ، ونشر موقع يوآف يتسحاكي
الاسرائيلي علي الإنترنت مقتطفات منها امس قال مبارك: " يشرفني أن أنقل لسيادتكم
تهنئتي
بمناسبة عيد الاستقلال " .
وأي وطني عاقل من حقه أن يسأل : أهو استقلال ياسيادة الرئيس أم هو نهب وقتل وتدمير واستغلال ؟ أتهنئ اللص يا مبارك على نجاحه في النهب والسلب والاستيلاء بالإرهاب والقوة الإجرامية الغاشمة على أرض الآخرين ؟ !!!
· ضعف الشعور بالمسئولية, فلم يعد المواطن يشغل نفسه بمصلحة الوطن, بل يهيمن عليه روح اللااكتراث واللامبالاة, وتتردد علي ألسنة المواطنين عبارات تفصح عن هذا الواقع مثل: «معلهش», «يا عم وأنا مالي», «يا عم شوف مصلحتك», «يا عم خليني في نفسي».
·
ويترتب علي كل أولئك أن يفقد الوطن «هويته» «كموجود اعتباري» له مركزه وقيمته
ومكانته بين دول العالم» لأن «الوطن» في عهد «سيادة الرئيس» وهيمنته أصبح مرادفًا
«للرئيس», فالرئيس هو الوطن, وهو القانون, وهو الدولة, وهو النظام.
**********
أما إذا كان الحكم ديمقراطيا وكانت السيادة للقانون ترتب على ذلك النتائج المشرقة الآتية :
· شعور الشعب بالطمأنينة والاستقرار النفسي, والسلام الاجتماعي.
· حرص المواطنين علي الولاء الصادق الأمين للوطن والنظام.
· الاعتزاز بالذات والقيمة الشخصية» فالمواطن يشعر أن هناك «قانونًا» يخدمه ويحميه, ويمكّنه من أن يجابه به كل من يحاول أن ينال منه, أو ينتقص حقوقه مهما كان مركزه. والاعتزاز بالنفس هو أساس نسيج الشخصية السوية المتكاملة.
·
العمل الجاد الدائب, وزيادة الإنتاج» فالرابطة قوية متينة بين المواطن والنظام
القائم علي أسس دستورية قويمة. والمواطن لا يستشعر أن هناك ما يهدده في حياته, أو
أولاده, ومن ثم يوجه كل طاقاته وإمكاناته للعمل, وزيادة الإنتاج.
***********
والواقع
يقول إن مصر في العهد المباركي تقدمت وتتقدم إلى الوراء ، وتعلو وتعلو إلى أسفل .
وأصبحنا نعيش عصر الفقر والفاقة والمرض والتخلف والضياع وانعدام الأمن ، والهبش
والنهب ، فلم يعد المواطن آمنا على نفسه ، وأهله وماله .
وإنا لله وإنا إليه راجعون .