جوَّعْتونا
عبد الرحمن يوسف القرضاوي
استمارة جوَّعْتونا ... أطلقها المنضمون إلى بيان القاهرة، ونزلت الاستمارة إلى الناس في الشوارع، وتفاعل معها شعب مصر بشكل عظيم.
مبادرة تلقفها الناس، وحركها البسطاء، يطبعها ويوزعها كل من يرى أن حكام هذا البلد قد جاروا على الفقراء.
خلاصة الاستمارة أن الشعب لا يقبل قرارات رفع الدعم، وأن هذه القرارات كانت – كعادة كل الحكام والحكومات – على حساب الفقراء الذين أصبحوا تحت خط الفقر بعشرات الخطوط.
استمارة جوَّعْتونا صرخة البسطاء الذين طحنهم الغلاء.
لو نزلت إلى الشارع مع الشباب ورأيت كيف يتفاعل معها الناس ستعرف أن هذا الشعب "لم يجد من يحنو عليه" ...!
يقول سائق الميكروباص للشاب الذي يعرض عليه الاستمارة "انت مرسي والا سيسي؟"
يجيب الشاب : "انا مع رغيف العيش"، فيقبل السائق والركاب على قراءة الاستمارة، ويوقعونها، ثم يبدأون بالدعاء لهذا الشاب ورفاقه، لأنهم يذكرون البسطاء في خضم هذه الأحداث السياسية المحيرة.
في هذه الأثناء يطرح البعض سؤالا : (هل يرى المنضمون إلى بيان القاهرة لقمة العيش أهم من كرامة الإنسان؟ أهم من الدماء التي سالت؟ والأعراض التي انتهكت؟)
الإجابة : بالطبع لا ...!
ولكن مساحة العمل ضد هذا النظام واسعة، والمساحة التي اخترنا أن نعمل فيها ستبدأ من هنا، من لقمة العيش، ولن تنتهي هنا، وهذه البداية تحيُّزٌ لمطالب ثورة يناير العظيمة التي رفعت كلمة (عيش) كأول شعار لها.
إن معركتنا مع الانقلاب ومع النظام الغاشم تبدأ من هنا، تماما كما يبدأ أي (دور شطرنج) بأكل عسكري، وهذا ليس إهمالا لأهمية أن تأكل الفيل والحصان والطابية والوزير.
نحن نبدأ بلقمة العيش، ولكن تأكدوا أننا سنصل قريبا جدا إلى مرحلة (كش ملك) !
لهؤلاء الذين لا يفهمون لعبة الشطرنج أقول "العبوا بطريقة رمي الزهر، العبوا بطريقة عشرة طاولة، ولكن لا تلوموا الآخرين لأنهم ليسوا مثلكم، لا تلوموا الآخرين لأنهم لم يتخذوا الوسائل نفسها التي تتخذونها.
نحن نتفق في هدف استراتيجي هو إعادة المسار الديمقراطي وإسقاط حكم الاستبداد، ولكننا نختلف في كيفية تحقيق هذا الهدف، وهذا أمر من المفترض أن تتسع له صدورنا".
ليس معنى استمارة جوَّعْتونا أن شباب بيان القاهرة يتخذون الأزمة الاقتصادية ذريعة لإثارة الناس ضد النظام، بل هم يؤمنون بحق الناس في حياة كريمة، وهم صادقون تماما في وقوفهم مع البسطاء من أجل لقمة العيش، وهم يعرضون أنفسهم لأخطار جسيمة بسبب وقفتهم تلك.
لقد بدأت البلاغات ضد بيان القاهرة، وضد حملة جوَّعْتونا، والتهم كلها جاهزة، تهم لا أساس لها، وأستغرب من هؤلاء الذين تقلقهم استمارة جوَّعْتونا ولم تقلقهم استمارة "تمرد".
يبدو أن استمارة "تمرد" كان وراءها من يحميها ...!
من المؤسف أن يدار المشهد بهذه الطريقة السخيفة، ومن المؤسف أن يتصدر لإدارة المشهد أناس بهذا القدر من تواضع الذكاء.
إنهم يلقون التهم جزافا، ثم يرمون الشرفاء في السجن بناء على هذه التهم، (ولو راجل اثبت براءتك) ...!
ونحن نقول لهم إننا على استعداد كامل لدفع ثمن الوقوف مع الناس، وعلى استعداد كامل لدفع ثمن الدفاع عن لقمة عيش الناس، ولن نخاف منكم، وسنقيم دولة العدل، وسنعطي الشعب حقه في لقمة العيش الكريمة، وفي الكرامة والعزة.
كلمة عن غزة : بطولات المقاومة الفلسطينية وضعت غالبية الأنظمة العربية في الدرك الأسفل من بئر الخيانة !