«خريفُ» الائتلاف الوطنيّ السُّوريّ
د. محمد عناد سليمان
تعصف بـ«الائتلاف الوطنيّ السُّوريّ» في المرحلة الرَّاهنة عمليَّة كسر العظم بين فريقين أساسيّين فاعلين فيه، بعدما كانت دفَّته الانتخابيَّة تسير نحو تثبيت فوز السِّيد «موفق نيربيَّة» في انتخابات رئاسة «الائتلاف». إلا أنَّ الرِّياح جرت على غير ما يشتهي هو وزمرته بعد اتفاق غير متوقَّع بين «السَّيِّد الرَّئيس» كما يحب أن يُنادى «أحمد الجربا» وكتلة السِّيد «مصطفى الصَّباغ» ليصعدَ السِّيد «هادي البحرة» إلى الرِّئاسة بعد إعادة الانتخابات و«رشرشة» ما جرت عليه العادة من مال سياسيٍّ بمغلَّفات اعتاد كثير من أعضاء «الهيئة العامَّة» على لونها ومقدارها.
ومَّما لا شكَّ فيه أنَّ بعض أعضائه يرون أنَّ معركتهم السِّياسيَّة لا تتجاوز حدودها مضمار الانتخابات «الائتلافيَّة»، ولا شأن لهم بما يُسمَّى «الثَّورة السُّوريَّة» ومعاناة الشّعب السُّوريّ إن في الدِّاخل، وإن في الخارج، ظهر ذلك جليًا في الهجوم العنيف من قبل السِّيد «ميشيل كيلو» على المهزلة الانتخابيَّة التي جرت مؤخَّرًا، والتي كانت صفعة قويَّة له من حليف كان يعدُّه استراتيجيًا وهو السَّيِّد «فايز سارة».
لكنَّ الأمر الذي لا مرية فيه ولا جدال، أنَّ «السِّيد الرئيس» هو مرشَّح الكتلة التي يترأسها «ميشيل كيلو»، أي أنَّه وكتلته من يتحمَّل المسؤولية الكاملة عمَّا حديث وسيحدث في مسيرة «الائتلاف الوطنيّ السُّوريّ»، الذي أصبح عبئًا على «الثَّورة» وشعبها.
وكنَّا سابقًا واستجابةً لكثير من طلبات الأصدقاء نلتزمُ الهدوءَ والتَّخفيف من حدَّة هجومنا ونقدنا لهذه الجسم السِّياسيّ الذي يرى فيه كثيرون مظلَّة لـ«لثَّورة السُّوريَّة»، ظنَّا منهم أنَّه ربما يقدِّم شيئًا لمعاناة أهلنا، أو يجد حليفًا استراتيجيًّا لـ«لثَّورة» ينقذها مَّما وصلت إليه.
إلا أنَّ الواقع يلزمنا أن نقرَّ وبوضوح عجزَ هذه «المؤسَّسة» في نهجها السَّابق، وبشخوصها عن تلبية أدنى المستلزمات الضَّروريَّة التي يحتاجها الإنسان السُّوريّ في بلاد التَّشرُّد واللُّجوء، فضلا عن فشلها السِّياسيّ الذي أصبح عنوانًا لها في كلِّ محفل وميدان.
وأشيرُ إلى أنَّ «الائتلاف» منذ أن كان فكرة في الأذهان، استُشرنا فيه، وقلنا حينها: «إنَّه سيؤول إلى الفشل»، ولم يكن ذلك تنبُّؤًا منَّا، أو تكهُّنًا، وإنَّما استقراء لما عليه الواقع؛ لأنَّ الشُّخوص ذاتها التي كانت سببًا في فشل «المجلس الوطنيّ» ستجعلُ من نفسها نواةً لهذا الجسم الجديد، إذ المشكلة ليست في المسمَّيات؛ بل في الشُّخوص التي تمثِّل وتكوِّن هذه «المسمَّيات».
ولن تقف عجلة «الائتلاف» عند حدود ما نراه الآن، من مناوشات ومقارصات كلاميَّة، وكشف المستور، وسرْد الخفايا، ونشر الأسرار التي بدأت تتبلور على شكل ضربات وصفعات تمسُّ بعض الأشخاص دون غيرها؛ بل ستتحوَّل إلى«استراتيجيَّة» عمل، قد تدفع بعض الأطرف إلى اتِّخاذ خطوات عمليَّة قد تكون كارثيَّة، أو تكون الضَّربة القاضية في نسف هذه «المؤسَّسة» ودكِّها من أصلها، كأن يمنح السَّيِّد «هادي البحرة» رتبة «فريق ركن» للسِّيد «الجربا» الذي يواصل الليل بالنَّهار لتشكيل «القوَّة العسكريَّة» التي يحلم بها.
ونوضِّح لكثير من الأصدقاء الذي يدافعون عن هذه «المؤسَّسة»، بحجَّة أنَّها أخذت اعترافًا دوليًا، أنَّ هذا الاعتراف لم يتجاوز حدود الأخلاق، وليس اعترافًا قانونيًا، ولا قيمة له، ولا وزن له في الأعراف «الدّبلوماسيَّة»، إلا ما يراه بعض أعضائه من مصالح ومكاسب شخصيَّة.
إضافة إلى أنَّ «الائتلاف» لم يكن يومًا يمثِّلُ «الثَّورة» في أدنى مستوى لها، أو يحاول أن يعيش همَّها وغمَّها، وكان صراعه منصبًّا على تحقيق منصب، أو كرسيّ لصالح «كتلة» أو «فريق» فيه؛ بل إنَّ غالبيَّة اجتماعاته كانت لمناقشة «المحاصصة» و«التَّوافقيَّة»، ولا يتطرَّق إلى أمور «الثَّورة» إلا بما يتيسر من كسب مالٍ ووضعه في الجيوب.
والظَّاهر أنَّ «الائتلاف» يسير نحو السُّقوط، ولا بدَّ من إيجاد «مجموعة عمل وطنيَّة» بعيدة عن «التَّمثيل»، و«الانتخابات»، لأنَّ الشَّرعيَّة الحقيقيَّة لـ«لثَّورة» هي شرعيَّة العمل والإنجازات، خاصَّة بعد ما وصلت إليه الحالة الاجتماعيَّة السُّورية من عدم اتِّفاق، واعتمادها رفضَ الآخر، وتعمُّد إقصائه.