المجازر وسيلة الأسد المفضلة للبقاء
إضافة إلى كونها منهجاً وحشياً للترويع بقصد إنهاء الثورة، فقد كان للمجازر، التي قام بها النظام السوري على مدى 53 شهراً أهداف سياسية وعسكرية نستطيع أن نتميز فيها ثلاث نقاط علام:
الأولى تمثلها مجازر ريف درعا الأولى التي كان هدفها وقف الحراك المعارض، وامتدّت إلى بلدات ومدن وقرى كثيرة بينها بانياس والبياضة وقرية «رسم النفل» بريف حلب وبلدة «جديدة الفضل» جنوب دمشق، وداريا في ريفها، وساحة مدينة حمص، وكانت ذروتها الكبرى هي مجزرة الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق بتاريخ 21 آب/أغسطس 2013 والتي قامت خلالها قوات من اللواء 155 في منطقة القلمون باستهداف مناطق الغوطة الشرقية وزملكا وعين ترما وعربين والمعضمية، على مبعدة 5 كيلومترات من الفندق الذي يقيم فيه المفتشون الأمميون حينها، وقتل خلالها ما يزيد عن 1400 شخص بينهم 423 طفلا.
والثانية هي المجازر التي قام بها النظام وحلفاؤه لتطهير حوض نهر العاصي من القرى والبلدات ذات الأغلبية السنّية كخطوة استباقية في حال اضطرّت قوّات النظام للانكفاء ضمن إطار جغرافي لدويلة علوية في الساحل، حيث جرى تطهير طائفي لكافة البلدات والقرى غرب خط العاصي مما أدى إلى مجازر كثيرة أهمها في التريمسة والحولة القبير وحلفايا.
ويمكن تأطير هجوم قوات «حزب الله» اللبناني الشهير على مدينة القصير ضمن برنامج التطهير هذا، إضافة إلى إمكانية استدخاله في أجندة الحزب الخاصة الهادفة للسيطرة على خط الحدود بين سوريا ولبنان و»تنظيفه طائفيا» وهو برنامج ما نزال نشهد فصوله تتوالى في حصار الزبداني، والذي كشفته خطة إيران لإجلاء سكانها وتوطين سكان قريتين شيعيتين تحاصرهما المعارضة في محافظة إدلب بدلا منهم.
المرحلة الثالثة تتمثل في مجازر النظام السوري الأخيرة في درعا وإدلب ومؤخرا في ريف دمشق، والتي يحاول فيها إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى بين المدنيين من خلال استهداف المناطق المزدحمة والأسواق والمستشفيات الميدانية وإعادة الإغارة للإيقاع بأعداد أكبر من المسعفين، وهذه المرحلة تحاول إرسال رسائل كبرى للمجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في الأزمة السورية.
يستخدم الرئيس السوري بشار الأسد هذه المجازر الجديدة باعتبارها ضربات يسددها كمركز فاعل بالتنسيق مع حليفيه الرئيسيين، روسيا وإيران، حيث أنجدته الأولى مؤخرا بعدد من طائرات الميغ وبإمدادات جوّية «إنسانية» عاجلة، فيما اندفعت الثانية إلى تقديم «مبادرة» سياسية لإنقاذ النظام وإعادة تدويره، بعد أن استردّت أنفاسها إثر معركتها السياسية الكبرى لإنجاز الاتفاق النووي واستعادة ملياراتها المصادرة ورفع العقوبات الكبيرة عن اقتصادها.
المجازر الأخيرة، بهذا المعنى، هي ضربات موجهة نحو السعودية بعد إعلان وزير خارجيتها عادل الجبير من موسكو الرفض التامّ لمشاركة الأسد في أي حل سياسي، ولتركيا التي بدأت حربا على «حزب العمال الكردستاني»، وهو حليف موضوعي للأسد، يتلقّى، كما تؤكد مصادر عديدة، الدعم المالي والعسكري من إيران، كما أنها عقوبة لأنقرة على اشتغالها على إنشاء «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية، كما أنها ضربات للتحالف الدولي والعربي الذي لم يذعن، لـ«المبادرات» والضغوط السياسية الروسية والإيرانية، لاستبقاء الأسد على رأس السلطة خلال «المرحلة الانتقالية» التي تحدثت عنها آليات «جنيف 1».
المجازر الأخيرة إذن هي ورقة روسيا وإيران والنظام السوري لإعادة الأزمة السورية نحو مبتدئها الأول الذي قامت لأجل إنجازه: إسقاط نظام الاستبداد السوري، في استعادة لأسلوب الأسد المفضل في التعامل مع شعبه: القتل، فإذا لم ينفع، فالقتل أكثر فأكثر.
المفارقة هنا أن وسيلة الأسد لإقناع العالم والسوريين بضرورة بقائه هي نفسها التي أفقدته كامل شرعيته السورية والدولية وحوّلته إلى استعصاء وجودي لا يمكن لسوريا أن تفتح صفحة جديدة في تاريخها قبل أن تزيحه.
رأي القدس
وسوم: العدد 629