الأمة المغربية محصنة بحكم تدينها الصحيح من كل انحراف ديني ينتج التكفير والإرهاب
قرأت هذا المساء مقالا منشورا على موقع هسبريس للأستاذ الزميل محمد المعزوز مفتش اللغة العربية كما أعرفه بحكم الزمالة قبل أن يصير خبيرا في الانثربولوجيا السياسية كما يقدمه هذا الموقع لقرائه ، والمقال بعنوان : " معزوز يلامس مسهلات مباشرة لخطر الداعشية " . وقد ختم المقال بما يلي : " إن الفشل الذي أصبح يتعمق بصمت وبخطورة فائقة في المغرب ستكون من أولى نتائجه فشل المجتمع والدولة الوطنية ، ومن ثمة إتاحة الفرصة للإسلام السياسي التكفيري عبر منظوماته الفكرية المستقوية بالفراغ الفكري المضاد والاستمرار في التحايل على الديمقراطية " . وفي بداية المقال تحدث الأستاذ المعزوز عما سماه فقدان الفرنسيين قوتهم في تحصين مجتمعهم لأنهم لم يعودوا يهتمون بالفلسفة وبالشعر والرواية والموسيقى على حد قوله . وواضح أن المعزوز يريد الربط بين الواقع الفرنسي والواقع المغربي من حيث ما سماه فراغا فكريا ،وذلك لحاجة في نفس يعقوب كما يقال . ومن المألوف أنه كلما وقع حدث في العالم إلا وحاول البعض استغلاله لتمرير ما خفي في النفوس وفضحه الحال . وعلى غرار توظيف حدث الحادي عشر من شتنبر في الولايات المتحدة لتحقيق مآرب سياسية يتم اليوم توظيف حدث الثالث عشر من نوفمبر في فرنسا لنفس الغرض . ومن أساليب هذا النوع من التوظيف اغتنام الفرصة لتصفية الحسابات السياسوية والحزبية بين الخصوم السياسيين عندنا في المغرب . ومعلوم أن المطاف انتهى بالأستاذ المعزوز إلى الانتماء لحزب سياسي هو حزب الأصالة والمعاصرة الذي وجد أصلا كما يروج في الساحة الوطنية كرد فعل على بروز حزب ذي توجه إسلامي هو حزب العدالة والتنمية . ولقد اختار حزب الجرار اسما له يعكس ما يروج عنه من كونه رد فعل على بروز حزب المصباح سياسيا حيث رفع الأصالة شعارا الشيء الذي يعني منافسته لغريمه في الأصالة والتي تدل في ثقافتنا على الدين بالدرجة الأولى ، وزايد عليه بالمعاصرة في عملية تلفيق بين توجهين على طرفي نقيض في ثقافتنا أيضا . وعلى غرار التلفيق بين الأصالة والمعاصرة لفق حزب الجرار بين مناضلي أحزاب يسارية وأخرى يمينية في إشارة واضحة للتعبير عن مغادرة هؤلاء أحزابهم لشعورهم بخفوتها أدوارها السياسية وتحدي حزب ذي توجه إسلامي لها . والأستاذ المعزوز من مناضلي الأحزاب اليسارية فقد نشأ شابا بين أحضان حزب التقدم والاشتراكية، وانضم إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقد بوأه ذلك في وقت قياسي منصب مدير مركز مهن التربية ،ونائب وزير التربية الوطنية كما بوأه انتماؤه لحزب الجرار منصب مدير أكاديمية ،وقد يحقق المزيد من طموحاته التي لا حد لها كما عهدته في ظل وصول حزب الجرار إلى مركز صنع القرار . ومن المؤكد أن الفقرة التي ختم بها السيد المعزوز مقاله تعكس الخلاف السياسي بين حزبه الجرار وغريمه حزب المصباح . وما أسجله على السيد المعزوز هو محاولة توظيف أحداث باريس للنيل سياسيا من خصومه السياسيين في حزب المصباح ، وذلك بالقول بوجود ما سماه مسهلات مباشرة لخطر الداعشية في المغرب . ويسوق خصوم حزب المصباح بما فيهم حزب الأصالة والمعاصرة لفكرة تقاطع توجهه الإسلامي مع توجه التطرف الديني في المرجعية بغرض تشكيك الشعب فيه أو تخويفه منه . ويأتي مقال السيد المعزوز لتأكيد هذا التسويق بحيث يحمل حزب المصباح ما يعتبره فشلا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا يفضي حسب اعتقاده إلى فراغ فكري من شأنه أن يقوي المنظومات الفكرية الممكنة للإسلام السياسي التكفيري المتطرف وكأني بمقولة متزعم الانقلاب على الشرعية والديمقراطية في مصر ترد على لسان الخبير المغربي في الانثربولوجيا السياسية . وكما أن متزعم الانقلاب في مصر يوطد لحكمه من خلال تجريم خصومه وتشويههم بتهمة التطرف الديني والإرهاب ،فإن أحزابا عندنا ومن ضمنها حزب الجرار تستعمل نفس الأسلوب مع حزب العدالة والتنمية من أجل سحب البساط من تحت قدمه كما يقال . وبعيدا عن السجال الحزبي الذي يتوخى تصفية الحسابات الحزبية والسياسية بين الأحزاب السياسية أرى أن الشعب المغربي محصن بحكم تدينه الصحيح من كل انحراف ديني ينتج التكفير والإرهاب ، ولن تنجح أبدا في المغرب التيارات المتطرفة دينيا على اختلاف أنواعها لأن اللحمة الدينية للمغاربة متمنعة عن كل اختراق .وإن المغاربة سنة أشاعرة ومالكيون وجنيديون يعكس تدينهم الصحيح والسليم سلوكاتهم اليومية وهم يخوضون غمار الحياة باعتدال ، وهي سلوكات تربوا عليها ولا تستسيغ لاعقولهم ولا عواطفهم التطرف في الاعتقاد أو السلوك . ولقد حاولت التيارات الدخيلة من الشرق والغرب زحزحة تمسك المغاربة بتدينهم فلم تفلح ولن تفلح أبدا . وإذا كان الفرنسيون كما ذكر الأستاذ المعزوز قد فقدوا قوة تحصين مجتمعهم بتخليهم عن فلسفتهم وأدبهم وفنهم، فإن المغاربة محصنون بدين سماوي لا يتأثر بما تتأثر به الفلسفة والأدب والفن مما يطرأ على كل فكر وضعي فوق سطح هذا الكوكب . إن المغاربة بحكم تربيتهم الدينية المعتدلة باعتدال دينهم وعقيدتهم السنية ومذهبهم المالكي وطريقتهم الجنيدية في التصوف يستهجنون تطرف وتكفير وإجرام الداعشية أو غيرها ، ولن يجد من يحمل الفكر الداعشي أو ما يشبهه موطىء قدم في المغرب أبدا . ولا أدل على الحصانة الدينية للمغاربة أنهم لم يعصف بهم ما عصف بغيرهم من الشعوب العربية من فتن ناتجة عن حراكات الربيع العربي . ولقد باءت بالفشل كل محاولات النفخ في الفوضى التي أريد بها تحويرحراك الربيع المغربي الذي كان ربيعا معتدلا متزنا متعقلا بفضل العلاقة المتينة بين قيادة رشيدة وشعب أصيل وعلى وعي تام بالسجالات الحزبية والسياسوية وبواعثها ، وله ملكة التمييز بين غث الفكر وسمينه ومتهافته ورصينه . وأخيرا أرجو أن يتسع صدر زميلي الأستاذ المعزوز لهذا النقد الذي لن يفسد ودا لزمالتنا .
وسوم: 642