هل يؤله العلويون حافظ الأسد
كثير ما كان الناس يسألون هذا السؤال بعدما رأوا من عبارات الشتم للذات الإلهية والأفعال التي كان يمارسها الشبيحة من إجبار الناس على السجود لصور حافظ وابنه أو تحريفهم لآيات القران الكريم وإنزال اسم حافظ الأسد مكان الله ...
من حيث الأصل الديني في العقيدة النصيرية فإنه لا يوجد في العقيدة النصيرية ما يمنع من تأليه الأشخاص سيما أن هذه العقيدة في أساسها قامت على تأليه علي بن ابي طالب وذريته من بعده، وقد حوت المصادر النصيرية الدينية كثيرًا من النصوص التي تثبت ذلك وتسوغه فقد جاء في أقدم المصادر الدينية النصيرية وهو كتاب الاسوس الذي يزعم النصيريون قدسيته قول الله يخبر عن نفسه:
"إذا جئتكم جائعًا فاشبعوني و إذا جئتكم عريانًا فاكسوني ، إذا تصورت لكم بهذه الصور فلا تنكروا أني ربكم ، فإني تصورت كيف شئت ، في صورة جائع وفي صورة الأغنياء وفي صورة الأولاد وصورة الأغر وصورة الرجل وصورة النساء وصورة الصبيان، كذلك أتيت إبراهيم فظن أني جائع وأنا خلقت الجوع وأتيت لوطًا فظن أني عاجز وأنا خلقت العجز وأوهمت موسى أني أتصدق وأنا خلقت الصدقة ، فلا يذهبك أيها السائل إذا رأيت لا تعتبن على ربك ولا تقل لا ينبغي أن يكون كذا وكذا ، فهذا من لطف الصانع وعجائب الرب ... يقول الرب لنفسه : أنا عبد ، ويتجاهل ويظهر الموت، ويستقيم أن يقول أنا عبدكم ويستقيم أن يقول أنا أظهرت نفسي عبدًا ...."
وكذلك يعتقد النصيريون أن المعنى (الذات الإلهية) الذي يظهر بشرًا في صورة بشر بين خلقه في الارض يظهر ظهورًا يدعونه (ظهور الإفراج) في صور الأئمة الشيعة حيث يزيل المعنى صورة الامام ويظهر كمثله وقد تكرر هذا الظهور بعد غيبة علي بن ابي طالب عشر مرات في صورة الأئمة من الحسن بن علي حتى الحسن العسكري فكان الامام ظاهرًا بشرًا وباطنًا هو (الله)، وقد يتمازج صاحب الصورة المُزالة (الامام) مع غيره من البشر فيقوم هذا الغير كمثل الله كما ادعى أبو الخطاب محمد بن ابي زينب مطلع خلافة ابي جعفر المنصور بأن جعفر الصادق ظهر ونطق من خلاله بالألوهية عندما نادى من على مئذنة جامع الكوفة: أنا ربكم الأعلى. فقتله عيسى بن موسى العباسي كما ذكر ابن الأثير في تاريخه وشيخ الطائفة الخصيبي في رسالته. وقد تكررت دعوى أبي الخطاب فيما بعد عندما ادعى محمد بن نصير أن محمد بن الحسن العسكري قد غاب وظهر به وقال لاتباعه: ليس ورائي لطالب مطلب. أي أنا الغاية التي تطلبونها...
وقد حوت العقيدة النصيرية الكثير من النصوص الدينية التي تؤصل لهذا المعتقد من تأليه البشر من مثل ما يذكره المفضل الجعفي عن جعفر الصادق –بزعمه-من أن جعفر الصادق قال له:
" ازدياد المعرفة يكون بإقرار المؤمنين بكل ما ورد اليهم من المعنى الذي أقروا بوحدانيته واسمه وبابه ومقرين بكل ظهوراته التي دعاهم بها اليه حتى ولو ظهر لهم أعجمي أو نبطي قبلوه أو ابيض أو اسود كما ظهر لهم في الطفولة في القبة المسيحية يخبر بنفسه ويوضح البيان ... ولو أتاهم ذلك الشخص الذي أقروا بمعنويته بتحريم ما أحل لهم وتحليل ما حرم عليهم ودعاهم إلى كل ملة وشريعة وأظهر مثل الزنار (راهب) وحلق وسط الرأس (مجوسي) ... قبلوه وصدقوه وعلموا أن ذلك كله منه وله وفيه وإنما هو اختبار فكلما سلموا وصدقوا ازدادوا رفعة وعلوًا ومعرفة وصفاء ..." ومعنى هذا أنه لو ظهر أي شخص واظهر للناس العلم والقدرة والمعاجز التي يعجز عنها البشر العاديون لكان ذلك من دلائل إلوهية هذا الشخص وأنه أحد ظهورات المعنى. وعلى مثل هذه النصوص والاعتقادات ألهت طائفة من النصيريين مطلع القرن العشرين سلمان المرشد وتبعته بعد أن أظهر لهم بعضًا من الأعمال والأفعال التي كان في ظاهرها أنها معاجز وخوارق كإخراجه العسل من الأرض ولمعان شخصه في الظلام بفعل الفوسفور الذي كان يطلي جسده به.
ان ما ادعاه المرشد من ألوهية ليس أمرًا مستغربًا في العقيدة النصيرية، فمبادئها وأصولها تسمح بمثل ذلك أساسًا، فأصولهم تقول: أن الله يظهر كيف شاء ومتى شاء، فاذا ظهر جاء بالمعجزات والدلائل التي تؤكد معنويته (إلوهيته)، فإذا أظهر الله وهو متمثل بشرًا العلم والقدرة للبشر وجب عليهم تصديقه والإيمان به وطاعته في كل ما يأمرهم به حتى ولو كان مخالفًا لما اعتادوا عليه من الدين. وسلمان المرشد قد جاء بدلائل كثيرة كالتي ذكرناها آنفًا -أثبتت لدى من اتبعه إلوهيته وأنه رب، وزاد عدد اتباعه في زمنه عن الخمسين الفًا وبقيت نحلته قائمة وموجودة حتى زمننا هذا مما يدل على عمق الاعتقاد بهذا الأصل وأنه تيار عام في الطائفة وليس فعلًا شاذًا أو استثنائيًا. والذين عادوا المرشد من مشايخ النصيريين وكذبوه ولم يصدقوه في دعواه كان دافعهم في ذلك الحسد والغيرة وليس بسبب بطلان مزاعمه، فهو أقام الدلائل على دعواه بحسب ما تقتضيه العقيدة النصيرية. ومعلوم أن حافظ الأسد قدم للعلويين أكثر بكثير مما قدمه المرشد لأتباعه وفاقه في ذلك، وبما أن قدسية رجل الدين عند العلويين تتحدد بمقدار ما يظهره من خوارق وكرامات، فان حافظ الأسد فاق سلمان المرشد في هذا الجانب.
لا يمكن الجزم أن النصيريين بمجموعهم كلهم يؤلهون حافظ الأسد، ولكن من لم يؤله حافظًا فإنه رفعه إلى مصاف طبقة الكهنوت المقدسين من مشايخ النصيريين من الطبقة الأولى يدل على ذلك تلك الصور التي انتشرت وهي تظهر مشايخ الطائفة وبينهم حافظ الأسد كواحد منهم.
اما الذين ألهوا حافظًا وساروا بهذا الاتجاه فقد ظهرت نزعتهم تلك منذ أيام حافظ الأسد وترجموا عقيدتهم تلك إلى شعارات وأفعال، فمثلًا ردد عناصر اللواء 81 مطلع التسعينيات وبإشراف قائد اللواء العلوي علي أسعد في أحد احتفالات ذكرى الحركة التصحيحية: "يا الله حلك حلك حافظ اسد محلك". وقام أحد فروع حزب البعث (فرع اللاذقية) بصنع سجادات للصلاة مزينة بصورة حافظ الأسد ربما انطلاقا من قاعدة دينية في العقيدة النصيرية تقول: من عبد ما لا يُرى فقد عبد وهمًا. وما كنت أعبد ربًا لا أراه.
وهناك مقطع صوتي لعلوي اسمه حسن حسن بثته الفضائية السورية يقول فيه:
اسألوا ابائي اسألوا جدي
اسألوا نسبي اسألوا الشموخ اسألوا الواحد الأحد
اسألوا ماشئتم فأنا البعث ديني وربي بشار الاسد
وأفضل الشواهد على هذه الفكرة (تأليه حافظ) رآها معظمنا وعاينها هو تلك الصور التي انتشرت لحافظ الأسد وهو يظهر في القمر. ومعلوم أن غالبية نصيرية سوريا هم من الكلازيين مؤلهي القمر إذ يعتقدون أن صورة القمر هي صورة المعنى علي بن ابي طالب وفيها محتجب، لدرجة أنهم ارتكبوا جرائم قتل بحق المسيحيين في الستينيات من القرن الماضي عندما عرفوا أن إخوانهم الأمريكيين نزلوا على القمر انتقامًا لما زعموا من تدنيس المسيحيين للقمر معبود العلويين الكلازيين
وهذه الحادثة –الهبوط على سطح القمر-كانت مثل القاصمة في وقتها على عقائد الكلازيين التي استغلها الحيدريون ضدهم مما استدعى مشايخ الكلازيين أن يؤلفوا فيها دفاعًا عن معتقدهم وعن القمر إلى درجة أن شيخ العلويين في عصره الشيخ سليمان الأحمد شارك في هذا الجدل دفاعًا عن القمر الذي هو صورة الأنزع البطين (علي بن أبي طالب).
فاذا علمنا مقدار ما للقمر من منزلة في عقائد العلويين -حتى أن كسنجر أهدى حافظ الأسد بعضًا من صخوره لعلمه بمكانة القمر في عقيدة حافظ-علمنا أن إلصاق صورة حافظ بالقمر ليس فعلًا عشوائًيا وإنما لا بد أن يكون في ذهن واعتقاد فاعليه أن حافظًا وصل إلى المرتبة التي تسمح باعتباره كمثل المعنى (الله) في الأرض وإلا لما كانوا قرنوا صورته بصورة القمر التي هي صورة الأنزع البطين علي بن ابي طالب.
وفيما روي لنا من بعض النصيريين قال أحدهم منتقدًا بعض بني دينه من النصيريين لأنهم يألهون حافظ الأسد-: ان هذه البدعة تم ترويجها من قبل بعض المشايخ بعد وفاة حافظ الأسد، وقد استشهد على صحة تأليه حافظ الأسد بعدد الضحايا أيام المظاهرات عندما كان يتم شتم حافظ الأسد
يستطيع العلويون أن ينكروا هذا أو يجعلوه فعلا شاذًا لا يعبر عن نهج ديني في عقيدتهم لكن سيكون عليهم تبرير مئات الأفعال والأقوال التي رأيناها عبر الاعلام وسمعناها: السجود لصور حافظ وابنه بشار. تحريف القران وإنزال اسم حافظ مكان اسم الله، السؤال المتكرر للشبيحة وأفرع الامن للمعتقلين (مين ربك؟) ... فكثرة الأفعال والأقوال وتكررها في مناسبات مختلفة يجعل منها قاعدة وليس شذوذًا.
وسوم: 637