لك الله يا حماة
صالح حمزة
لك الله يا مدينة أبي الفداء الذبيحة وأنت تحملين /27/ عاماً من الآلام المبرحة والجراح الغائرة والصور المروعة للمذابح وبقر البطون وسمل العيون وانتهاك الأعراض...
لك الله يا حماة وأنت ترين كارثتك قد أصبحت ثقيلة الظل على أهلها يحاولون التملص منها أو التخلص من تبعاتها فيهربون إلى (فضيلة) العفو والتسامح!! عجزاً عن تكاليف العدل والقصاص.. أو طلباً للسيادة!!.
لك الله وأنت ترين من يطالب بالتسامح مع الوحش الذي لا يزال ينوء بكلكله الغليظ على صدرك متلذذاً بانتهاك عفافك..
لك الله وأنت ترين من يطلب منك، ودماء عذريتك تتدفق على رجليك، أن تسعي وتنقبي عن أدلة الإدانة للمفترس الذي اغتصبك وكأنه ما سمع بأن في بلاد الدنيا من يوكل للضحية محامياً للدفاع عنها إذا عجزت هي لأي سبب من الأسباب عن الدفاع عن نفسها أو توكيل محام يدافع عنها..
لك الله وأنت ترين من أهلك من يدافع عن مغتصبك ويمنحه وسام دعم عن المقاومة وأنه لولا ممانعته ما صمدت غزة هاشم!!
لك الله وأنت ترين من أهلك من يسمي كارثتك الفظيعة (كربلائية) بعد أن ملَّ وسئم من أصوات بكارتك التي يتردد صداها في قبة الزمان منذ 27 عاماً.. وهو يعلم –علم يقين- أن من يتاجرون بكربلاء هم طلاب خمس ومتعة وليسوا طلاب حق أو دفاع عن ريحانة أهل الجنة.. وكربلاء قد مر عليها قرن ونصف القرن من الزمان بينما جرحك ما يزال ينزف وفاجعتك ما تزال مستمرة حتى السـاعة..
يا حماة يا مدينة أبي الفداء يا رمز الإباء لن تستطيع قوة في الأرض أن تتجاوز مصيبتك أو أن تفرط بحقك أو أن تتنازل عن مطلبك في القصاص العادل من مغتصبك.. مهما تطاول الزمان أو كلت سواعد البعض أو تراخت قبضة آخرين.. فالكارثة في حماة لا تعني أبناءها فقط.. لأن الجاني كان يريد لها أن تكون عبرة لأهل الشام كلهم ولأنه صب عليك جام حقده وغضبه من كل تقي نقي مخلص لدينه ووطنه.. ولأنه سفاح بطبعه لا يستطيع أن ينضح إلا ما فيه من قسوة وغلظة ولؤم وأحقاد تاريخية عششت في عقله حتى حجبت عنه كل بصيص نور أو يقين..
المصيبة ليست مصيبتك وحدك يا مدينة الفداء بل هي مصيبة كل حر وكل وطني رشف رشفة من بردى أو نهل نهلة من دجلة والفرات والعاصي فما من مخلص لبلده إلا وأصابته شظية من شظايا حقد الوحوش المفترسة التي انتهكت حرمتك وتطاولت على مقامك وسفكت دماء أبنائك.
إن الوحشية والسادية التي صبها الفاسقون على مدينة أبي الفداء تكفي لإغراق سورية بكاملها بالويلات والمصائب والأحقاد ولذلك فإنه لا غرابة بأن نرى اليوم علمانيين ويساريين وقوميين وأكراداً وعلويين وطيفاً يشمل أهل الشام من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يطالب برفع الحيف عن سورية وإزالة الكابوس الذي يجثم على صدرها الواسع الحنون الذي كان فئة كل وطني ومخلص وحر ومقاوم للاستبداد ومنحاز إلى مكارم الأخلاق..
إن مدينة أبي الفداء وهي تمر بعامها السابع والعشرين من عمر كارثتها ينبغي أن تكون رمزاً للمطالبة بشام حر أبي أصيل محرر من قيود العبودية والتسلط والجور الذي يغرقه فيه النظامُ الذي شمل بظلمه وعسفه كل ذرة تراب في سورية من ذرى القامشلي إلى سهول حوران الكريمة المعطاءة..
إن بلادنا الجريحة بحاجة ماسة إلى العدل والإنصاف أما الحديث عن التسامح فمحله يوم أن يلقي السفاح الخنجر من يده الملوثة بالدماء والأعراض ويوم يقوم المغتصب عن صدر ضحيته المهشمة المغتصبة الجريحة..
إن المرعوب من كلمة أجهزة الأمن الاخطبوطية المتشعبة المتكاثرة تكاثر العفن.. لا يستطيع ولا يدرك ولا يستوعب رطانة التسامح.. إن من يرسف في قيود الذل لا يفهم سوى لغة الإذعان.. وعندما تشرق شمس الحرية على ربوع الشام الحبيبة وتندحر جحافل الظلمات وتغلق السجون والمعتقلات وأقبية المخابرات ويوم تسقط سياط الجلادين ويتوقف نهب ثروات الوطن وإفقار أهله.. يوم يتوقف تكديس الأموال المسروقة من عرق المواطن في البنوك المريبة.. ويوم يتوقف سيل العاطلين عن العمل الذي لا ينقطع لحظة واحدة من لحظات سورية أم الخيرات ومنبع الإبداع ومصنع المتميزين في كل ميادين الحياة العلمية والأدبية والفكرية.. يوم يكون السوري حراً
عند ذلك، وعند ذلك فقط يكون ثمة مكان لما يسمى العفو أو التسامح أما في أجواء العبودية فلا محل لهذه اللغة فهل عفا القبطي يوم أن كان السوط يلهب ظهره أم عندما كان ابن العاص تحت قوس المحاسبة والسوط يعلو صلعته؟!!!
ما لكم كيف تحكمون؟!!