هل يمكن التنازل عن عودة الرئيس محمد مرسي؟

بدا من كلام السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية ـ كما أسموه ـ مدى الورطة بل الأزمة الشديدة التي يعيشها حاليا، وما كان تهديده المبطن والضمني للشعب المصري إلا تعبيرا لا شعوريا عن الإحساس الخانق بوطأة هذه الأزمة (فقد أتى كلامه في سياق كونه ميكانيزما أو حيلة من حيل الدفاع النفسي).

وقد يتساءل البعض: لماذا لا يقبل الإخوان بحل وسط فيتنازلون عن عودة الرئيس مرسي، ويذهب ليعيش في المنفى معززا مكرما (كابن علي؛ الفار من تونس!) ويقبل أسر الشهداء بالدية، ويطلق سراح المعتقلين ويأخذون هم والضحايا تعويضات مالية مجزية عما لحقهم من أذى، وتُطوى هذه الصفحة إلى الأبد؟ وفي المقابل يمكن أن يتنحى السيسي ويأتي رئيس مدني جديد من خلفية عسكرية ـ أو تحت وصاية عسكرية ـ وينسحب العسكر من الشوارع، وتُجرى انتخابات مجلس الشعب,  ويشارك فيها الإخوان وبقية القوى، وتأتي حكومة جديدة، وتسير العجلة وننسى هذه الأعوام الخمسة التي لم تأتِ إلينا بخير!

يعني باختصار نعود إلى ما قبل 25 يناير 2011م ولكن بغير مبارك وبغير مرسي، بل نعود بحكم عسكري مغلظ للدولة، ولكن بشكل مبطن حيث يكون شكل الحكم مدنيا دستوريا، وفيه أغلبية ومعارضة، ولا مانع حتى من أن تكون معارضة إسلامية قوية نواتها الصلبة الإخوان، بل لهم كذلك أن يترشحوا بنسب مقننة في المحليات والنقابات ... وتهدأ الأوضاع، وتستقر الأمور، وتدور عجلة الحياة والإنتاج!

طبعا لا يروِّج لمثل هذه الخطة الوهمية للتصالح المزعوم إلا عشاق البيادة؛  فمشكلة مصر الحقيقية ليست الإخوان ولا مرسي ... هذه مجرد فزاعة يرفعها العسكر لتخويف بسطاء الناس، وإثارة الفزع لدى أوساط شرائح عدة لا تقبل بالإخوان في الحكم، مثل: العلمانيين، والليبراليين، والماركسيين، والأناركيين، والفنانين، ومسيحيين ... إلخ.

مشكلة مصر الحقيقية في القهر والبطش والجبروت والجهل والتخلف والمرض والفساد الذي يفرضه حكم العسكر على البلد وأهلها منذ عقود طويلة.

ثم إن الرئيس الدكتور محمد مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد الذي انتخبته الأغلبية، ومن حق ملايين المصريين الذين انتخبوه أن تُحترم إرادتهم.. هذه أبسط قواعد الديمقراطية الحقيقية التي نسعى إليها، والرئيس الشرعي (مرسي) ليس ملك نفسه ولا ملك الإخوان، وليس من حقه ولا من حق الإخوان التنازل عن عودته لأنه رمز للشرعية ورمز لثورة يناير، بل هو أهم إنجازاتها ... وإلغاء هذا الإنجاز والتنازل عنه هو إلغاء لثورة يناير وتنازل عنها، ووأدٌ لأحلام المصريين في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

إن الأموال لن تحل مشكلة الدماء البريئة التي سفكها العسكر والتي يهدد السيسي بالمزيد من سفكها ...، ثم من يحمي هذا الشعب الأعزل من بطش أي عسكري آخر؟ ... من يضمن لنا في المستقبل ألا يتواصل أي عسكري آخر يطمع في السلطة مع قوى محلية وإقليمية ودولية ـ كما فعل السيسي ـ ويخطط للانقلاب على الرئيس الجديد الذي سننتخبه في أية انتخابات حرة نزيهة بعد ذلك؟

أجل من يضمن في المستقبل ألا يبيد العسكر آلاف المصريين الأبرياء مرة أخرى إن هم طالبوا بأي حق من حقوقهم في أي وقت وفي أي مكان؟

مشكلة مصر الحقيقية ليست بين العسكر والإخوان، بل بين العسكر والشعب المصري كله ... ومرسي هو رمز للشرعية التي يتحصن بها شعب مصر الآن ليحمي نفسه من بطش وغدر العسكر في أي وقت من الأوقات.  الخلاصة أنه لا يمتلك أحد في مصر التنازل عن عودة الشرعية التي هي عودة الرئيس محمد مرسي ... لا الإخوان ولا حتى مرسي نفسه ... لابد أن يتفهم شرفاء مصر في الجيش والمخابرات وفي كل مكان هذه الحقيقة ويتصرفون على أساسها.. ولعل رسالة الأستاذ يوسف ندا الأخيرة في هذا السياق قد وصلت للمعنيين بها الذين طلبوها منه.

 والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.