ليس دفاعا عن الدكتور الهباش

جميل السلحوت

[email protected]

الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد في الودّ قضية، وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق مع قاضي القضاة  الدكتور محمود الهباش، فان الاعتداء عليه ومحاصرته في رواق المسجد الأقصى مساء الجمعة 27 حزيران 2014  أمر مرفوض تماما. وإذا كان من حق كلّ مواطن أن يعبّر عن رأيه ووجهة نظره بحريّة تامّة، فإن هذا لا يعني مطلقا بأنّ له الحقّ في سلب الآخرين حرّيتهم في التعبير عن آرائهم. والاختلاف في الرأي والحوار البنّاء أمر مطلوب ومفيد، وقد يوصلنا الى الحقيقة التي ننشدها، وعلينا أن لا ننسى بأنّنا ورثة حضارة تضمن الاجتهاد وحرّيّة الرّأي قبل التّشدّق بمصطلحات الدّيموقراطية وغيرها، فتراثنا الحضاري والانساني والدّيني يقول:"المجتهد اذا أصاب له أجران، واذا أخطأ له أجر واحد". أمّا سياسة التّكفير والتخوين فهي مرفوضة تماما، مثلما هي سياسة التعبير عن الرأي وحرية الاختلاف بأخذ القانون باليد مرفوضة هي الأخرى تماما.

 إنّ المعارضة يجب أن تكون بنّاءة وحضاريّة في الأحوال كلّها، ويجب أن تقوم على مقارعة الحجّة بالحجّة، وفي النّهاية لن يصحّ إلا الصحيح، أمّا اللجوء إلى العنف بين أفراد الشّعب الواحد فهذا أمر لا يقبله عاقل.

وإذا كان البعض يختلف مع الدكتور الهبّاش أو مع غيره، فليس من حقّه أن يمنعه من الصّلاة في المسجد الأقصى أو المرابطة فيه، ولا يخفى على الجميع أهمية المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرّحال، ومعراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وإنّه لأمر محزن ومقلق أن نجد بين ظهرانينا من يقف ليمنع مسلما من الصلاة في المسجد الأقصى أو في غيره من دور العبادة، أوَ لا يكفينا قيود الاحتلال على المسجد الأقصى ومنعه المؤمنين من أبناء شعبنا من الوصول إليه والصّلاة فيه، وعمله الدؤوب لتقسيم هذا المسجد الذي هو جزء من عقيدتنا الاسلامية؟

 هناك سياسات وطروحات كثيرة نختلف معها ونعارضها، ونكتب ونتحاور ونناقش في ذلك، وهذا حقّ للجميع، وإذا كنا ندعو إلى احترام وجهات نظرنا وطروحاتنا، فمن حقّ أنفسنا علينا، ومن حقّ الآخرين علينا أيضا أن نحترم وجهات نظرهم وطروحاتهم. وقد شاهدنا مرارا تظاهرات سلمية لشعوب متحضّرة أسقطت حكومات من خلال التظاهر السلمي وهم يعزفون الموسيقى ويوزعون الورود على المارّة، فلماذا لا نكون مثلهم في التعامل فيما بيننا؟

ومن الكوارث الماحقة علينا، هو الانغلاق الثقافي والتوعوي، بحيث أنّ البعض منّا يعتقد أنّه المالك الوحيد للحقيقة الصائبة، وهذا يحمل في طيّاته تجاهل تام لوجهات النظر الأخرى، فكيف نجيز لأنفسنا ذلك؟