تراجع الخطاب الثوري
كان الخطاب السياسي الثوري في بداية الثورة يساير الثورة في معظم مراحلها ، بل ربما في كثير من الأحيان كان يسبقها ، و برزت عدة شخصيات ثورية أعطت وجها ناصعاً للثورة السورية بعيداً عن انتماءاتهم و إيديولوجياتهم المختلفة .
لكن ما نشاهده في الآونة الاخيرة ، على شاشات التلفزة ، شيء مخزي فعلاً ، و كأن الثورة أصبحت في واد و المتحدثين باسمها في واد آخر ، سواء أكانت هذه الوجوه من الوجوه القديمة ، أم ظهرت مع ظهور المرحلة الجديدة للثورة.
و اليوم مع الأسف عندما نستمع للوجوه الإعلامية الثورية ، تظن نفسك تستمع لمسؤول أمريكي ، و ليس لمواطن سوري ثائر ، خلفه ملايين الضحايا و ملايين الفاقدين لأطرافهم و ملايين المشردين و ملايين المهجرين و ركام وطن بأكلمه.
لا شك أن السياسة تعتمد بالأساس على المسايرة ، و في كثير من الأحيان تضطر لأن تكذب على عدوك و صديقك ، لكن لست مضطراً لأن تكذب على نفسك و أنت - في مرحلة - أوهن ما خلق الله على الأرض ، علماً أن السياسي يستطيع أن يكذب على نفسه ، لكن هذه الحالة الإستثنائية لا تنطبق إلا على حالة المجرم بشار الأسد ، و الذي يكذب كل يوم على نفسه ألف مرة ، لكنه يوقن أن العالم بأجمعه ، مجبر على تصديقه ، لأنه يعرف في حقيقة نفسه أن العالم كله بشرقه و غربه بشماله و جنوبه يتوحد و يتكاتف من أجل أن لا يسقط ، لا بل من أجل أن يبقى رئيساً حياً أبدياً.
لكن في حالة سياسيي ثورة كما في حالة الثورة السورية فإن الكذب على النفس سيجعل الموقف أكثر من مخجلاً و مخزياً بالنسبة للآخرين و الذين هم بالأساس لا يرونك و لا يرون ثورتك و لا يرون وطنك سوى موجة غبار عابرة.
فمنذ أن طفت كذبة الحرب على داعش و على الإرهاب ، في سوريا ، انقلبت مقدمات الترحم على الشهداء إلى البدء بالفاتحة الإعلامية بالحرب على داعش و النصرة ، و بدون أي مبرر .
فالسياسي الثائر يجب عليه أن يتبنى فكر الثورة ، و ليس الفكر الأمريكي ، عليه أن يمثل الشعب السوري ، سواء أرضيت أمريكا أم تنطح رأسها بالحيط ، فنحن لا نملك شيئ نتغلب فيه على أمريكا إلا مبادئنا الثورية ، أما بالسياسة و بالعسكر و بالسلاح فلا مجال للمقارنة مطلقاً.
فقوتنا بمدى ارتباطنا بشعبنا بثورتنا بمبادئنا ،و و من ثم يمكن ان نساير و نجامل، و ليس أن نساير و نجامل على حساب مبادئ و مصير شعبنا، يجب علينا جميعاً كسوريين أن نوحد أفكارنا قبل كل شيء .
و على الإعلاميين تبني أفكار و مواقف شعبهم ، بحلوها ومرها بسوداويتها و نصاعتها ، و أن يكونوا واقعيين و منطقيين ، و إلا انفصلوا عن الشعب و عن الثورة و عن الواقع ، من أراد أن يسمع لنا فليسمع ، و من لا يريد هذه هي حقيقتنا ، فالأيام الأكثر سواداً مرت و الآلام الأكثر مرارة اجترعناها ، و لم يقف معنا أحد ، ولم يساعدنا أحد ، و لم يعطف علينا أحد ، فلماذا نكذب على أنفسنا قبل أن نكذب على الآخرين.
يجب علينا أن نقول للعالم ، إن هناك ثلة قليلة من الشعب السوري تقف مع داعش ، و هناك من يقاتل معها ، بقناعة و بدون قناعة ، و على مبدأ المثل الشعبي الغير محبذ (جكارة بالطهارة ....)فما بالك كما في حالتنا السورية (جكارة بالنجاسة.....).
و ما لنا و مال القاعدة، القاعدة في سوريا اليوم معظم أبنائها من السوريين . و القاعدة في سوريا حتى اليوم لم تقدم إلا كل ما هو خير للثورة بالنسبة لنا كسوريين ، و لا يهمنا موقف أمريكا و لا العالم كله ، و أمريكا و العالم لم يقدم لنا سوى الموت .
و الشعب السوري لم يؤيد هذا و ذاك لأنه هو كذلك ، لكن أنتم يا من تدعون محاربة داعش و القاعدة أجبرتم الشعب السوري على الدخول إلى تلك الأبواب ، عندما أغلقتم بوجهه كل أبواب العيش و الحياة ، و لم تتركوا أمامنا سوى أبواب الموت و تلك الأبوب مفتوحة، و الشعب السوري مستعد لكي يتعاون ليس مع القاعدة ، و إنما مع الشيطان ، في سبيل الخلاص من إبليس الإنس المتمثل بالمجرم بشار و عصابته.
فطريق الشعب السوري واضح ، و هدفه محدد ، و ما دون ذلك لا يعني لنا شيئاً في الوقت الحاضر.
أما لو سألتمونا ماذا بعد بشار ، بعد بشار كل شيء سيغدو سهلاً - و سيحل بإذن الله - و لكن أنتم من تضعون العصي في عجلات الثورة و عجلات الحاضر و المستقبل لاو لسنا نحن.
فالشعب السوري عندما يعود إلى وطنه ، و يطرد كابوس الموت الذي لطالما لاحقه ، و ينفض غبار الغربة عن كاهله ، ستعود الحياة و تتدفق حتى في الركام و في الرماد ،و ستهاجر كل الأفكار الغريبة التي استغلت ضعفه و وهنه و هاجمته على حين غرة.
وسوم: العدد 627