عندما توقف إسرائيل النار ...
د. هاني العقاد
اليوم الثامن للحرب على غزة , تلك الحرب الانتقامية المجرمة التي استهدفت الكل الفلسطيني وكانت حربا ضد المدنيين بامتياز قصف البيوت على رؤوس ساكنيها , قصف المزارع و المساجد و المصانع وكل ما يخطر ببال جيش الاحتلال الذي يركب الطائرات الامريكية الصنع و يختبئ داخل دبابة الميركفاه التي تعتبرها اسرائيل الدبابة المتقدمة رقم واحد بالعالم, ويراقب شوارع غزة بطائرات الاستطلاع المزودة بصواريخ فتاكة مصنوعه من الدايم الكربوني المدمر , اليوم الثامن للحرب قتلت اسرائيل سبعه مدنين فلسطينيين ودمرت ما يقارب عشرة منازل , لترفع بذلك حصيلة العدوان الى 194 شهيد واكثر من 14000 جريح ,وهدم اكثر من 500 منزل , وهذا ما يرفع معاناة والم الفلسطينيين على اختلاف تواجدهم ليس في غزة فقط بل في كل انحاء العالم لان الدم الفلسطيني واحد والجسد الفلسطيني جسد واحد اذا تألم منه عضو تداعت له باقي الاعضاء بالحمي و السهر و الالم , اليوم الثامن هو اول يوم يحاول العالم عمليا وقف الحرب المجنونة دون اكتراث لباقي متطلبات وضمانات وقف هذه الحرب .
اجتمع الكابينت الاسرائيلي المصغر وهو مجلس الحرب الصهيوني المجرم وبالتصويت قرروا وقف النار ولم يوقفوا الحرب على غزة وحددت الساعة التاسعة صباحا لوقف اطلاق النار من جانب واحد استجابة حسب ادعائها للمبادرة المصرية التي لم تناقشها فصائل المقاومة ولم تصل اليها بعد , وهذا لم يكن غائبا عن ذهن المراقبين والمتابعين لسير العمليات العسكرية الاسرائيلية و الانزلاق الذي سقطت فيه اقدام اسرائيل , فقد تكون اسرائيل وجدت الفرصة الذهبية التي توقف بها اذلال كبريائها وانقاذ كرامتها امام العالم الى حين تنفيذ خطة اخري للانقضاض المفاجئ على المقاومة وتخلصها من صواريخها وتحقيق نصر ولو معنوي لجيشها واعادة له الهيبة بعد ان وضعت المقاومة الفلسطينية رأس هذا الجيش في الوحل , واعتقد ان اسرائيل كانت تنتظر قبل 24 ساعة مثل هذه المبادرة لأنها استنفذت كامل قوتها في العمليات الجوية فلم تترك شبرا من غزة الا وكان تحت النار والمراقبة الالكترونية , واخذت تتردد في استكمال وتوسيع عملياتها برا خشية ان تقع في مصيدة المقاومة الفلسطينية وتكون ذهبت الى نارها بقدميها وبدأت عملياتها تأخذ اسلوب الاصطياد لتصطاد المقاومين الفلسطينيين, وما يؤكد هذا انه لوحظ انخفاض مستوي قصف البيوت المدنية حسب عقيدة الانتقام الاسرائيلية و سياسة تدفيع الثمن .
دكت صواريخ المقاومة كل المدن في ارضنا المحتلة من الجنوب الى الشمال حتي نهاريا و ايلات التي تبعدان اكثر من 200 كيلو متر عن غزة, و لم تعهد اسرائيل مثل هذه المواجهة من قبل فقد اصبحت كامل مدنها ومستوطناتها في مرمي النار الفلسطينية بالرغم من تحصيناتها العسكرية و بالرغم من القبة الحديدية التي نصبت بطارياتها في كل مكان والتي عجزت عن صد هذه الصواريخ وما تمكنت من اعتراضه فقط ما نسبته 5% من عدد الصواريخ التي سقطت على راس اسرائيل , للمرة الاولى في تاريخ دولة الاحتلال تصل النار تل ابيب المدينة التي تقول عنها اسرائيل انها مدينة لم تري النار بعد العام 1948 وهذا ما جعل اسرائيل تشعر ان كبريائها اصبح في الوحل , وللمرة الاولى التي يشعر فيها مواطني اسرائيل ان قدرة دولتهم العسكرية على حمايتهم تساوي 5% فقط دون ملاجئ , وقدرة حمايتهم في المستقبل سوف تتناقص ,دون ان تدرك قيادتهم السياسية انهم لن ينعموا باي استقرار ما دم الفلسطينيين محرومين من حقوقهم وتتعامل معهم اسرائيل على انهم شعب بلا حقوق وتصادر حقهم في تقرير مصيرهم واقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس .
قد لا تنجح محاولة وقف الحرب على غزة دون الاستجابة للشروط المقاومة حتى مع محاولة اسرائيل وقف النار من طرف واحد للتملص من تلبية شروط وقف اطلاق النار وانهاء الحرب بالكامل وتحقيق نصر للمقاولة ولكي تنقذ سمعتها وكبريائها وتحفظ ما تبقي لها من هيبة امام شعبها والعالم دون أن تعطي الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ,ودون ان ترفع الحصار عن غزة وتسمح بدخول ما يحتاج الفلسطينيين من مواد بناء وطعام ومواد خام للصناعات المحلية ,ودون ان تسمح للفلسطينيين بالعيش بالتساوي مع شعب اسرائيل , وقد لا تنجح اسرائيل في وقف صواريخ المقاومة التي لن تتوقف الا اذا حققت المقاومة الحد الأدنى من الطموح الذي يوفر لأهل غزة العيش الكريم والذي يمكنهم من النمو والتطور , لكن الواضح ان اسرائيل قصدت اقتناص مبادرة مصر لتوقف النار وكأن هذه المبادرة جاءت كالملح في الجرح ,ولكي تظهر اسرائيل انها صاحبة القرار في الحرب وصاحبة التفوق العسكري اعطت المقاومة 24 ساعة لتوقف الصواريخ وبعدها تقول اسرائيل ان ردها سيكون قويا على استمرار انطلاق الصواريخ من غزة في اشارة لتنفيذ الخطة الواسعة للحرب , وبهذا تقنع العالم ان الفلسطينيين لا يرغبوا في الهدوء و الاستقرار وكأنهم سيحصلون على دعم دولي لعملياتهم العسكرية القادمة.